لماذا سقطت الأندلس؟ أمن قلة إيمان؟

طالما شبه أبى (رحمه الله) الملوك والأمراء والرؤساء العرب بملوك الطوائف ! فى الحقيقة ما يؤخرنى عن كتابة مذكراته إلا صعوبة المهمة؛ فهى - فى جزءٍ منها - أشبه بمقالات غير متصلة تؤرخ لأحداثٍ مع التعقيب عليها مما يلقى على عبء ترتيبها حسب تسلسلها التاريخى لإدراج كلٍ فى سياقه وإذا أضفت ثراءه المعلوماتى وغزارة وتنوع وتشابك ما اورد لأمكن تخيل كم الوقت الذى احتاج للبحث فى المراجع المختلفة، وكلما تصفحت جزءاً ادركت مدى التباين بين رؤيته للأحداث والتعاريف والمسميات التى أطلقها على الأشياء والوقائع ورؤية غيره وتعريفاتهم ومسمياتهم لذات الأشياء وذات الوقائع، وفى كل مرة ازيد يقينا ان من الواجب على تدوين رؤيته للأجيال لأن التاريخ بتدوين رفعت المحجوب سيختلف عنه فى تدوينات آخرين فمن المؤرخين من هم ليسوا سياسيين وكتبوا ومن المؤرخين من لم تخلص نواياه وهؤلاء ايضاً كتبوا وكذلك الأعداء يكتبون وكنت انتهيت من رحلتى بين اوراق ابى والمراجع الأخرى إلى ان التاريخ فى الدنيا رهن ثلاثة اشياء: أولاً الأمانة وثانياً وجهات النظر وثالثاً وكنت اظنها الأخيرة التخصص ولكن وجدتنى مؤخرا مضطرة لإضافة شيئاً جديداً رابعاً ولو انه قديم، شئٌ بعيد الأثر على عملية التأريخ اذ يكاد يمحو التأريخ من الأساس إذ اعتبر أن التاريخ يدور فى فلك واحد وما عدا هذا الفلك لا حاجة للأجيال به وبهذا لا درساً اعطى ولا عبرة ابقى إلا ما يعبر عنه وهو "الاعتقاد أو بمعنى آخر العقيدة" ولتذهب ما عدا ذلك من اسباب وخطط تتعلق بالدنيا والسلم والحرب إلى الجحيم. أعود إلى السبب الذى دفعنى لكتابة مقالى هذا، وهو سلسلة المقالات التاريخية التى تنشر فى ذات الجريدة بعنوان "لماذا سقطت الأندلس ؟ للكاتب عبد الفتاح عبد المنعم " ذكرتنى هذه المقالات وما لاقيت من صعوبات -فيما كلَّفت به نفسى - بما ذكره چون باجوت جلوب فى كتابه "الفتوحات العربية الكبرى" عن الصعوبات التى قابلته فى طور بحثه عن المعلومات فى كتب المؤرخين العرب، واضعاً إصبعه على عدة نقاط، هاكُمُ بعضاً منها يقول جلوب: "لم يَظْهر المؤرخون العرب الكبار الا بعد نحو قرنين من وفاة النبى بعد ان تحولت السيطرة فى الإمبراطورية الإسلامية من ايدى العرب إلى ايدى الشعبويين ومن هنا نستطيع ان نقول ان وجهات نظر هؤلاء المؤرخين كانت اسلامية اكثر منها عربية، ويضاف إليها أن اياً من المؤرخين لم يكن من اصل عربى صميم بعضهم من المغرب وبعضهم من الأندلس وبعضهم من فارس ولم يكن بينهم مؤرخ واحد من العرب البداة الذين جاءوا من الجزيرة العربية وحققوا تلك الفتوحات العظيمة. ومن هنا يتبين ان مؤرخى العصر العباسى، لم يكونوا على اطلاع صحيح على الحياة البدوية التى عاشها الفاتحون الأول، كما اغفلوا ضرورة وجود خرائط عسكرية تشرح المعارك وكذلك لم يكونوا يهتمون بالتواريخ والأرقام والحقائق ؛ وهى الظاهرة التى يعتبرها المؤرخون اليوم شيئا حيوياً ؛ فكثيراً ما افتقرت التواريخ التى اوردوها إلى الدقة وصلت إلى نحو عامٍ أو عامين من تاريخ المعارك على الأقل ولف الغموض والإبهام تقديراتهم للقوات المتحاربة وعلى الرغم من ميلهم إلى اعطاء الأرقام القريبة من الصحيحة بالنسبة إلى قوات المسلمين مالوا كل الميل للمبالغة فى تقدير قوة أعدائهم وكانوا يكتفون فى وصف معركة من المعارك الحربية بالقول "بأن مشيئة الله أرادت أن ينهزم الكفرة". هكذا كتب جلوب...

