واحة الغروب (1)

وكأننا نبحث عن شىء ما فى داخلنا، لا نعرف ما هو، شىء غامض مجهول لا نستطيع الإمساك به، ثم نعثر عليه حين يطل علينا بطل من حكايات بهاء طاهر. فى أعمال «بهاء» الروائية، أشخاص حالمون، ينهزمون حين يضيع منهم الحلم، ومع الهزيمة تأتى حكايات الانكسار التى تطرح أسئلة من نوع: لماذا حلمنا؟ ولماذا ضاع الحلم من بين أيدينا ؟ ماذا كسبنا ؟ وماذا خسرنا؟ وكيف ستمضى بنا الحياة؟ تتلاحم كل هذه الأسئلة فى حالة بهاء طاهر الروائية، لتعطى تشريحا نفسيا واجتماعيا وسياسيا بالغ العمق لأبطاله، وتبلغ فى مصداقيتها حد أننا نشعر مع هؤلاء أنهم قطعة منى ومنك، هم التاريخ الذى يقول روايته عبرهم. هم نتاج رؤية اجتمعت فيها كل تناقضات ظرف تاريخى معين، فتعطى لنا حالة بشر عاشوا النصر زمنا قصيرا والهزيمة عمرا طويلا، هو يكتب عن هزائمنا وأحلامنا المجهضة بلغة شاعرية حزينة، ولما سألته منذ سنوات طويلة بعد صدور رواية « الحب فى المنفى» عن ذلك، قال لى: «أؤمن بمقولة الأديب الروسى تشيكوف: عندما أكتب عن أشياء محزنة، فأنا لا أدعوكم للبكاء، وإنما أدعوكم إلى التفكير فى السبب أو الأسباب التى دفعت هذه الشخصيات إلى أن تصبح على ما هى عليه». قرأت كل أعمال بهاء الروائية، لكن تبقى «الحب فى المنفى» و«واحة الغروب» الأكثر تعبيرا عن حالة الانكسار التى تأتى بعد الهزائم الكبيرة، ففى «الحب فى المنفى»، يقدم لنا «بهاء» سيرة جيل انكسر بعد أن عاش زهوة الحلم مع ثورة 23 يوليو 1925، وقائدها جمال عبدالناصر، وفى «واحة الغروب»، يقدم حكاية جيل صدق أن ساعة النصر قريبة مع الثورة العرابية، وقائدها أحمد عرابى عام 1882، وبهزيمة الثورة ومحاكمة قائدها لم يعد هناك شىء يستحق البكاء عليه. هكذا تعبر «واحة الغروب» روائيا، وهكذا عبر ببراعة مسلسل «واحة الغروب»، الذى عرضتة الفضائيات خلال شهر رمضان وشاهدنا فيه شخصيات الرواية دون زيادة أو نقصان. شاهدنا الضابط «محمود» الذى جسده بتألق لافت ومعهود «خالد النبوى»، ليس مجرد ضابط بوليس يمارس وظيفته، وإنما نموذج لواحد من هؤلاء الذين شاركوا «عرابى» الحلم، ثم وجد نفسه فجأة أمام الاحتلال الإنجليزى، الذى يحكم مصر، ويتحكم فى كل شىء بما فى ذلك الأوامر التى يتلقاها محمود فى عمله، وكان انتقاله إلى الواحة بمثابة عقوبة له، وفى المقابل شاهدنا الضابط وصفى، الذى يرى فيما فعله العرابيون «فتنة عصاة عطلتنا عن التقدم»، ويرى أن أحمد عرابى ومن معه رموز للخيانة. قدم المسلسل، كما الراوية «واحة سيوة»، مسرحا رئيسيا للأحداث، فهو المكان الذى يأتى إليه هذا «الثائر الحالم المنكسر» محمود، وزوجته «كاثرين» الأيرلندية التى جسدتها بتألق منة شلبى، وبعد فترة ينضم إليهما هذا «الانتهازى الوصولى» وصفى «وفيونا» شقيقة كاثرين. جاء كل واحد منهم إلى الواحة بما يحمل من أفكار وآراء ورغبات وتجارب، وفى مقابل هؤلاء نرى أبناء الواحة بحياتهم وطباعهم الخاصة التى لا يمكن السماح للآخرين باختراقها أو تغييرها، حتى لو هى السلطة نفسها، ممثلة فى كل من يأتى إليها من القاهرة حاكما لها، وبين القادمين من البعيد وأبناء الواحة دارت الدراما. وغدًا نستكمل.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;