محمد توفيق يكتب "دور النحس في الثورة"

•نفس التفاصيل تتكرر بنفس الطريقة، كأننا لا نقرأ التاريخ، ولا نريد أن نتعلم منه أو نتجاوزه، فما حدث في ثورتي القاهرة الأولى والثانية يشبه ما حدث في ثورتي 25 يناير و30 يونيو مع فروق طفيفة لم تؤثر في النتائج، ولم تحقق المطالب!


•لولا دور الحظ لما نجحت الثورة، ولولا النَّحس لما اختلف الثوار!


•رغم نُبل أهداف ثورتي القاهرة الأولى والثانية وإخلاص الثائرين، فقد قُدِّر لهما أن تنحسر موجتيهما وأن تنكسر شوكتيهما، والسبب أن الثورة (بنسختيها) رغم عنفها وقوتها كانت بلا قيادة!


•لم تستمر ثورة القاهرة الأولى سوى 19 يوما فقط، وأُجهضت في اليوم العشرين، حين ذهب بعض المشايخ والمثقفين إلى قائد العسكر، وتشفعوا عنده، فقبل اعتذارهم ورفع الرمي عنهم.


•ذهب "عمر مكرم" ومعه العلماء والمشايخ وطلبوا من "محمد علي" أن يحكم مصر؛ لأن لديه خليفة عسكرية وتفاوضوا معه حتى وافق على حكم مصر، وبعد سنوات قليلة أمر الباشا بنفي الزعيم عمر مكرم!


33201325161629

.. كأن التاريخ -عندنا- لا يفعل شيئًا سوى أنه يعيد نفسه.
حاكم مستبد، وثوار، وخونة، وشعب غاضب، ورمز مدنيّ، وقائد عسكري، ونفس المطالب: العيش والحرية والعدالة والكرامة والدستور.. ونفس النتائج!
نفس الحالة؛ فثورات المصريين لا تسير إلا في حراسة الجيش، فالجيش دائمًا جزء أصيل في معادلة الثورات، لأنه بالأساس قوى وطنية، وقوة مؤثرة، وفاعلة، وقادرة على تغيير الواقع، أو خلق واقع جديد إن أراد!

ربما لذلك كل الثورات لم تؤتِ ثمارها، ولم تصل نتائجها إلى حجم التوقعات المرجوة منها، والتضحيات التي بُذلت فيها؛ لأن قوى واحدة، وقوة وحيدة تستطيع فرض أولوياتها على الجميع، خصوصًا في ظل الصراعات، والنزاعات، والمشاحنات، والمصادمات، وغياب الرؤية، واختلال الأولويات، والتفرغ للتشكيك والتخوين الذي تسبب في بقاء الأوضاع كما هي، إن لم تَسِر في الطريق الأسوأ.

ثورتان في عامين فقط...
كلتاهما نسخة كربونية من الأخرى، فالأهداف واحدة، والمطالب هي ذاتها، ولا فروق واضحة، لذا يَعتبر البعض أن الثانية جاءت استكمالاً للأولى وتصحيحًا لمسارها، بينما يرى البعض الآخر أن الثانية انقلاب على الشرعية!

فرغم أن كلتيهما كانت ثورة شعبية بكل معنى الكلمة؛ حرّكها وأشعلها البسطاء من أجل العيش والحرية والكرامة، فإن بعض المثقفين خانوها. ورغم نُبل أهداف الثورتين وإخلاص الثائرين، فقد قُدِّر لهما أن تنحسر موجتيهما وأن تنكسر شوكتيهما، والسبب أن الثورة (بنسختيها) رغم عنفها وقوتها كانت بلا قيادة!

صدفة عجيبة! نفس التفاصيل تتكرر بنفس الطريقة، كأننا لا نقرأ التاريخ، ولا نعلم ما جرى، ولا نريد أن نتعلم منه أو نتجاوزه، فما حدث في ثورتي القاهرة الأولى والثانية يشبه ما حدث في ثورتي 25 يناير و30 يونيو مع فروق طفيفة لم تؤثر في النتائج، ولم تحقق المطالب.

ففي ثورة القاهرة الأولى كان الغضب في قمته، وسخط الناس بلا حدود، ولكن عدم وجود قيادة جعل الناس يفقدون الرؤية الصحيحة ويخطئون الهدف.

فقد حدثت خلال الثورة أخطاء شديدة من جانب الثوار، إذ هاجمت الجماهير الغاضبة محلات التجار ونهبوها وأشعلوا فيها النيران، مع أن هؤلاء التجار كانوا رديفًا للثورة، وربما كانوا أكثر سخطا على السلطان، واعتدى بعض أجنحة الثورة على بعض الحارات، وتعدّوا بالضرب على الآمنين من السكان، وفي النهاية تم قمع الثورة قمعا شديدا بعد أن حضر الخليفة المأمون إلى مصر ليقمع الثورة بنفسه، وقد دخلها في شهر محرم واستطاع أن يقضي على الثورة بعد أن أمعن في القتل، وقيل إن الطيور الجارحة كانت تحلّق في الفضاء، ولا تنقضّ على الجثث المطروحة في الصحراء؛ لأنها أكلت حتى شبعت.

