بطولات نساء اليمن فى زمن الحرب " الحلقة السادسة" .. المرأة فى تعز.. بطلة على جبهة القتال.. داليا: تخرجت فى كلية الطب وشاركت فى إسعاف أبطال المقاومة.. الحاجة فاطمة: زغردت يوم وداع أبنائى الشهداء الثلاث

-«ريهام بدر» استشهدت بقذيفة وهى تمارس عملها الإغاثى والإنسانى على الجبهة الشرقية.. وآمنة: قتلوا أبناءنا لكننا لن نتركهم وسننتقم لشهدائنا - المنظمة الوطنية للإعلاميين: 22 حالة قتل والشروع فى 30 واختطاف 141 وإصابة 33 منذ 2015 - الأطفال يكشفون مآسيهم تحت القصف العشوائى للحوثيين.. ميادة: «بيرموا القذيفة على المدارس فى أى وقت ولما بنسمع صوت القصف نطلع نجرى نستخبى فى أى حتة».. وصالحة: «كنا بنلعب فى حوش المدرسة والقذيفة وقعت موتت أصحابى».. والطفل عمر: «أنا واخد شظايا فى بطنى» - وائل العبسى مصور قناة اليمن قتل قبل زفافه بشهر أثناء تصويره أحداث معارك الجبهات.. والصحفى تقى الدين الحذيفى قبل استشهاده: سأكون مهاتير محمد اليمن وسأرفع شأن وطنى عاليا - مسؤول دائرة الإعلام بالمحافظة: 5 آلاف شهيد و21 ألف جريح من أبناء تعز ضحايا.. وبدر محمود: هناك أسر فقيرة عالقة لا تستطيع الخروج من منازلها لأنها لا تملك المال.. وعم رأفت: الرصاص اخترق نوافذ منزلى وأصابنى فى بطنى *الحوثيون اعتدوا على كلية الآداب وسرقوا محتوياتها والأثاث تهشم وتم نقل الطلاب إلى الجامعة فى حبيل سلمان *مقابر العصيفرة أنشئت منذ الهجوم الحوثى على المدينة فى 2015 وتضم حوالى 3 آلاف شهيد وهناك مقابر فى مناطق أخرى من تعز لكن العصيفرة أكبرها وتضم العدد الأكبر من الإعلاميين *مقابر العصيفرة أنشئت منذ الهجوم الحوثى على المدينة فى 2015 وتضم حوالى 3 آلاف شهيد وهناك مقابر فى مناطق أخرى من تعز لكن العصيفرة أكبرها وتضم العدد الأكبر من الإعلاميين -الرسام مشتاق العمارى كان يرسم صور الشهداء وانضم إليهم بعد أن انفجرت فيه عبوة ناسفة وهو يصور تقدم الشباب عسكريا مازلنا هنا.. فى تعز المحاصرة من قبل ميليشيا الحوثى.. آثار التدمير فى كل مكان.. انطلقنا من مستشفى الثورة بالعصيفرة ومبنى المحافظة إلى مقابر الشهداء ثم جامعة تعز والمتحف الأثرى الكائن بحارة المحافظة اللذين تعرضا للقصف الحوثى. قطعت السيارة المسافة بأقصى سرعة خوفا من تعرضها للقصف، وعلى مختلف الطرق التى مررنا بها، يستمر مشهد الحواجز الحديدية والسواتر الترابية التى تفصل مناطق الحوثيين عن غيرها، وعلمنا من مرافقينا أن أكثر مناطق التماس سخونة مع المليليشيا الحوثية هى التشريفات ولوزان وقصر الشعب والشقب فى جبل صبرا وأزعر وحيد بازرعة والقريفات وتبة السلال وهى عبارة عن سلسلة جبلية تحتضن الوادى أسفلها، والذى تتواجد فيه المقاومة الشعبية الباسلة من أهل تعز. فى تعز يظهر جليا دور المرأة اليمنية، فهى تصر على الانضمام لصفوف المقاومة، عبر العديد من الأشكال، فهى