كيف وصل التبذير والبذخ إلى هذا الحد؟!

لا أجد إجابات واضحة على سؤال يتكرر فى ذهنى حول ثقافة الترف والبذخ التى تحول لها المجتمع، وهوس الإنفاق الذى أصاب أغلبنا، الغنى والمتوسط حتى الفقير، فالمشهد بات غريبا وغير متعارف عليه، فقبل عشرين عاما أو يزيد كانت الأسرة الريفية العادية فى صعيد مصر، تتناول وجبة إفطارها فى السادسة صباحا، التي كانت عبارة عن بعض الأرغفة من الخبز، أو "البتاو"، كما فى محافظتى " بنى سويف"، مع الفول المدمس الذى كان يتم إعداده وتجهيزه فى المنزل، ثم كانت الوجبة الرئيسية فى الغداء "البيض والجبن"، عدا يومين في الأسبوع للحوم أو الفراخ، وكان الجميع يعيش فى أفضل صحة وخير حال، والرضا كان يفيض ليعم كل الأسرة. مائدة الإفطار الآن لآبد أن تحتوى على أربعة أو خمسة أنواع من الجبن، بجانب البيض بأشكال وطرق مختلفة، ثم الفول واللانشون والزبادى والعصائر الفريش، والفاكهة المحلية والمستوردة، مع عسل النحل والعيش "التوست"، لنصل في النهاية إلى إهدار 80% من هذه المأكولات، وإلقاء ما تبقى في سلة المهملات، والحال نفسه فى كل الوجبات، وهذا يدعونا للتساؤل:" لماذا تحول المجتمع إلى هذا النمط من الإسراف؟! لست ضد تحسين النمط الغذائى لدى الأسر الغنية أو الفقيرة، ولا أقدم هذه الكلمات كدعوة للتقشف أو الزهد، لكنها رسالة نحو العودة إلى البساطة والرضا الذى بات مفتقدا بيننا، بعدما غلب نمط الرفاهية، الذى يقودنا إلى ما لا نهاية من التطلع والحاجة، خاصة أننا دولة فقيرة تتحسس طريقها نحو المستقبل، وتبنى اقتصادها وسط إرث ثقيل من المشكلات والقضايا المزمنة، التى لا تحتاج سوى العمل والإنتاج والسعى. الأسرة المصرية لا تعرف ثقافة الادخار، وقد كتبت هذا قبل أكثر من عام فى أحد المقالات، والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى النمط الاستهلاكي ومستوى الرفاهية والتطلع الذى تسعى كل طبقة اجتماعية للعيش فيه، مع العلم أن هناك فئات مُلهمة ونماذج حقيقية بدأت من الصفر واستطاعت تكوين كيانات اقتصادية عملاقة، إلا أن الصورة النمطية التي يتم تصديرها في الإعلام والدراما تختلف دائما عن الواقع، وتسلط الضوء على نمط حياة لا يمثل سوى قطاع محدود من المواطنين، وتتناول إما الثراء الفاحش والمال اللا محدود أو الفقر والعشوائية، وتتناسى النمط الطبيعى الذى يغلب على حياة ملايين المصريين، وفى اعتقادى هذا سبب رئيسى فى تصدير حالة الإسراف غير المبرر التى نعيشها الآن. نحتاج إلى حالة البساطة التى كانت تعيشها الأسرة المصرية، نحتاج إلى ثقافة العمل والسعى، علينا أن نمتلك أولا ثم ندخر، لا أن نسبق ذلك بالبذخ والإنفاق، وهذه قاعدة ذهبية ما أحوجنا إليها كبلد ننشد التقدم والطموح لحياة أفضل.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;