ولم تستمر سوى 19 يوما فقط، وأُجهضت في اليوم العشرين، حين ذهب بعض المشايخ والمثقفين إلى قائد العسكر، وتشفعوا عنده، فقبل اعتذارهم ورفع الرمي عنهم.

إنه موقف يتكرر دائمًا على مر التاريخ، ففي الوقت الذي كانت فيه القاهرة تشتعل بالثورة ضد الملك وبطانته أعلن بعض المشايخ اكتشافهم المثير أن الملك فاروق من أحفاد النبي (صلى الله عليه وسلم)! ولكن هذا لم يكن موقف المثقفين جميعا، ولكنه موقف بعض الانتهازيين و"الأرزقية" وعلماء السلطة الذين يتاجرون بشرف الكلمة في سوق البغاء -على حد تعبير عمنا محمود السعدني!

ولم يكتفِ هؤلاء المشايخ بما فعلوا لكنهم كتبوا عدة أوراق وأرسلوها إلى البلاد وألصقوا منها نسخًا بالأسواق والشوارع، وكان مما جاء فيها: "نصيحة من كافة علماء الإسلام بمصر المحروسة: نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ونبرأ إلى الله من الساعين في الأرض بالفساد؛ هؤلاء الذين حركوا الشرور بين العساكر الفرنسيين والمصريين، لكن بونابرت غفر لمن أخطأ، وتجاوز عمن أساء؛ لأنه رجل كامل العقل، ولديه رحمة وشفقة على المسلمين، ومحبة إلى الفقراء والمساكين، ولولاه لكانت العساكر أحرقت جميع المدينة، ونهبت جميع الأموال، وقتلوا كامل أهل مصر.. فعليكم أن لا تحركوا الفتن، ولا تطيعوا أمر المفسدين، ولا تسمعوا كلام المنافقين، ونخبركم أن كل من تسبب في تحريك هذه الفتنة قُتلوا عن آخرهم! وأراح الله منهم العباد والبلاد"!
النحس

ما جرى في ثورة القاهرة الأولى تتكرر في الثانية بعد أقل من عامين فقط، فمثلما بدأت ثورة القاهرة الأولى يوم السبت بدأت الثانية في ذات اليوم، ففي صباح يوم 22 من مارس عام 1800 خرج معظم أهل مصر -للثورة على الاحتلال الفرنسي- ما عدا الضعيف الذي لا قوة له على الحرب -على حد وصف الجبرتي- وأحضروا "المُثقلات" التي يَزِنُون بها البضائع، من حديد وأحجار، واستعملوها عوضًا عن المدافع، وصاروا يضربون بها بيت قائد العسكر بالأزبكية.

ووُضعت جائزة لكل من يقبض على عسكري فرنسي، أو يُحضر رأسه، لكن قوات الاحتلال قطعت على الناس سبل الوصول إلى الطعام والشراب، وحرقوا البنايات، واستمر الحال على ما هو عليه من اشتعال نيران الحرب، وشدة البلاء، وصراخ النساء والأطفال من الخوف والجزع والهلع، وفقدان المأكل والمشرب، وإغلاق المخابز، ووقف حال الناس من البيع والشراء.

لكن الشعب تحمّل وتحامل على نفسه في سبيل طرد المُحتل الفرنسي، فاستمرت الثورة سبعة وثلاثين يوما، بعدها ظن الاحتلال أن الثورة انتهت إلى الأبد، بينما الحقيقة أن جولة جديدة قد بدأت، ونجحت في طرد قوات الاحتلال من مصر، ليبدأ الصراع على السلطة بين الموالين للاحتلال العثماني، وفلول الاحتلال الفرنسي.

هنا شعر عدد من القيادات الوطنية والثورية -من بينهم الزعيم عمر مكرم- أن البلد في حاجة إلى زعيم يلتفّ الناس حوله، ويحاربون معه، واستقر الرأي على أن الشخص الأنسب لكرسيّ الحكم هو الضابط الألباني محمد علي الذي انتصر على الأتراك، وأحبه الناس في مصر، ووثقوا به، إذ رأوا أنه يمتلك الخلفية العسكرية التي تساعده في الحكم، وبالفعل ذهب إليه صفوة القوم من علماء ومشايخ يتقدمهم الزعيم الوطني عمر مكرم وتفاوضوا معه حتى وافق على حكم مصر.

ومرت سنوات قليلة، وشعر محمد علي باشا أن شوكة المعارضة تقوى، فأراد أن يوجه إليها ضربة قاصمة، فأمر بنفي الزعيم عمر مكرم!



الاكثر مشاهده

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

;