ممرضة تداوى جرحى الجبهات فى مستشفى تحت القصف العشوائى وهى مستشفى الثورة، وهى من أسست رابطة أم الشهداء التى تضم مئات الأمهات فى تعز للمطالبة بحقوق دم الشهيد. هنا يتداولون عشرات من القصص عن بطولات لنساء من «تعز».. فهذه داليا محمد عبدالله التى التقيناها ولأول وهلة بدا الحزن على وجهها، متحدثة عما مرت به قبل أن ينطق به لسانها.. قالت لنا: «أنا كان مفروض أبقى دكتورة على فكرة.. قبل انطلاق أحداث الحرب بشهر كنت تخرجت فى كلية الطب بكالوريس تمريض عالى وكنت كملت إجراءات السفر إلى مصر عشان الامتياز؛ وكنت بدأت الامتياز بالمستشفيات الحكومية هنا والتى كنت أقطع كل يوم المسافة إليها من قريتى «بالضباب» الكائنة بالأرياف». تستكمل بكلمات ثقيلة تخرج بالكاد من فم مطبق لا تلاحظ حركاته من الألم الممزوج بالحسرة: «بدأت أحداث 2015 التى قامت بها ميليشيا الحوثى وصالح باجتياح اليمن بآلاتها العسكرية ودباباتها، فخرجنا فى مظاهرات سلمية فى 20/3/2015 إلى معسكر الأمن المركزى للاعتصام ومنعتنا المليشيات من العبور إلى مدينة عدن جنوب اليمن، وواصلنا الاعتصام إلى 24/3/2015 حيث تحولت الاعتصامات إلى اشتباكات عنيفة، وكنت موجودة ضمن طواقم المسعفين الموجودين هناك، وفى هذا اليوم تعرضت لعملية رش بخراطيم المياه ومسيلات الدموع فأصبت بألم شديد فى عينىّ، نقلت على أثره إلى المستشفى وقدمت لى الإسعافات الأولية، ظللت هناك حتى بعد العصر وشعرت أن حالتى تحسنت، فعاودت الخروج مرة أخرى جنب المعتصمين». وتتابع «داليا»: كان يوم 25/3/2015 نقطة تحول، حيث بدأت المليشيات الإجرامية تستخدم الرصاص الحى ومسيلات الدموع بكثافة، لكننا واصلنا المقاومة، وأخذت المليشيات تستخدم السلاح بعنف وبشكل مباشر فى أماكن الاشتباك والمقاومة، وفى تمام التاسعة صباحا سقط أول شهيد مدنى، وكان صاحب عربية يبيع فيها عصير توت؛ وحاولت مع الموجودين فى مناطق الاشتباك إسعافه ونقله إلى مستشفى الحياة اللى كان قريب مننا، وبعدها بدأت أعداد الشهداء والجرحى تتزايد، وواصلت عملى فى الإسعافات إلى الساعة 2 بعد الظهر، وانتقلنا إلى جبهات القتال وانتقلت مع أفراد المقاومة لأستمر فى دورى بإسعاف المصابين، وكان آخر من أسعفتهم مصابا بطلقة بالفخذ وأثناء قيامى بذلك تمت ملاحقتى أنا وأحد الأطقم إلى أحد الأزقة، لأخذ الجريح منى وهناك تعرضت لطلقة بالعين اليسرى وفقدت الرؤية بها. واستمرت فى رواية مأساتها: لم يكتف الحوثيون بذلك، وإنما قاموا بملاحقة عائلتى وفى خلال شهر فقدت ٣ من أسرتى هم ابن أخى وابن أختى وعمتى وبعدها بشهر ابن عمى و٢ من أولاد خالى، وهجرنا بيوتنا التى قصفتها المليشيات، كما أن بيت أختى تم تلغيمه وتفجيره، وقبل ٣ أشهر أيضا تم قنص بنت عمى أمام أطفالها الثلاثة وأكبرهم بنت عمرها ١١ عاما وأصغرهم عمره ٣ سنوات، وتختتم «داليا» حديثها قائلة: «نحن نعيش مرارة النزوح القسرى والضرب العشوائى والملاحقات ومالناش غير ربنا». معاناة الحياة فى تعز عن الحياة الشاقة تحت نيران الحوثيين التى تختلف درجة صعوبتها من مناطق التماس إلى المناطق البعيدة نسبيا عن الاشتباك، تصف لنا منصورة محمد، وهى من سكان الشقب، كيف أن الأهالى حفروا خنادق من التراب «عشان نمشى فيها هربا من ضرب الحوثيين لأننا فى مناطق ملتهبة، ولما نعوز حاجة ضرورية بننتظر الليل عشان نقضى حوائجنا متخفيين من قناصة الميليشيا على الجبال»، وتضيف: «حياتنا تعب ولا عارفين نشتغل ولا ولادنا يتعلموا». الرصاص فى المنازل «الحياة تحت القصف صعبة ومريرة.. أنت تتوقع فى أى لحظة ليس فقط صاروخا يتعقبك أو قذيفة تسقط عليك، لكن قد تكون فى منزلك ويتم قنصك».. بهذه الكلمات تحدث إلينا عم رأفت مبارك الذى أصيب بطلقات فى البطن والصدر، رغم أنه لم يبرح منزله.. التقيناه وهو يتلقى العلاج بأحد المستشفيات، وقال لنا: «إحنا مش بنخرج إلا نادرا.. يدوب على قد ما نجيب العيش والضروريات، حتى عيالى مش بيخرجوا بنقعد جالسين بالشهور، ولادى محدش فيهم عارف يشتغل وعايشين بالعافية.. أيام كتير ناكل عيش حاف والحمدلله». يستكمل عم رأفت قصته بصوت متعب خافت: «فى يوم اتعشينا فى الصالة برا وقافلين الشبابيك بالقزاز.. أنا بيتى فى الدور التالت.. بس قريب من الجبال، بعد ما أكلنا أنا وولادى لقينا القزاز بتاع الشباك اللى فى نص الصالة اتكسر وجاتنى رصاصة فى البطن». الحياة فى خنادق يلخص لنا الوضع المعيشى والإنسانى المتأزم فى مناطق التماس، بدر محمود من سكان تعز، فيقول إن هناك أسرا فقيرة عالقة بمناطق التماس، لا تستطيع حتى الخروج من المنازل بسبب أنها لا تمتلك المال فهم لا يستطعيون دفع أجرة سيارة حتى تنقلهم لمكان آخر، هم يعيشون ماسأة حقيقية، وأعرف أسرا هناك حتى المساعدات لا يمكنها الوصول لهم، الحوثيون إما يمنعونها أو ينهبونها، ويضيف: تخبرنا الأسر هناك أنهم لا يستطيعون الخروج.. يقولون أين نذهب؟.. نحن عاجزون عن دفع تكلفة المواصلات للنزوح ولا نستطع أن نستأجر حتى غرفة واحدة، هنتبهدل فين؟ لدينا أسر وأطفال نحن نفضل أن نموت ولا نشوف ولادنا بيقصفوا قدام أعيننا إذا حاولنا نخرج من منازلنا». شواهد القبور فى منطقة العصيفرة بالقرب من مستشفى الثورة، مكان تحيطه الأحزان من كل جانب.. هو فى المواجهة لعدد من المنازل الشعبية على الجبل.. إنها مقابر الشهداء.. تستطيع من هناك رؤية الجبال التى يتخذها الحوثيون منصات للقنص، يضم المكان عشرات الشهداء ما بين مجندين وفى الوسط وإلى اليسار منه جزء كبير خصص لشهداء الإعلاميين والنشطاء الحقوقيين، فمنذ دخول الحوثيين تعز، تعرض الإعلاميون لأسوا موجة من الانتهاكات بين قتل وإصابة وتعذيب، كان ضحيتها 48 إعلاميا وصحفيا، طبقا لإحصائيات مركز حقوق الإنسان والتنمية فى تعز عن الفترة