الأزمة الأوكرانية.. الحاجة إلى استنساخ "مؤتمر يالطا"

مازالت الأزمة الأوكرانية تهيمن على الأجواء العالمية فى المرحلة الراهنة، بينما تبقى المعضلة الرئيسية هى البحث عن مخرج، يمكن العالم من النجاة من "حرب عالمية" محتملة، قد تأكل الأخضر واليابس، فى ظل حالة دولية تحمل فى طياتها تعقيدات، تتجاوز أى وقت مضي، ليس فقط لتعدد الأزمات، ولكن لتنوعها وشموليتها، واتساع رقعتها الجغرافية، فأصبحت الأوضاع فى أوكرانيا بمثابة تكرارا لإرهاصات الحربين العالميتين، اللتين شهدهما العالم فى القرن الماضي، ناهيك عن ظهور أزمات جديدة، باتت تمثل تهديدا للكوكب بأسره، على غرار الوباء، والتغيرات المناخية، مما يشكل ضغوطا كبيرا على "البنية الدولية" الراهنة، والتى تعتمد قوى دولية واحدة، تعجز معها بصورتها الحالية عن احتواء المخاطر المترتبة على حالة الارتباك الراهنة. ولعل الولايات المتحدة، باعتبارها القوى المهيمنة على العالم، لم يعد بمقدورها القيام بدور بارز فى الأزمة الحالية، كما كان عليه الحال قبل سنوات، فى ظل العديد من المعطيات، أولها أنها تمثل الطرف الرئيسى فى الصراع الذى تشهد الأراضى الأوكرانية فى مواجهة موسكو، بينما يبقى العامل الآخر، وربما الأهم، هو عجزها عن التصدى للتحرك الروسي، سواء عبر القنوات الشرعية، والمتمثلة فى الأمم المتحدة، فى ظل امتلاك خصومها (روسيا والصين) حق الفيتو، وبالتالى اعتراض أى محاولة للنيل من موسكو، من جانب، أو من خلال ما أسميناه فى مقالات سابقة بـ"شرعية التحالفات"، والتى اعتمدتها واشنطن كبديل فى حالة العجز "الأممي" عن تمرير الرغبات الأمريكية، على غرار الحرب على العراق، وهو ما يرجع فى جزء كبير منه إلى حالة انعدام الثقة فى الحليف الأمريكى من قبل دول أوروبا الغربية، وخاصة الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى ارتباط تلك الدول بمصالح رئيسية ومحورية مع روسيا، وعلى رأسها إمدادات الغاز، من جانب أخر. وهنا تبدو الحاجة ملحة إلى إعادة ترتيب المشهد العالمي، عبر الدعوة إلى مؤتمر دولي، يشهد مشاركة متوازنة من قبل المعسكرات المتصارعة، فى المرحلة المقبلة، ربما يحمل هدفا معلنا يقوم على فكرة الوساطة بين طرفى الصراع، للوصول إلى حلول، بينما يحمل فى طياته أهدافا أخرى بعيدة المدى، أهمها اعتماد قواعد الصراع العالمى الجديد، فى تكرار لمشهد مؤتمر "يالطا"، والذى انعقد فى أعقاب الحرب العالمية الثانية. والحديث عن "إرهاصات" لما يمكننا تسميته بمحاولات استنساخ "مؤتمر يالطا" جديد، فى المرحلة الراهنة، يحمل مصادفة تبدو "قدرية"، حيث تبقى يالطا، المدينة الأوكرانية، شاهدا على إعادة توزيع الأدوار الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تمكنت دول "الحلفاء"، باعتبارها المعسكر المنتصر إلى تقسيم العالم بين معسكرين، أحدهما فى الغرب بقيادة الولايات المتحدة، بينما الأخر فى الشرق بقيادة الاتحاد السوفيتي، لينتهى الحال بتقويض إمكانات دول "المحور" وتقسيم بعضها، وعلى رأسها ألمانيا، بينما مهد الساحة نحو مفهوم "الحرب الباردة"، والتى ابتعدت نسبيا عن المواجهات العسكرية المباشرة، وتحولت نحو استحداث مفاهيم أخرى، منها الحروب الاقتصادية، والحروب بالوكالة وغيرها، فى حين ولدت الأمم المتحدة من رحمه، لتقوم بخلافة "عصبة الأمم"، والتى انتهى دورها