حقاً و كما يقولون باللغة الشائعة " الناس بتبان وقت الأزمات "

و حقاً فقد أظهرت تلك الجائحة التي اجتاحت سكان الأرض كافة معادن و أصول البشر ، فمهما علت قدور الناس لاعتبارات شكلية كالجاه و السطوة و السلطان ، و مهما بلغ الإنسان من مراتب الهيبة و المكانة الإجتماعية و مهما اعتلي من المناصب فلم و لن تغير من أصله العميق و جذوره البعيدة و عقد نقصه التي تطارده بأي مكان و في أي ظروف و ها هي بعض الدول التي آن الآوان لإعادة ترتيب أهميتها و تصنيفها بناء علي مقياس رقيها الخلقي و أصولها الطيبة التي تظهر بالأزمات فقد شاهدنا و ما زلنا نشاهد تداعيات الأزمة الإنسانية و نستعرض صورها بوسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي و شهادات الشهود من أهلها و غير أهلها . فتوالت الصدمات بتصرفات حكومات و سلوكيات شعوب كنا نظنها أو كانت تبدو لنا و لغيرنا مثالاً للتحضر و الرقي و نموذجاً يحتذي به ، لكنه و بالأيام القاسية الماضية قد تبين لنا أنها مجرد مشاهد منمقة متعمدة بأفلامهم السينمائية المتقنة ! فقد وثقت الأزمة ما أخفته آلاتهم الإعلامية البارعة عن الآخرين ، بأكبر و أهم و أكثر دول العالم تحضراً و تسلطاً ، لنشاهد ما لا تصدقه أعيننا و لا تقو عقولنا علي استيعابه من صور مخجلة تعود بنا بالذاكرة إلي عصور الظلام بالقرون الوسطي قبل أن تنطلق دول أوروبا تلك الإنطلاقة الحضارية الفارقة ! أما عن الولايات المتحدة ، فقد فاقت سلوكيات شعبها كل حدود المنطق ، لنري صوراً قد سبقت الأوان لفوضي غير مسبوقة و نهب علني للمتاجر الكبيرة ، إضافة إلي شهود العيان الذين أكدوا أن الأمر قد تخطي السرقات و الفوضي ليصل إلي حد القتل لعمال توصيل الطعام لمجرد الإستيلاء علي وجبة ! و ما الغريب في ذلك ، فقد نقلت لنا الأخبار منذ أيام قليلة طوابير المواطنين الأمريكيين علي متاجر السلاح لتزويد ترساناتهم المعتادة بالمزيد من الأسلحة كسلوك معتاد تحسباً للأزمة ! و علي سبيل المثال أيضاً ، فقد اشتعلت الخلافات بين دول أوروبا نتيجة سرعة تخلي بعضهم عن بعض و عدم تقديم أية مساعدات لأكثرهم تضرراً كإيطالياً و أسبانيا ، حتي إن الايطاليين من شدة غضبهم من موقف دول أوروبا قاموا بانزال علم الاتحاد الأوروبي، إذ سمعنا جميعاً بالأيام الماضية رسالة المواطنة الإيطالية شديدة اللهجة لدول القارة ذات الإتحاد الزائف و الذي لاح بالأفق أنه علي وشك الإنهيار فور انتهاء الأزمة ناهيك عن حالات القرصنة الصريحة و الضمنية ببعض الأحيان التي تقوم بها بعض دول الغرب تجاه بعضها كالسطو علي شحنات الكمامات و المطهرات من دولة و هي بطريقها لأخري كان من المفترض أنها صديقة لها . أقسم أنني لا أستعرض تلك التفاصيل من أجل الشماتة بالآخرين لا سمح الله ، لكنني أستعرضها لأحمد الله ليلاً و نهاراً و أفتخر بانتمائي لهذا البلد الذي حفظه الله علي مر الزمان ، و الذي تمتد جذوره لأقدم تاريخ علي وجه هذه الأرض ، و هذا ما تجلي بأوقات الشدائد و استحكام الأزمات ، فتلك الأرض الطيبة المباركة و أهلها الطيبين الذين يمتلكون من الأصل و رقي الخلق ما لا يمتلكه أحد ، إذ ظهرت معادنهم الطيبة و أصولهم العريقة التي ربما تراكمت عليها بعض الأتربة لتغطيها فترة من الزمن لكنه الماس الذي لا تؤثر به عوامل الزمن مهما اشتدت قسوتها ، فعندما نستعرض صور مصر و المصريين قيادة و حكومة و شعباً ، سنشعر بالفخر و الإمتلاء و الأمان و الإطمئنان الذي ربما كان بعضنا يعجز عن رؤيته جيداً ،لكنها الأزمة التي أظهرت أجمل خصالنا و أشدها عمق ، فما قدمته الدولة لشعبها في أسابيع قليلة قد فاق توقعات الجميع و ما اتخذته من إجراءات سريعة متوازية بكل الإتجاهات لتدارك الموقف و محاولة السيطرة السريعة علي انتشار الوباء ، قد شهد العالم أجمع بجديته و تفرده ، و ما تفعله السلطات من تحركات محسوبة بها مخاطرة كبيرة لاستعادة المصريين الذين تم احتجازهم بدول أخري ، لم تفعله أكبر و أكثر الدول تقدماً مع مواطنيها . و ما شاهدناه من صور استعداد قواتنا المسلحة علي كافة المستويات تحسباً لتفاقم الأزمة لا قدر الله ، لهو بحق مدعاة للفخر . و ما قدمته و ما زالت تقدمه مصر لأكثر الدول تضرراً من الوباء قد سبق أكبر و أهم الدول الغنية المتحضرة و تسبب لها بالكثير من الخجل . أخيراً و ليس آخراً : ما ظهرت به سلوكيات غالبية المصريين من تحضر ووعي و مسؤولية لمساندة مجهودات الدولة و دعم إخوانهم ممن لا يملكون الوعي الكافي لتوعيتهم من خلال مئات الرسائل و الفيديوهات التعليمية التطوعية من مختلف التخصصات ، و كذلك تسارع أهل الخير لإعانة المتضررين من العمالة المؤقتة لتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي بحق من خلال مبادرات مشكورة لم تخرج عن أغني و أكبر الأسماء اللامعة في عالم رجال الأعمال الأثرياء . حتي وسائل الترفيه و التسرية بأوقات الحظر لم يغفلها شعب مصر العظيم و لم يبخل بها بعضهم علي بعض ، فقد تسارع عدد من فناني مصر مطربين و موسيقيين بتقديم حفلات مباشره لجماهيرهم كنوع من أنواع الدعم النفسي و المسؤولية الإجتماعية . في صورة رائعة لتجاوز الأزمة تعكس معدن شعب أصيل مهذب و دولة عريقة تمتد جذورها لبدايات وجود الإنسان علي ظهر هذه الأرض . فهل نفتخر جميعاً بعد أن تعددت الصور بصورة مصرية راقية ستتصدر صفحات التاريخ عما قريب ؟ فأنا بحق " مصرية و أفتخر " .



الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;