من 2015 حتى 2018، بينما بلغت الانتهاكات ضد الإعلاميين عن نفس الفترة فى اليمن بشكل عام 2101 حالة طبقا لإحصائيات المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين. منذ أن دخلنا المكان، تلقينا تنبيهات بسرعة إنجاز مهمتنا لأن الحوثيين يقصفون تلك المقابر أيضا، حتى إن الأهالى لا يتمكنون من زيارة ذويهم، بخلاف ملاحقتهم لهم بالأسلحة المختلفة. يحدثنا نجيب قحطانى، المتحدث الإعلامى بمحافظة تعز، عن أن مقابر العصيفرة أنشئت منذ الهجوم الحوثى على المدينة فى 2015، وتضم حوالى 3 آلاف شهيد، وهناك مقابر فى مناطق أخرى من تعز لكن العصيفرة أكبرهم وتضم العدد الأكبر من الإعلاميين، حيث حصد الحوثيون طبقا لبيانات المحافظة 5 آلاف شهيد و21 ألف جريح، منذ بدء الحرب حتى مارس 2018، وكل يوم يسقط قتلى وجرحى من المدنيين والأطفال والنساء. آمنة: قتلوا أبناءنا بداخل المقابر وجدنا آمنة يحيى، والدة الشهيد محمد، الذى استشهد فى معركة الشقب وعمره لم يتجاوز الـ17 عاما، قبره فى الجهة الشرقية من مقابر الشهداء، غالبت الخوف وأتت لزيارة قبر ولدها، ولم يستطع الحوثى بكل أسلحته أن يمنعها، وجدناها تبكى وما إن بدأت الحديث حتى تعالت صرخاتها ناظرة للسماء تحتسب ابنها وغيره من أبناء تعز شهداء عند ربهم وتقول بلهجتها البدوية الأصيلة: «الحوثيون قتلوا أبناءنا وخربوا بيوتنا ما تركوا لنا شيئا.. حتى جارتى البيت اتهدم عليها وقصفوها قدام عينى.. وإنا وراءهم حتى نجزعهم من هنا.. الله ينصرنا.. الله ينتقم لأبنائنا.. حسبى الله ونعم الوكيل». أم الشهداء الثلاثة: زغردت يوم وداعهم ومن بين أسماء شواهد القبور وجدنا بعضهم من طلاب جامعة تعز الذين كان لهم دور مهم فى المقاومة منذ بداية الحرب مع الحوثيين فى 2015، خرجوا للدفاع عن أرضهم تاركين خلفهم المحاضرات والكتب وأمانيهم فى اللحاق بالمستقبل الذى كانوا يحلمون به ويتطلعون إليه، لفت نظرنا أسماء ثلاثة إخوة هم جواد وعماد ورشاد على حسن، سألنا عن عائلتهم فتوصلنا لوالدتهم الحاجة فاطمة محمد التى حولت منزلها كتابا لتحفيظ القرآن رغم بساطة ظروفها المادية، خاصة بعد أن فقدت أبناءها الثلاثة، بملامح هادئة، وبكلمات يغلفها الرضا بقضاء الله روت لنا أم الشهداء حكايتها قائلة: «كان لى ثلاثة أبناء فى عمر الزهور، حلمت بهم عرسانا وآباء لأحفادى، لكن منذ دخلت ميليشيات الحوثى تبددت كل الأحلام وتحولت إلى كوابيس»، وتتابع: «لما لقينا الهجوم على بيوتنا وبلادنا الكل نزل للمقاومة، ولادى تركوا دراستهم وبطلوا يروحوا الجامعة عشان يحرروا بلادهم، أودعت الثلاثة شهداء عند ربهم هم عماد وكان فى السنة النهائية بكلية الحاسوب وجواد فى الصف الأخير بكلية التربية، أما رشاد فكان لا يزال طالبا فى الصف الثانى حاسوب، وكان نفسه يبقى مهندس كمبيوتر، وجرح بمعارك تحرير العسكرى بتعز بمنتصف نوفمبر 