الإعلام والإعلاميون عليهم مسؤولية كبيرة فى بناء الأوطان، وتحقيق التنمية، والحفاظ على المجتمعات، فهم يمكن أن يتحولوا إلى وسائل هدم ومنصات لإطلاق سموم الكراهية والفتن والشائعات والحروب الأهلية، كما يمكن أن يكونوا وسيلة فعالة لتحقيق الأهداف الوطنية، وصد الممارسات الاستعمارية، والحفاظ على منظومة القيم التى تحفظ للأسرة والمجتمع تماسكهما.
وبالطبع لم يكن لنا أن ننتبه إلى خطورة وتأثير وسائل الإعلام والاتصال فى كل المجالات، إلا بعد ما مررنا به وعانيناه خلال السنوات الست الأخيرة، فقبل ذلك كنا نظن أننا فى مأمن من الانقسامات والفتن والانهيارات، وحتى عندما كانت تثار موضوعات، مثل الثورات بالريموت كنترول، أو تحريك المجتمعات لتغيير الأنظمة دون تدخل عسكرى خارجى، أو إعادة تشكيل منطقة ما من العالم، كنا نتصور هذه المصطلحات والموضوعات نوعًا من الاستعراض السياسى الأكاديمى، يجب ألا يخرج عن قاعات المحاضرات الجامعية، رغم أن حالة العراق لم تكن بعيدة عنا، وحالة أوكرانيا وثورتها البرتقالية وما تلاها من فوضى. كما أن علينا، ونحن بصدد تجديد خطابنا الدنيوى لتحقيق الأهداف الوطنية العليا، أن ننتبه لفريق من الصحفيين والإعلاميين، ووراءهم مجموعة من التجار والسماسرة والوكلاء الدوليين الذين يعملون مثل السوس، يطلقون الشائعات، ويثيرون الغبار، ويشنون الحروب النفسية لتثبيط الهمم، وإضعاف الروح العامة، وحيلتهم الأساسية البكاء على حرية الإعلام المهدرة، وانتقاد سعى الدولة إلى تجييش وسائل الإعلام، من صحافة وتليفزيون، لتشكيل الصوت الواحد المؤيد والمبارك لكل القرارات الحكومية. وفى هذا السياق يتم نحت مصطلحات وكليشيهات عن إعلام الدولة الشمولية، وغسيل الأدمغة، وتخوين المختلفين فى الرأى، ورفض المعارضين، إلى آخر هذه المصطلحات التى تخفى وراءها خطابًا مغلوطًا، واتجاهًا للتخوين المضاد، وتدليسًا يقوم على ربط المعلومات المتضاربة فى سياق فاسد بالكامل.
وليس غريبًا أيضًا أن ترى برامج ومحطات تليفزيونية تقوم على نشر الدجل والشعوذة وتفسير الأحلام، جنبًا إلى جنب مع تمويل الأعمال الفنية التى تروج للعنف والتفاهة والانحطاط الفنى، أو الترويج من ناحية أخرى للثقافة واللهجة الخليجية والشامية، مع إهمال عناصر ثقافتنا الأصيلة، وزد على ذلك بعض النفاق السياسى الرخيص أو المعارضة المتشنجة الرافضة لكل قرار أو مشروع أو برنامج يستهدف الإصلاح وخدمة الفئات الأكثر احتياجًا بالمجتمع.
هؤلاء التجار والدخلاء والأبواق فى وسائل الإعلام لن يفهموا بالتأكيد رسائل الوطن والمواطن فى مرحلة النهضة المنشودة، ولن يستجيبوا أو يهتموا بضرورة احتشاد وسائل الإعلام وراء الدولة فى مرحلة الحرب والبناء التى تتصدى لها، ولن يعملوا وفق ميثاق شرف مهنى وأخلاقى، ولن يقبلوا بتغيير المعادلة الحالية التى تقوم على اجتذاب أكبر عدد من المعلنين فى البرامج التى تحقق أكبر نسبة مشاهدة، بصرف النظر عما تقوله هذه البرامج أو ما تحدثه من آثار تدميرية، وهؤلاء جميعًا لابد لنا أن نواجههم، وأن نهزم مشروعهم التدميرى بالإعلام الوطنى الذى يبنى وينشر الوعى، ويحافظ على منظومة القيم، والله أعلى وأعلم.