سوريا تنزف دماً.. أين أنتم يا عرب؟

تعجز الكلمات عن وصف الغضب والحزن اللذين أشعر بهما أمام المشاهد المروّعة التى تُعرَض على شاشاتنا. أى عالم هذا الذى لا يحرّك ساكناً ويكتفى بعقد المؤتمرات فيما تُقصَف المستشفيات، وتُسحَب جثث الأطفال الصغار من تحت أنقاض المبانى فيما يصرخ أطفال آخرون مصابون وينادون أمهاتهم اللواتى أصبحن جثثاً هامدة! لا يزال يتردّد فى أذنَى وقع كلمات فتى صغير أُرغِم على دفن شقيقه الرضيع لأنه لم يبقَ أحد سواه من العائلة. فقد قال باكياً: "إنشالله أموت أنا، إنشالله أنا ولا أنت".

فى الآونة الأخيرة، دُمِّر مستشفى يتم تشغيله تحت رعاية منظمة "أطباء بلا حدود"، وكذلك عيادة طبية فى حلب. ليس أمام المرضى والمصابين من مكان يقصدونه للعلاج، فحتى المنشآت الطبية أصبحت مستهدَفة. إنها جرائم حرب خطيرة، وآمل بكل جوارحى أن تتم محاسبة المسئولين عنها وإنزال أشدّ العقاب بهم، مع العلم بأنه ما من عقاب يمكن أن يعوّض عن كل هذا الألم وهذه المعاناة التى تتسبّب بها وحشية الإنسان تجاه أخيه الإنسان.

أى "رئيس" هذا الذى يرسل مقاتلاته لقصف أبناء شعبه فيما هم ممدّدون على أسرّتهم فى المستشفيات؟ لا يملك حتى الجرأة للاعتراف بما اقترفته يداه. ليس سوى وحش بشرى مسئول عن زهق أرواح أكثر من 400000 شخص، وتهجير ما يزيد عن نصف السكان، وتحويل أربعة ملايين ونصف مليون سورى إلى لاجئين يهربون إلى بلدان حيث يُعامَلون معاملة أسوأ من معاملة المجرمين.

لقد مرّت خمس سنوات منذ بدء هذا الكابوس. كل الجهود الهادفة إلى وضع حد لحمام الدماء ضاعت هباءً. الحلول الوحيدة التى تقترحها البلدان والتحالفات هى القصف ومزيد من القصف، والمحادثات ومزيد منها.

عارٌ على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لأنه يحمى هذا النظام الهمجى! وعارٌ على الرئيس الأمريكى باراك أوباما، الذى يدّعى أنه النصير الأعظم لحقوق الإنسان، لأنه لم يتدخّل بطريقة مجدية وفعالة! وعارٌ على الأمم المتحدة لأنها فشلت فى مهمة إحلال السلام – ونعم، عارٌ علينا نحن العرب! السوريون هم إخواننا وأخواتنا؛ وأبناؤهم أبناؤنا. هل رأيتم الرعب فى عيونهم؟ هل سمعتهم صرخات اليأس التى يطلقونها؟ ماذا جنت أيديهم ليعيشوا هذا الجحيم على الأرض؟ إنهم يستغيثون طلباً للنجدة، لكن يبدو أن صنّاع القرار الذين يستطيعون أن يُحدثوا فرقاً، وأولئك الذين يستطيعون حشد سلاح الجو والقوات البرية والأسلحة المتطورة لمحاربة النظام والإرهابيين، لا يعيرونهم آذاناً صاغية، لأنهم لو أصغوا فعلاً إلى صرخاتهم، لأرسلوا جيوشهم دون تأخير.

ينبغى على قوات التحالف الإسلامى لمكافحة الإرهاب الذى يضم 34 دولة بقيادة السعودية، أن يرصّ صفوفه فى مواجهة الإرهابى الأسوأ على الإطلاق، بشار الأسد، قبل تطهير هذه الأرض العريقة من "داعش"، ومن تنظيم "القاعدة" و"جبهة النصرة" التابعة له، ليتمكّن السوريون من العودة إلى ديارهم، وليعود أطفالهم إلى المدارس بدلاً من أن يُضطروا إلى التسوّل فى شوارع لبنان وتركيا والأردن، ومن أجل الحفاظ على كرامة النساء السوريات وشرفهن.