2016، بعد انفجار لغم بطقم المقاومة أثناء اقتحام العسكرى، دخل فى غيبوبة، وظل بالعناية المركزة بمستشفى الروضة، حتى فارق الحياة، ليلتحق الشهيد بأخيه الشهيد جواد والذى استشهد بمعارك جبل جرة فى 2015. وعن ابنها رشاد تقول: «آخر مرة قلت له نفسى أحضنك تانى فرجع وخدنى فى حضنه وهو بيضحك ويقولى النصر قريب يا أمى»، وتستكمل باكية: «أنا مش زعلانة أنهم شهداء.. أنا زغردت يوم ما ودعتهم للمقابر، بس نفسى أخد حقهم وأرتاح.. كانوا نور عنيا لكن مش خسارة فيكى يا يمن..». ابن الفنون الجميلة شهيد الشهيد الرسام مشتاق العمارى كان طالبا فى كلية الآداب مستوى أول فنون جميلة، وتقول عنه خديجة عبدالملك، رئيسة رابطة الشهدا، كان يرسم صور الشهداء، وبينهم ابنى الشهيد محمد عزالدين، ولقى حتفه عندما ذهب ليصور تقدم الشباب عسكريا فانفجرت عبوات ناسفة فيه ومات فى الحال. الشهيدة ريهام بدر على لوحة رخامية تجد اسم «ريهام بدر» ضمن عشرات الأسماء التى وجدناها فى المقابر.. استوقفنا ما توارد من قصص حين تردد اسمها.. قالت لنا صديقتها وهى أيضا شاهدة عيان على حادث مقتلها إشراق المقطرى وهى تعمل بالمجال الحقوقى أيضا: «استشهدت ريهام فى الثامن من فبراير الماضى بقذيفة من الجبهة الشرقية بمنطقة الكريفات، وكانت الشهيدة تميزت خلال سنوات الحرب بنشاطها الإنسانى إلى جانب أنشطتها الحقوقية ورصد الانتهاكات، وعرفت بمساعدة النازحين من مناطق المواجهات فى محافظة تعز، حين كانت تعمل على توفير المواد الغذائية والمعيشية لهم عن طريق تنسيقها مع عدد من المنظمات والمتطوعين، إلى جانب تقديمها الدعم الإنسانى والإغاثى لعشرات الأسر المتضررة من الحرب فى مدينة وريف محافظة تعز. تستكمل إشراق حديثها: «ريهام تركت بداخلنا جرحا كبيرا لفراقها، فهى صورة مكثفة لنبل الإنسان الذى واجه جحيم الحرب متخففا من الخيارات السهلة لتفادى حممها من البداية، حيث كان يمكن تفادى الموت المخيم فوق سماء تعز، لكن ريهام قررت الوقوف إلى جانب الإنسان المستهدف من هذا الجحيم، ورغم كونها تخرجت فى كلية الآداب قسم الإنجليزى عام 2007 وحملت كثيرا من الشهادات فإن العمل الإنسانى كان فى المقدمة من حياتها، فكانت عضو اللجنة الفرعية للإغاثة وشبكة الراصدين المحليين للانتهاكات. وتواصل: كانت ريهام تقوم بشكل مستمر بتوثيق أسماء الضحايا المدنيين من خلال الرصد والتوثيق، إلى جانب تجميع تبرعات من فاعلى الخير ومساعدة المحتاجين والفقراء فى توزيع المواد الغذائية أو شراء الأدوية، وكانت تهتم بالمناطق القريبة من الاشتباكات، وقتلت وهى تقود قافلة مساعدات إلى المناطق القريبة للجبهة الشرقية، وكانت تقول دائما: «إنى امرأة لن يقتلنى القناص كونى لا أحمل السلاح» وعندما كانت فى منطقة صالة تم قنصها بمضاد طيران من قبل جماعة الحوثى المتركزين فى سلسلة جبل السلال، فيما يمثل دليلا آخر