"الفتي" الذى لا يقل خطورة عن أزمة السد

لا شك أن هناك حالة من القلق المشروع تصل لدرجة الغضب المبرر بين المصريين من التعنت الإثيوبى فى مفاوضات سد النهضة، ولم لا والمياه تمثل شريان الحياة والوجود فى مصر منذ آلاف السنين. لكن حالة "الفتي" و"الهبد" على مواقع التواصل الاجتماعى " فيما يخص الأزمة وصلت لدرجة لا يمكن السكوت عليها. لأنها أصبحت ظاهرة خطيرة ينبغى التصدى لها. فالجميع تحولوا لخبراء عسكريين واستراتيجيين وخبراء مياه. فحل مشاكل مصر موجود ومتاح فى بوستات وفيديوهات تطاردنا ليلا ونهارا على "التايم لاين" لكل من "هب ودب" دون فهم لأبعاد أى أزمة ومتطلبات الحفاظ على الأمن القومى.

ولكل لهؤلاء نقول بهدوء.. عند تناول أزمة المياه فى مصر ينبغى عدم التوقف فقط أمام أزمة سد النهضة - رغم أهميتها وخطورتها - والنظر بصورة أشمل للأزمة التى تواجهنا وكيف تتعامل الدولة وماهو دورنا فى مواجهة الشح المائى المتوقع.. معلومة لدينا أزمة نقص تتخطى عشرات من المليارات متر مكعب من المياه بعيدا عن أزمة سد النهضة ؟!.

الدولة المصرية بكل مؤسساتها الوطنية تحاول تأمين مستقبل مصر المائى وتعالج فاتورة إهمال وتجاهل طوال عشرات السنوات لهذا الملف المصيرى مرورا بحادثة أديس أبابا المقصودة والتى كانت سببا للقطيعة النفسية من مبارك لإفريقيا عموما وأثيوبيا بالتحديد.. وتضاعفت خطورته بفعل أحداث 2011 والتى كانت سببا رئيسيا فى شروع أثيوبيا فى تنفيذ السد. لتأتى سنة حكم الجماعة الإرهابية وفضيحة مؤتمرهم السرى بقصر الرئاسة على الهواء ليعود بنا إلى نقطة الصفر.

القيادة المصرية الحالية وخلال السنوات الست الماضية تدرك جيدا أن أزمة نقص المياه بناء على التوقعات المستقبلية للزيادة السكانية بخلاف أزمة السد الأثيوبى قضية " أمن قومى " ولديها رؤية وإستراتيجية تعمل على تنفيذها.

فمنذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى القيادة فى 2014 وهناك خطة تعمل مؤسسات الدولة المعنية على تنفيذها بكل جدية على كافة المحاور بالتزامن وتتضمن: المحور الأول: إعادة بناء الثقة مع أفريقيا عموما والجانب الأثيوبى متمثلة فى إعلان المبادئ والمفاوضات خلال السنوات الست تحت شعار تحقيق مصلحة كل الأطراف ضمان التنمية لأثيوبيا.. والحياة لمصر وعدم الضرر الجسيم.. إلا أن التعنت الإثيوبى وعدم توافر إرادة سياسية أثيوبية لحل الأزمة اضطر مصر إلى اللجوء لمجلس الأمن لكى يتحمل مسئولياته.. وهذا المحور بشهادة المجتمع الدولى حتى الآن تسير فيه مصر بنجاح. ومازالت المعركة الدبلوماسية مستمرة على قدم وساق مع احتفاظ مصر بخيارات أخرى للحفاظ على حق المصريين فى الحياة كما أعلن وزير الخارجية المصرى ردا على التصريحات المستفزة من الجانب الأثيوبى تجاه هذه الخطوة.

المحور الثاني: "الخطة القومية للمياه" فى مصر بتكلفة 50 مليار دولار: وتشمل عدة محاور أبرزها إنشاء محطات تحلية المياه والتى تشهد اهتمام غير مسبوق من القيادة السياسية للاستفادة من مياه البحرين الأبيض والمتوسط رغم ارتفاع تكلفتها الباهظة خاصة فى المحافظات الحدودية. وقد تم إنشاء 63 محطة. وجار تنفيذ 19 محطة ما بين تحلية مياه البحر أو معالجة الصرف الصحى ضمن مشروعات البنية التحتية للمياه بخلاف التوسع فى نظم الرى الحديثة. وتطهير المجارى المائية. وزراعة محاصيل أقل استهلاكا للمياه.. إلخ، خاصة وأن الزراعة تستهلك حوالى 80% من حصة المياه فى مصر وهذا المحور أيضا بشهادة المتخصصين حققت فيه الدولة تقدما ملحوظا حتى مع ملاحظات البعض بالتقصير فى بعض جوانبه لكن مازالت مؤسسات الدولة المعنية مستمرة فى تنفيذ المستهدف.

المحور الثالث: وهو محور التوعية سواء فيما يتعلق بأهالينا من الفلاحين فى الزراعة أو عموم المصريين بترشيد استهلاك المياه. خاصة مع أزمة الفقر المائى التى نعيشها وتضاعف خطورتها مع الزيادة السكانية المتوقعة والتغيرات المناخية وبدء تشغيل سد النهضة. وأعتقد أننا مقصرون جدا فى هذا المحور ولا أستثنى أحدا.

من هنا يجب إعلان حالة التأهب وتكاتف كل مؤسسات المجتمع المدنى ووسائل الإعلام لتوعية المواطنين بضرورة الحد من العادات الخاطئة فى استهلاك المياه حتى لا يأتى يوم نندم فيه على المياه التى نهدرها يوميا فى حياتنا ووقتها لن ترحمنا الأجيال القادمة على سوء استهلاكنا وإضاعة حقهم فى كوب مياه صالح للشرب.. فهل نتحرك فيما يخصنا فى مجال التوعية وترشيد الاستهلاك بدلا من "الفتي" على مواقع التواصل الاجتماعى " فى ملف نثق أن مؤسسات الدولة وأجهزتها قادرة على التعامل معه بما يحمى أمننا المائى وحقنا فى الحياة.



الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;