الصحافة هي أن تفيق على وجع، لتكتب عنه، وتستجلب منه دفئك الخاص وتصنع منه عالما شبيها بعالم القهوة، ممزوجا بالحكايات والمعالم والعبر، هي ذاك المعنى الوثني الفرعوني الرابض في دمائك، منذ قديم، والذي يجعلك رغما عنك عابدا لشياطين المعرفة والحديث والإفصاح والفذلكة.
كنت أنت الديدبان الذي راقب من أعلى قمم الجبال خطر الحرب والكوارث، وكنت ذاك الفيلسوف المتدين الذي خط في العام 196 قبل الميلاد قرارا للمجمع الديني ببلاد ممفيس القديمة على حجر رشيد، ليبشر به الأمم وليمحو به عنهم جهل الحديث وغياب المعلومة.
كنت أحد فراعنة مصر تنشر الأوامر باسم موهبتك في أقاصي الأرض، ليقرأها ألف لسان، ويستوعبها ألف عقل، قبل أن تندثر عنك حكمتك، وتصبح مهددا بالطرد من بلاط أنصاف الموهوبين والمتنطعين زورا على صخرتك الحجرية القديمة التي ما انشقت عن قلب الأرض إلا لك.
أصبحت تخلد إلى نومك مهانا كل ليلة، لأنك ببساطة تُطعن في مهنيتك ويُقتلع منك الحلم كل نهار في بلاط المهنة التي اخترتها طواعية منك، وتدرك قبل أن يغلبك النعاس أن عدم دخولك إلى بلاط المهنة بالزي الرسمي من النفاق سيكلفك طرقا كثيرا على أبواب من وصلوا أصلا بامتطائك.
يجب أن يدرك الموهومون بالسلطة كذبا أنهم "بعض" اجتهادك، ولابد أن يتأكدوا أن أنفاس الموهوبين في الوسط هي من منحت أشباها لهم فيما مضى خلودا لا يستحقونه، يجب أن يخجلوا مما كسبت أيديهم نتاج عملك أنت، ويتقوقعوا في دهشتهم أمام مثابرتك وجلدك وصبرك على مر معاشرتهم صحفيا.
هؤلاء لابد أن ترسل لهم رسائل يومية، مفادها أنك لا تقدم مضمونا صحفيا إرضاءً لغرورهم ولا خوفا منهم ولا احتراما لهم، بل تقدمه إرضاءً لعرق مسيرتك، وخوفا على اسمك واحتراما لنفسك، عليك أن تخبرهم كل يوم، في إيماءاتك وملامح جبينك المرهق أن هناك يوما للحساب!
اجتهد، وافتح لنفسك كل سبيل واصنع فرصتك بيدك المعروقة، وشد على يد من ساندك، ولا تنكر صنيع من ساعدك، ولا تتكبر على كبرائك مهما عاندوك بنصائح رأيتها أنت عابثة غبية، كن نفسك قبل أن تصبح مشتتا ضائعا وسط الراكبين للوهم، ممن تنتقدهم في كل مقال لك.
اسكن إلى أهل التفاؤل، ولا تنسى همساتهم الضاحكة لك، كن على قدر احساسهم بك، وعجل في الوصول إلى مبتغاك لترضيهم، كن معهم دائما باشا رهيف الحس، ولا تشعرهم بضعفك ولا تريهم كآبتك، وقتها ستنفك منهم إلى وحدتك راضيا عن يومك وأمسك، مستبشرا بغدك.