على انتهاك الحوثى لكل مبادئ الإنسانية وكسره كل القوانين الدولية التى تجرم الاعتداء على المدنيين». جهاد البريهى.. أصيب ثلاث مرات وواصل المقاومة من بين صفوف المقاومة فى تعز كان جهاد البريهى الذى تعرض للإصابة ثلاث مرات فى معارك عدة للحوثيين، جهاد كانت له أحلام لا تحدها حدود فقد قرر التقدم لمنحة لدراسة اللغة التركية فى الخارج، وجاء هجوم الحوثى ليبدل أحلامه.. قال لنا: «كنا طلابا وخريجين نخطو أولى خطواتنا لبناء مستقبلنا الذى لم نكن نعلم أنه بأيدى غيرنا ممن يريدون إبادتنا وتحطيمنا، وعندما قامت الحرب تركت الحلم وخرجت للمقاومة، وتعرضت لأول إصابة بطلقة من قناص فى الرأس أفقدتنى عينى اليمنى بمنطقة حوض الأشراف، ثم أصبت فى معركة أخرى فى يدى اليسرى وكانت بجبهة التشريفات، ورغم ذلك لم أفكر لحظة فى التراجع بل أصررت أكثر على مقاومة المخربين، ممن أتوا لنزع الابتسامة من وجه الطفل وبدلوا حياتنا إلى موت نشتم رائحته فى كل مكان، فخرجت للمرة الثالثة على الجبهة وأصبت فى القدم اليمنى مما أدى لبترها من تحت الركبة». يستكمل جهاد قصته وهو ينظر بمرارة إلى الأجزاء المصابة من جسده: «لى أيضا أصدقاء وزملاء منذ الطفولة، جمعتنا الجبهة وفرقنا الموت، كثيرون ماتوا بين يدى وأنا أصرخ سننتقم لكم.. زملاء طفولتى كانوا لا يعلمون شيئا عن حمل السلاح بل أجبروا على الحرب وكان الأمل لا يفارق وجوههم حتى واريناهم التراب..». شهداء إعلاميون للإعلاميين نصيب ليس بقليل من بطش الحوثيين، وفى مقابر الشهداء وجدا أسماء عدد من المصورين والصحفيين الذين استهدفهم قناصة الحوثى أثناء تأدية مهامهم فى كشف ونقل جرائمه أمام العالم، جعلنا هذا نتطرق لملف انتهاك الحوثيين للإعلاميين والذى تضمن عدة أشكال، يتحدث عنها الدكتور عبدالباسط القاعدى، وكيل وزارة الإعلام اليمينة فيقول: الحوثيون يخشون أى شخص يكشف جرائمهم، ويواجه الإعلاميون والمصورون أسوأ موجة اضطهاد من قبل تلك الميليشيا منذ 2015، وقد وثقت المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين 20 نوعا من الانتهاكات فى اليمن عن الفترة من 2015 حتى مارس 2018، تنوعت بين 22 حالة قتل و30 حالة شروع فى قتل، و141 حالة اختطاف، و33 إصابة، أما التعذيب والاعتداء الجسدى فبلغ 109 حالات، هذا بالإضافة لـ90 حالة ملاحقة، وتعرض 544 صحفيا للتشريد، جراء تدمير والاعتداء على 54 مؤسسة صحفية، وأيضا بلغت حالات التهديد 47 و8 حالات تم الضغط عليهم باختطاف أقارب لهم، مضيفا أن الحوثيين يرفضون أى وساطة أو تفاوض للإفراج عن الصحفيين بالتحديد، لأنهم يعتبرونهم غنيمة. وعن أنواع التعذيب يقول أكثرها التعليق والصفع، ولنا زميل اسمه يوسف عجلان تم اعتقاله مدة عام ونصف، وخرج يعانى من أمراض ومشكلات فى الذاكرة والظهر والأذن. وحول دور الوزارة فى الدفاع عن الصحفيين والإعلاميين، قال: نحن