فى نظرى ان بعض مآخذ جلوب على المؤرخين المسلمين عن الفترة التى شملها كتابه ؛ وهى حروب الخمسين سنة الأُوَل من تاريخ المسلمين ؛ تنسحب على مرحلة تاريخية لاحقة كذلك، وان كان ؛ نعم لنا تبريرٌ خاص للمرحلة التى يؤرخ لها جلوب ؛ فى بعض ما أخذ وهو انها عقيدةٌ ثابتة عندنا بنص قرآنى نصر القلة المسلمة على الكثرة الكافرة كمعجزة للنبى "خاصة" فى بعض وليس كل غزواته لأن الله اراد ان يذيقهم الهزيمة ؛ فى غير مناسبة ( احد وحنين) ؛ كدرسٍ ان النصر والهزيمة فى الحرب وليدتا اسباب لا ينبغى اهمالها وكذلك كل شئ فى الحياة ليس هو ثمرة الصلاح وطاعة الله وانما ثمرة لكل انواع الإجتهاد والعرق فالصلاح وطاعة الله يدخلا الجنة ولا تنتصر بهما الجيوش فى الحرب ولا ينجو بهما غريقٌ من الغرق، وانما كان نصر القلة الضعيفة على الكثرة القوية ؛على خلاف المنطق؛ امر خاص لرسول الله ولا ينبغى ان نعلق الآمال الا على التفوق العسكرى، والا كأن آية "واعدوا" لم ترد ابداً وكأن الله لا يغضب على قومٍ الانا فنُرجِع هزائمنا فى الأندلس لغضب منه وليس لانصراف ملوك الطوائف عن تأمين بلادهم وترسيخ حكمهم بتوحيد كلمتهم بدلاً من التشرذم والتنافس والتناحر والاقتتال والعزلة عن المجتمعات التى اقتحموها وسيدوا انفسهم على مواطنيها بدلاً من ان يندمجوا ويعلوا المواطنة فى عدل ومساواة وظهرت التفرقة والفرقة اكثر فجاجة فى دولة المرابطين التى تلت ملوك الطوائف وكذلك نحا نفس النحو من الطائفية والتعالى وضبابية الرؤية من أرَّخوا لضياع الأندلس ويبدوا ذلك جلياً فى العشر اسباب التى أوردت فى مقالات "اسباب سقوط الأندلس" نقلاً عن بحث للأستاذ الخالدى والتى تركزت فى فساد عقيدة المسلمين وتعاونهم مع "الصليبيين أو النصارى" كما اسماهم الباحثون المسلمون لم يختلف فى ذلك الأوائل والجدد من ابن خلدون للسرجانى حسب نقل الكاتب، بما ينبئ بموروث ثقافى طائفى كان ؛ ولا يزال ؛ سائدا نقله المؤرخون المعاصرون بنفس الفكر ونفس الألفاظ مما لا يستبعد ابداً فكرة ان السبب الحقيقى والأساسى الذى ادى إلى تلاشى اسطورة الأندلس هو ضعف المجتمع بسبب العنصرية والطائفية التى ولدت التباغض والكراهية والفرقة ولا سيما الخيانة وليس فقط بسبب تناحر ملوك الطوائف وضعفهم وانكسار شوكتهم مما ادى إلى انهزامهم امام المعتدين.

و كذلك نقل الكاتب فيما نقل عن دراسة للدكتور عويس عن ملوك الطوائف ما يأتى: " إنه قد تبين لإبن تشفين خليفة دولة المرابطين بالمغرب أن ملوك الطوائف هؤلاء ليسوا أهلاً للبقاء فى مراكز السلطة فى الأندلس، وجاءته النداءات والفتاوى من العلماء، كالغزالى، بوجوب الاستيلاء على الأندلس، فاستولى على الأندلس، وأعاد إليها وحدتها، وطرد هؤلاء الطائفيين الذين كانوا يخشون قدومه، ويفضل بعضهم النصارى عليه" جاء فيما نقل كاتب المقال عن د. عويس ان حرب تشفين لملوك الطوائف وحلفائهم نصارى الأندلس واحتلال دولة المرابطين للأندلس كانت بمثابة قبلة الحياة للدولة !! وانا لا ادرى كيف ؟ وكأن ابادة الدول لبعض احسن من مؤازرتها وتحالفها وكأن بداية الاندماج والتداخل بين ملوك الطوائف وسكان البلاد الأصليين هو النقيصة ! فى النهاية انه ما كان من اصحاب الأرض الأصليين الا ان ردوا لهؤلاء المسلمين ؛ الأسياد المحتلين – فى وجهة نظرهم - الذين ترفعوا عليهم ولم يخالطوهم وآثروا العزلة والإنفصال كما لا تستقيم المجتمعات ولا ينتشر الفكر ولا تنبنى الحضارات ؛ الصاع صاعين واقاموا لهم المذابح بعد ان اقاموا لهم محاكم التفتيش بعد ان انتصروا عليهم واوقعوا بهم الهزيمة تلو الأخرى لضعف قوتهم العسكرية للأسباب التى اسلفت وهى الأسباب الحقيقية للهزيمة فى اى حرب والأسباب الحقيقية لزوال اى ملك.

ليت ضياع الأندلس يكون لنا عبرة، فى أسلوب الحياة والفكر وقت السلم وإعداد العدة للحرب كى لا نكرر المأساة، وكذلك فى مراجعة كتابة تاريخنا واعادة صياغته بأسلوبٍ علمى موضوعى يحترمه كل عقل وكل منطق، إما أن تتحول كتابة التاريخ إلى خطبٍ عصماء فى التقوى والوعظ الدينى والإرشاد مضيفين بذلك كتب التاريخ إلى كتب العقائد والروحانيات بما لا يدخل فى ذمة التاريخ فى شئ فهذا ما لن يدر نفعاً ولن يدرأ شراً ! نؤرخ فى عصرنا هذا لزمن غير بعيد من تاريخنا ؛ فقط يسبق نابوليون بونابارت القائد العسكرى الأشهر فى التاريخ ؛ بما لا يزيد عن ثلاثة قرونٍ ! لا ندرج سبباً واحداً للهزيمة مرجعه ضعف الجيش أو فساد الخطة أو خدعة الحرب، فى الوقت الذى ما تزال خطط ناپوليون تدرس فى كبريات الكليات الحربية حول العالم حتى يومنا هذا! * أستاذ بطب قصر العينى



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;