النفاق زيف أخلاقي يبرهن على قيمة الأخلاق الصحيحة، فمثلما تفعل النقود المزيفة ذات القيمة المؤقتة بالنسبة للنقود القانونية ذات القيمة الدائمة، فالنفاق برهان على أن كل إنسان يتوقع أو يتطلب سلوكاً أخلاقياً من جميع الناس الآخرين ، ومؤكد أن فساد العلماء من الغفلة ، وفساد الفقراء من النفاق ، ولم يقدم عرض مسرحي هذه الآفة الاجتماعية المدمرة في المسرح إلا قليلا من العروض ، ولكني حالفني الحظ لأشاهد عرضا مسرحيا كوميديا تناولها بشكل ساخر يعتمد علي كوميديا الموقف وهي مسرحية " مقبرة رمسيس " .
المسرحية من تأليف وإخراج الفنان الموهوب ياسين رياض قدمها علي مسرح مكتبة مصر الجديدة بمجموعة من المواهب من أعمال مختلفة جميعهم من الهواة باستثناء ممثلين أو أكثر لهم تجارب محترفة ، وللحق جميعهم يمتلكون مواهب حقيقية بتفاوت وتباين في الخبرات .
أجمل ما في هذا العرض المسرحي الكوميدي أنه يجعلك تشم رائحة مسرح نجيب الريحاني وفؤاد المهندس وإسماعيل ياسين ومحمد صبحي ، وواضح جدا تأثر الفنان رياض ياسين بهؤلاء العظماء الذين قدموا مسرحا بعيدا عن أي اسفاف أو ابتذال ، بل قدموا موضوعات من رحم المجتمع وناقشوها بكل حرية .
العرض ينتصر للصدق والصراحة ويكشف الكذب والنفاق الذين انتشر من حولنا جميعا ومن أقرب الناس إلينا من خلال فكرة بسيطة لرجل مصري رب أسرة يدعي " رمسيس " يفكر في حيلة بأن يسرب خبر بأن داخل منزله مقبرة فرعونية ، فيلتف حوله كل أهل الحارة وينافقوه ويحاولوا التقرب له إما بالنسب والزواج من ابنته وإما بطرق أخري وذلك فقط بعدما علموا بأنه لديه مقبرة فرعونية ، فالفكرة تفتح وتفجر مواقف كوميدية كثيرة وظفها مخرج العرض ومؤلفه وبطله بحرفية شديدة.
أجمل ما في هذا العرض هو أنه يقدم بمجموعة مواهب صغيرة مع خبرات من ممثلين مخضرمين لينقل كل جيل خبراته للجيل الذي بعده ، وأجمل ما في العرض أيضا هو أنه يقدم بدون أي ألفاظ خادشة للحياء أو ابتذال ألأو ايحاءات جنسية ، وأجمل ما العرض ان المسرح كان " كومبليت " وهو نفس المسرح الذي شهد آخر عروض الفنان الكبير الراحل سمير غانم " الزهر لما يلعب " .