نحمل هذا الملف فى المحافل الدولية، ونعرضه فى المؤتمرات الدولية فى جنيف وبروكسل وباريس، لمطالبة المجتمع الدولى بالضغط على الحوثيين للإفراج عن المختطفين وإيقاف آلاتهم الموجهة لصدر كل صحفى، وذلك بالتعاون مع الاتحاد الدولى للصحفيين واتحاد الصحفيين العرب وأيضا تم عرض القضية فى مجلس حقوق الإنسان فى سويسرا، لكن الحوثى لا يعير المجتمع الدولى أو الكيانات التى تدافع عن حقوق الإنسان أى اهتمام. وائل العبسى ضمن قائمة الشهداء الإعلاميين، استشهد وهو فى عمر الـ27 عاما، وكان يعمل مصورا لقناة اليمن، قرر أن يترك أهله فى عدن منذ اندلاع الحرب ليأتى إلى تعز من أجل نقل الحقيقة، يحكى لنا صديقه بدر الدين محمد أنه كان شخصا يحب المرح والضحك، وكان مرتبطا بفتاة ويحبها حبا كبيرا وتقدم لها قبل الحادث بوقت قصير، وتم عقد القران وحدد موعد عرسه فى الشهر التالى، ولكنه قتل بقذيفة جماعة الحوثى وهو عائد من تصوير المواجهات فى الجبهة الشرقية. من بين شهداء الإعلاميين أيضا تقى الدين الحذيفى، ويقول لنا زميله محمد الحدادى إن الشهيد كان فى الصف الثانى إدارة أعمال بجامعة تعز، وكان يقف أمام زملائه فى القسم، ويقول لهم أنا مهاتير محمد، سأكون مهاتير محمد اليمن وسأرفع شأن وطنى اقتصاديا. يضيف الحدادى أن الشهيد كان يغطى الأحداث أحيانا لقناة السعودية الإخبارية، وأحيانا للعديد من القنوات الأخرى، بمعنى أنه لم يكن متعاقدا مع جهة محددة فكان يصور وأى قناة تحتاج لتغطية حدث تطلب منه، وفى منتصف عام 2016 تقريبا وفى يوم جمعة، تلقى اتصالا أن هناك معركة قوية فى الجبهة الشرقية، وخرج تقى الدين مع مصور قناة اليمن والمصور وليد القدسى لتغطية الجبهة الشرقية، وبعد أن أكملوا التصوير وهم فى أحد المبانى خلف الجبهة أطلق عليهم الحوثيون، منهم من قال إنها قذيفة ومنهم قال إنه صاروخ، وقتلوا جميعا، عدا وليد القدسى الذى بترت قدمه. المصور الصحفى عبدالله القادرى قتل أثناء تغطيته سير المعارك الميدانية فى جبهة قانية بمحافظة البيضاء وسط اليمن، وكما صرح مصدر طبى فى هيئة مستشفى مأرب فإن القادرى توفى متأثرا بجراحه التى أصيب بها إلى جانب زملائه بصاروخ موجه أطلقه الحوثيون على الوفد الصحفى أثناء تغطية المعارك بعد سوق قانية، ويعد القادرى من أقدم المصورين والصحفيين الذى قامو بنقل أخبار للمعارك منذ بدء الانقلاب عام 2015. الشهيد الرسام مشتاق العمارى ضمن باقة الشهداء انضم مشتاق العمارى الذى كان طالبا فى جامعة تعز مستوى اول فنون جميلة كان يرسم وهو في مترسه ومن الصور التى رسمها صور الشهيد محمد عزالدين اما الشهيد أواب الزبيرى، فقد انفجرت فيه عبوة ناسفة اثناء قيامه بتصوير تقدم شباب اليمن العسكرى على الجبهات. أم شهيد تشكل رابطة أولياء الدم استمرارا لدور المرأة اليمنية فى الحرب ومواجهة الحوثيين، قامت الدكتورة خديجة