ممنوعة من الحب

مات والدى وأنا صغيرة.. فلم أتذوق طعما لكلمة «أبى» رقة أمى وحنيتها كانوا ملاذى فى سنوات لهفتى لحضن الأب.. كنت الابنة الوحيدة ولى من الأخوة الذكور ثلاثة كلهم كانوا بالنسبة لى سندى.. كبرنا سويا ونفحات قصة حب أمى وأبى تظلل بيتنا بمحبة ربانية نادرا ما نجدها فى بيوت من حولنا وهم الذين يملكون ما نفتقده.. رغم مشاعرى الفياضة التى ورثتها من أمى وطاقتى غير المحدودة التى كانت نسخة من روح أبى إلا أننى لم أجرؤ يوما على ترك قلبى عالقا فى سحاب الدنيا ونعيم المحبة وعذوبة الأشواق.. كلمات أمى مازالت تخترق أذنى وتستقر فى أعماقى.. أن الدنيا غدارة ولا ينبغى أن أستأمن إلا أخوتى على أى شىء فى حياتى.. فمن يستحق هذا القلب إلا شخص لم يولد بعد.. دخلت الجامعة وقد دربتنى أمى على أن أكون صماء بكماء عمياء..أنفصل عن عالم الرجال وأعيش راهبة فى محراب العشق.. تملأ نفسى مشاعر فياضة وينفطر قلبى لوعة بلا حبيب.. كنت أرى نفسى فتاة مميزة وأنظر لمن حولى من عل.. فقصص الفراق والبكاء والأسى التى تعيشها صديقاتى ورفقاء دراستى هى أشبة بالخيال العلمى الذى لا أراه سوى فى الأفلام.. حتى جاء يوم قررت أو ربما وقعت أسيرة إحساس لم أجد له تفسيرا إلا ماقالته لى صديقتى نوال.. أنه الحب يا عزيزتى.. فأجأتنى عبارة نوال كأننى من كوكب آخر.. كوكب لا يعرف فى محتويات عقله معنى لهذه الكلمة.. ضحكات نوال هزتنى وجعلتنى أعيد تفكيرى فى الحياة مرة أخرى.. كيف أكون نتاج قصة حب رائعة وكبيرة كما أعرف.. وممنوعة من الحب؟ أليس هذا أمر غريب؟! لأول مرة تستوقفنى حقيقة تاهت فى تفاصيل حياتى.. أسئلة كثيرة تجمعت واختمرت داخلى لملمتها مرة واحدة وطرحتها بين يدى أمى لم أخش ألمها وذكرياتها الشجنة.. فالوقت قد حان لكى أعرف ما يجب أن أعرفه.. سألتها بلطف وتحدٍّ لماذا أنا قلبى مغلقا؟.. متى ستفتحين له الباب؟ لم أعطِها فرصة للهروب من التفاصيل كعادتها.. داهمتها بسؤال لم يخطر ببالها.. هل حقا كنتى تحبين أبى؟! كيف من يحب لا يريد غيره أن يستمتع ويجرب الحب «الحب قهر وضعف وفراق» قالتها أمها بتوتر وصراخ أمسكت بذراعى تهزنى لن أسمح لكى أن تحبى..أن تتعذبى مثلى وبعدها يتركك للفراغ وحيدة ويرحل.. اذا أحببت ستموتين.. أو يموت من تحبيه!! كلماتها صدمتنى ودموعها جعلتنى أشفق عليها فضممتها إلى صدرى وأحسست بضربات قلبها تتسارع كعجلات قطار مسرع.. هدأت من توترها وانزعاجها ووعدتها بأن أبتعد عن وجع القلوب كما وصفته أمى.. منذ ذلك اليوم تغيرت حياتى وحياة أمى.. فقد ذاب جبل الجليد الذى أقامته سنوات حول ألمها وعذابها بسبب وفاة أبى، لكنها دوامت فى كل صباح أن تحكى لى قصة حب انتهت بموت أحد الحبيبين وكأن الحب هو ملاك الموت هادم اللذات ومفرق الجماعات.. وترتسم على وجهها ابتسامة بلهاء كلما تذكرت قصة.. فخالتك صفية زوجها مات بعد خمس سنوات من زواجهما وعمتك ليلى توفيت وتركت بنتين وولد ومازال زوجها يذرف دما على فراقها ولم يتزوج.. وابنة خالك التى كادت أن تنتحر حتى تتزوج ممن تحب وبعد زواجها منه ماتا سويا فى حادث سيارة وتركا بنتا جميلة لم تكمل عامها الثانى.. لم تهدأ أمى فى إصرار لا يصيبه الملل.. فى حين كل الزيجات التى تمت بلا حب أو كما يطلق عليها زواج صالونات فهم ينعمون بصحة وعافية وما ينغص حياتهم أمور عادية تحدث فى أى بيت.. حاولت مجادلتها بالحجة والدليل.. فالموت والحياة بأمر الله وليس للحب وقصصها دخل فى كتابة نهايات المحبين.. فلم تسمعنى!! رغم أننى أشبه أمى فى كثير من ملامحها وصفاتهاإلا أننى لم أستسلم لهواجسها وقررت أن أعيش متمردة بقلب تواقا للحب ونعيمه.. لم أخبرها يوما أننى أحببت أكثر من مرة وجرحت والتئمت جروحى.. وعندما قررت الزواج تزوجت ممن أحببت.. أخفيت قصة حبى الكبيرة بزوجى حتى لا تنهار وأفقدها ورسمت خطتى مع زوج خالتى ليرشح حبيبى ليكون زوجا لى.. وطوال سنوات زواجى الخمسة عشرة حتى وفاة أمى لم أبُح لها بسرى.. أذكر أنها وهى على فراش الموت ابتسمت ابتسامتها الأخيرة، وقالت لى «أرأيت يا ابنتى لو كنتى تزوجتى ممن تحبين مثلى كنتى ستفقديه وتحرمين منه.. ومن سعادتك التى أراها فى عينيك كل يوم». أمسكت يديها وقبلتها وهمست فى أذنها لديك كل الحق فالحب والسعادة لا يجتمعان.. هكذا الدنيا.. نانأ



الاكثر مشاهده

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

;