قلوبنا يعتصرها الألم لدى سماع الأخبار عن أن أعداداً كبيرة من أخواتنا السوريات يضحين بأنفسهن عبر عقد قرانهن مؤقتاً على رجال متقدمين فى السن، أو الإقدام على ما هو أسوأ من ذلك، فقط من أجل تأمين لقمة العيش والاعتناء بأسرهن. نحن أمام مشهد متكرّر. فقد آلمتنى أيضاً التداعيات التى تحمّلها الشعب العراقى جراء العقوبات الشديدة التى فرضتها الولايات المتحدة على العراق فى عهد بيل كلينتون، والتى يُعتقَد أنها تسبّبت بوفاة ما قد يصل إلى نصف مليون طفل عراقى.

استقال مسئولان فى الأمم المتحدة احتجاجاً على العقوبات على العراق التى وصفاها بأنها "إبادة جماعية". ورداً على سؤال حول ما إذا كان الثمن - مقتل هذا العدد الكبير جداً من الأطفال - يستحق العناء؟ أجابت مادلين أولبرايت التى كانت آنذاك مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة: "أظن أنه خيار صعب جداً، لكن الثمن يستحق ذلك".

وقال بيل كلينتون لآيمى غودمان: "إذا كان هناك جياع أو أشخاص لا يحصلون على الدواء، فالذنب ذنبه [أى صدام]". انتابنى غضب شديد. وجّهت إليهم كلاماً لاذعاً لأنهم ينتزعون الخبز من أفواه العراقيين ويحشرون النساء العراقيات الشريفات فى مواقف صعبة جداً، حيث اختارت بعضهن التضحية بشرفهن كى يبقى أطفالهن على قيد الحياة. دقّ كلينتون مسامير فى نعش العراق، وأحكم جورج دبليو بوش تثبيتها. كان غزو العراق جريمة سيقت ذرائع واهية لتمويهها.

لكن فى مواجهة قضية إنسانية محقّة، أدار أوباما ظهره للشعب السورى، وتخلّى عن "الجيش السورى الحر" ناهيك عن السوريين العاديين الذين تركوا وظائفهم وحقولهم للدفاع عن منازلهم، معلّلين أنفسهم بالحصول على الدعم الذى تعهّدت الولايات المتحدة بتقديمه.

تبقى سوريا واحدة من أكبر المآسى التى تسبّب بها الإنسان فى عصرنا. إذا انتظرنا الولايات المتحدة أو روسيا أو الأمم المتحدة للتوصّل إلى حل، فلن يبقى شىء فى سوريا كى يعود إليها أبناؤها. الأسد هو حجر العثرة. يجب أن يرحل بطريقة أو بأخرى قبل أن يصبح بالإمكان إحلال مظهر من مظاهر السلام. أناشد قادة دول مجلس التعاون الخليجى وحلفاءهم العرب بذل قصارى جهدهم للعمل على رحيل الأسد.

أثنيت فى مقال كتبته مؤخراً على روح الاستقلالية الجديدة التى تتحلّى بها الدول ذات الأكثرية السنّية فى وقوفها فى وجه أعدائها. والآن أناشدها أن تمدّ حبل النجاة إلى إخواننا السوريين الذين تخلّى العالم عنهم وتركهم تائهين من دون أمل. ربما كان العالم الخارجى لا يأبه لأراوح السوريين، لكن ما هو عذرنا نحن؟ يحلو لنا أن نتباهى بالشرف والنخوة العربية. حسناً، نحن الآن أمام الامتحان الأكبر، ويجب ألا نرسب فيه. قد يغفر لنا الله سبحانه وتعالى إذا لم تقاعسنا وتخاذلنا، فهو غفور رحيم، لكن السوريين وأولادهم وأحفادهم لن يغفروا لنا بالتأكيد.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;