فعليا مع اندلاع الحرب فى عام 1939، بعدما فشلت فى تحقيق الهدف الذى تأسست من أجله، وهو حفظ السلم والأمن الدوليين. ويطرح الحديث عن مؤتمر دولى جديد لإعادة ترتيب المشهد العالمي، عن القوى التى يمكنها البروز لفرض رؤيتها، إلى جانب القوتين المتنافستين، وهما روسيا والولايات المتحدة، عبر القيام بدور الوساطة، والذى يؤهلها للقيام بدور أكبر فى مستقبل النظام العالمى الجديد، حيث تبقى الصين بمثابة القوى الأبرز فى هذا الإطار، خاصة وأنها تمكنت إلى حد كبير من إظهار قدر من الحيادية، أو ما يمكننا تسميته بـ"الانحياز المعتدل" لروسيا، وهو ما بدا فى امتناعها عن التصويت فى جلسة مجلس الأمن حول العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، على عكس المتوقع باستخدام حق الفيتو ضد القرار، على اعتبار التحالف بين الجانبين. وللحقيقة الموقف الصينى يحمل "برجماتية" كبيرة، فى ظل امتلاك روسيا لحق الفيتو، وقدرتها على منع القرار، وهو ما يمكن الصين من اتخاذ مساحة من الاعتدال تفتح لها الباب أمام المناورة، عبر اكتساب قدر كبير من ثقة الغرب الأوروبي، يؤهلها للقيام بدور، ليس فقط فى الأزمة الراهنة، فى ظل التباعد الأوروبى الأمريكي، من جانب، بالإضافة إلى علاقتها القوية مع موسكو من جانب أخر. وفى الوقت نفسه، تبقى فرنسا أبرز القوى الأوروبية، التى يمكنها القيام بدور، فى الأزمة الراهنة، ليؤهلها لدور أكبر فى المشهد الدولى برمته، خاصة وأن الموقف الروسى يبقى مقبولا للغاية من الجانب الروسي، على الرغم من حدة التصريحات هنا أو هناك، فى ظل الحرص على المحادثات بصورة كبيرة بين الجانبين، ناهيك عن الموقف الفرنسى من حلف الناتو، والذى سبق وأن أعلنه الرئيس إيمانويل ماكرون، فى 2018، عندما أعلن، فى حضور الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، أن الحلف "مات إكلينيكيا"، داعيا إلى تأسيس "جيش أوروبى موحد"، وهى الفكرة التى لاقت قبولا كبيرا من موسكو فى ذلك الوقت، بالإضافة إلى كونه أحد دول المعسكر الغربى التاريخيين، والذين لا يمكن لواشنطن وحلفائها التنكر لهم، فى ظل العديد من الأبعاد التاريخية والجغرافية لا يمكن أن تمحيها الخلافات الحالية. وهناك أيضا دور ألماني، وإن كان يبدو أقل تأثيرا من نظيريه الصينى والفرنسي، خاصة مع حالة الارتباك التى تشهدها برلين فى المرحلة الحالية، خاصة مع رحيل المستشارة السابقة أنجيلا ميركل والتى قبعت على قمة السلطة لأكثر من 15 عام، كاملة، بينما تواجه السلطات الحاكمة فى المرحلة الراهنة، العديد من التحديات، جراء الغضب الشعبى إثر قيود كورونا، ناهيك عن التحديات الاقتصادية، إلا أنها تتمتع فى الوقت نفسه بـ"الانحياز المعتدل"، فى ظل الانتماء لدول المعسكر الغربى من جانب، بينما ترتبط بمصلحة مباشرة مع موسكو جراء تدفق الغاز الروسى إلى أراضيها. وهما يمكننا القول بأن الصراع الدولى قادم لا محالة، ولكن ربما يتجسد الأمل الوحيد فى جلوس القادة المتصارعين للاتفاق على القواعد التى سوف تحكم هذا الصراع، بحيث لا يتحول إلى "حرب عالمية" جديدة، من شأنها القضاء على فرص الحياة لملايين البشر، والذين أن لم تقتلهم نيران المدافع، فربما تقضى عليهم المجاعات، فى ظل صعود أزمات أخرى تترك تداعياتها على كل مناحى الحياة.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;