بعد أورلاندو.. ربنا يستر من انتقام أمريكا

قراءة الأحداث تقول، إن أمريكا تبحث الآن عن كبش فداء، تُمثل به وتسحقه بقوتها المتوحشة، رداً على حادث ملهى أورلاندو، الأسوأ فى تاريخها بعد تفجير برجى التجارة فى 11 سبتمبر، ويزداد الموقف سوءًا فى ظل مزادات الانتقام، بين مرشحى الرئاسة كلينتون وترامب، وقد يغامر أوباما فى أيامه الأخيرة فى البيت الأبيض، بالدخول فى حرب تنقذ سمعته المتردية، وتشبع رغبة الرأى العام الأمريكى المجنونة، فى سرعة إيقاع العقاب حتى لو تم اختيار العدو المنتظر دون أدلة اتهام. سوابق أمريكا تنذر بأعمال عسكرية مقبلة متهورة محيطها الشرق الأوسط، فليس لديها مناطق أخرى تحارب فيها العدو الافتراضى، رغم أن الإرهابى الذى قتل رواد ملهى المثليين، من جذور أفغانية ويحمل الجنسية الأمريكية، ولكن أمريكا لا يهمها التوصل إلى الحقيقة، أو إيقاع العقاب بالفاعل الأصلى، المهم هو إشباع غزيرة الانتقام وتهدأة هوس استعراض القوة، واختيار عدو «يشيل» القضية، حتى لو لم يكن له يد.

أفغانستان، باعتبارها جذور الجانى، لا تحتمل عملا عسكريا، لأنها بالفعل تحت الاحتلال الأمريكى، وخرجت من قوى الشر بعد تدميرها ودك حصون الإرهاب فيها، والمتوقع أن يعيش المسلمون فى أمريكا أياما سوداء، سواء يحملون الجنسية الأمريكية أو من المقيمين، على غرار ما حدث لهم فى سبتمبر، من ازدراء وكراهية وبغضاء ومعاملة عنصرية، وهذه المرة سيكون الخطاب الرسمى أكثر تشددا وعنفا، كسبا لتأييد الناخبين الغاضبين وسعيا لأصواتهم، فالخطر يهدد كيان الحضارة الأمريكية القائمة على الحرية، ضد «حثالة» من الإرهابيين، وفرت لهم على أراضيها حياة كريمة مثل سائر الأمريكيين، لكنهم تمردوا وخانوا الولاء.

وإذا كانت الدراما الأمريكية تقدس البحث عن «ضحية»، تنفذ فيه شريعتها الانتقامية، فلم يعد فى المنطقة سوى الرئيس السورى بشار الأسد الذى تتجسد فيه مواصفات «البطل الشرير»، حتى لو يتوافر ضده أى دليل، لكنه مطلوب اليومين دول، ليصعدوا فوق جثته، ويفعلوا به مثلما فعلوا مع صدام حسين.

اتهموا صدام بأنه المخطط لأحداث 11 سبتمبر، وأنه عقد لقاءات فى البصرة مع عبدالسلام عطا المنفذ الرئيسى، وأخرجوا له تقارير عن امتلاك أسلحة نووية وكيماوية، وأثبتت التحقيقات التى أجرتها المخابرات الأمريكية، أن صدام لم يلتق عطا، وأن الاتهامات كاذبة ودس بها جاسوس أمريكا أحمد الجبلى، وبعد غزو العراق وتقليب قصورها ومخازنها ومخابئها وأرضها مترا مترا، لم يعثروا على كيماوى أو نووى، وإنما كانت تقارير مزيفة، وبرر بوش الابن جريمته بقوله «حتى لو كنت أعلم ذلك كنت سأغزو العراق».

من غير المجدى أن نؤنب أمريكا، ونقول لها «أنت السبب» ولا تستوعبين الدرس، ولا أن نعاتبها، لأنها هى التى خلقت القاعدة وأسامة بن لادن، ولم تتأسف على تدميرها دولة عريقة وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، واستمرت فى لعبة الفوضى الدموية، وأنشأت داعش لضرب الشيعة، ثم أحيت الشيعة لكسر شوكة داعش، دون أن تعى أن داعش هى القاعدة وهى الجيش الشعبى الشيعى، وهى أيضا أنصار بيت المقدس وجبهة النصرة والإخوان وولاية سيناء وشهداء اليرموك، وغيرها من مسميات مختلفة لكيان إرهابى واحد.

راح صدام والقذافى ولم يبق أمام أمريكا من قوى الشر القديمة سوى بشار، وجاءت توابع انهيار برجى التجارة فى مذبحة ملهى أورلاندو، وكأن التاريخ يعيد نفسه بالقلم والمسطرة، فقد حدثت سبتمبر الأولى بعد تولى بوش الحكم بتسعة أشهر، ووقعت أورلاندو الثانية قبل أن يأتى حاكم أمريكا الجديد بتسعة أشهر، وأمريكا لا يحكمها رئيس، بل جماعات ضعط نافذة وأجهزة تصنع القرار، وتخطط وتنفذ، وربنا يستر من انتقام أمريكا.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;