خالد صلاح يكتب: اندفاعات الإسلام السياسى ..كيف ضيعنا بناء نظرية إسلامية للإدارة والحكم؟

الانحراف الفكرى بالشريعة والدين، وتفسيرات النص المقدس على أيدى جماعات التطرف والإرهاب، لم يدفع الأمة نحو العنف والدم والتخريب فقط، لكنه جرف الأفكار العظيمة للإسلام نحو مقبرة إجبارية، وعطل العقل الإنسانى فى العالم عن قراءة القيم الأساسية فى التشريع والحكم والإدارة لهذه الرسالة الخالدة عبر الحقب المتتالية التى تحولت فيها النظرية الإسلامية إلى تطبيق عملى فى بلدان الخلافة وما بعدها. كان باستطاعة هذه الأمة أن تبرهن على «صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان»، ليس باستنساخ وتقليد ما جرى فى الماضى، لكن باستلهام قيم الحكم وقواعد الإدارة فى المنظومة الإسلامية الأولى، ودمجها الطبيعى مع العصر الذى تحياه الأمة اليوم أو غدا أو بعد غد. صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان هى حقيقة لا تقبل الجدال، نصا وعقلا فى إيمانى الراسخ، لكن الشك فى هذه الصلاحية من زاوية الحكم أتى على أيدى جماعات التخلف التى ظنت أن باستطاعتها البرهنة على صلاحية الإسلام للحكم بالقوة والبطش، واستخفت بالمعنى العقلى والقيمة الفلسفية والسياق الزمنى لهذه الصلاحية. تلك القوى الجاهلة التى اختصرت منظومة شاملة فى القيم والإدارة والاجتماع والسياسة والحكم والشورى والعمل العام وإدارة أموال الدولة وبناء الجيوش وقيادة الحروب وإدارة بلدان الفتوحات، اختصرتها جميعا بتاريخها النابض بالحيوية وابتذلتها جميعا بتجلياتها الزمنية المختلفة، ولخصتها فى تطبيق حدود قطع يد السارق أو رجم الزانى والزانية. هكذا بكل بساطة اعتبرت هذه القوى الجاهلة أن أى حكم آخر للجرائم المنصوص عليها «حرفيا» انحراف بالشريعة، وإقصاء للنص المقدس من قوانين البلاد، هكذا بكل سذاجة صارت الحدود هى الشريعة، وصار قطع يد السارق هو الحدود، واختفت القيم الأكبر والأهم، والفلسفات والنظريات الأعمق والأشمل من دوائر الحوار ومن أفق الرؤية، فخسرنا وخسرت الأمة قدراتها على بناء نظرية إسلامية للحكم والإدارة، فعلية، وجادة، وإنسانية، وقابلة للتطبيق عبر الأزمنة، أى «صالحة لكل زمان ومكان». أسألك: هل الإسلام صالح لكل زمان ومكان؟ الإجابة: نعم بكل تأكيد لكن لا يمكن حتى للمؤمنين مثلى أو مثلك أن يستقبلوا هذه الإجابة ببساطة، ويتكئوا على أريكة وثيرة ليتركوا القوى السلفية أو جماعات التطرف أو داعش ليقولوا لنا كيف تكون هذه الصلاحية، وكيف يمكن تأسيس نظرية إسلامية عالمية وعصرية وعابرة للأزمنة فى الحكم والإدارة، هؤلاء لم يقرأوا تاريخ هذا الدين، لكنهم قرأوا كتاب الغزوات وحده، هؤلاء لم يعرفوا موقع المرأة من النص المقدس، ولا دورها فى بناء الدولة، لكنهم عرفوها من وراء حجاب حرة، أو فى الفراش زوجة أو ملكة يمين، التراث وتاريخ أمة الإسلام تقرأها عيون تضع عينها على «ثروات بيت مال المسلمين» أملا فى ثراء كهذا الذى اكتنزه بنو أمية، أو تضع عينها على مقبض السيف طمعا فى إمبراطورية كتلك التى أسسها «بنو العباس»، لكن لا أحد، وأكرر لا أحد، قرأ النص المقدس وأحكامه فى سبيل هذا الدين، ولغاية أصلها «صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان».. فقدنا هذه المنحة الربانية، فقدناها بأيدينا، ودفن السفهاء منا تاريخ هذه الأمة السياسى والفكرى والإدارى والتنظيمى دون أن يضعوا شاهدا على الضريح، أبى السفهاء منا إلا أن يقرأوا ما ترتضيه أهواؤهم من التاريخ، لكن هؤلاء الذين لا يبتغون إلا وجه الله وسمو هذه الرسالة، يعلمون أن الإسلام لم يغلق بابا للفكر الحر، ولم ينعزل عن عصره، ولم يرفض فكرة من أمم الأرض، آمنت أم لم تؤمن، ولم يقطع طريقا نحو التعلم، ولم تتصلب شرايينه لتجرى فيه دماء كل الفلسفات والأفكار ونظم الحكم والسياسة، هذه هى عبقريته الأصلية، أنه يقدم للأمة، أى أمة، قيما أساسية للعدل والرفاهية، ويترك أبناء كل عصر يتكلمون لغة عصرهم، ويعيشون ثقافة زمنهم، ويحكمون بما تقبله طبائع الناس التى تغيرها الجغرافيا ويبدلها التاريخ. الإسلام يصلح حيث تستقيم مصالح الناس. والله أعلى وأعلم. مصر من وراء القصد.










الاكثر مشاهده

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

;