عبدالملك بتشكيل رابطة أمهات الشهداء أو أولياء الدم كما يطلقون عليها، وتضم فى عضويتها أكثر من 80% من أمهات الشهداء، وعن هداف الرابطة تقول الدكتورة خديجة: «تشكلت منذ 3 أشهر لأننا عاوزين مستحقات ولادنا الشهداء وهذا أقل واجب يقدم لهم فأنا أم لشهيد عمره 19 عاما وكان طالبا فى الصف الثالث السنوى وطلعت النتيجة بعد استشهاده فى 2016 وكان مع المقاومة الشعبية فى معارك الشقب وهى مازالت مشتعلة حتى الآن، آخر حاجة قالها لى محمد ادعيلى بالشهادة يا أمى». وتواصل: بعد استشهاده وجدنا أن فيه حقوق كتير ضايعة للشهداء، ففكرنا نتجمع أنا وأمهات لشهداء آخرين فى 22 مديرية فى تعز ووجدت تجاوبا منهن، وأبرز مطالبنا تخصيص رواتب لأسر الشهداء، فمنهم من ترك وليدا أو زوجة أرملة، أو أبناء، وأيضا نطالب بترقيم الضحايا المدنيين، فهناك ضحايا غير موثقين، وتنهى بالقول: «هنقاوم الحوثيين عشان نرجع حق دم الشهداء، وهننتصر على الحوثيين من أجلهم». كلية آداب تعز والمتحف منطقة عسكرية للحوثيين على مقربة من منطقة مقابر الشهداء وجدنا منطقة يغلب عليها الخراب رغم أن بقايا ما بها من مبان يوحى أنها كانت منطقة مهمة.. هى المنطقة الرابعة بتعز كما يسمونها.. اقتربنا منها وجدنا مبنى معلقا عليه لافتة محطمة والمتبقى منها كلمة كلية فقط، وبداخل أبوابها المتراكم عليها الصدأ، شاهدنا الأثاث المدمر والقمامة وبقايا الهدم فى كل ركن وعلى مبانيها بالداخل آثار القصف، علمنا من الأهالى أنها كلية الآداب جامعة تعز، وفى محيطها حديقة الطفل والبنك المركزى اليمنى فرع تعز ومقر مديرية الأمن، وجميع هذه المقرات تم تدميرها من قبل الحوثيين أيضا. وعما تعرضت له مبانى الجامعة بتعز من هجوم حوثى قال الدكتور مجيب مصلح، الأستاذ بالجامعة، إن الجامعة تعد من كبرى الجامعات الحكومية فى اليمن، وتأسست فى البداية بكلية التربية كفرع يتبع التربية بجامعة صنعاء عام 1985-1986م، ثم أصبحت جامعة مستقلة عام 1995م، وحققت تطورا كبيرا حتى أصبحت تضم 8 كليات و10 مراكز بحثية، مشيرا إلى أن بعض كليات الجامعة شهدت اعتداء من قبل جماعة الحوثى، ومنها كلية الآداب وهى من أوائل الكليات التى تأسست وأيضا كلية الطب المجاورة لإحدى مناطق التماس مع الحوثيين، وهى منطقة قصر الشعب، وترك الرصاص آثاره على المبانى، كما قامت الميليشيات بنهب جزء من محتوياتها والأثاث تهشم تماما، لكن تم نقل طلاب الكليات التى تعرضت للتدمير إلى مقر الجامعة فى حبيل سلمان، واستطاعت الجامعة أن تكمل المسيرة التعليمية وتتغلب على المعوقات. وأضاف أن لطلاب جامعة تعز دورا كبيرا فى المقاومة الشعبية منذ الهجوم الحوثى فى 2015 ومازالو يشاركون، فهم مؤمنون بأهمية الدور الوطنى فى المعركة التى تخوضها تعز وأنهم سوف ينتصرون بالنهاية. تضم تلك المنطقة أيضا متحف تعز الذى لم يتبق من اسمه سوى اللافتة، ونوافذ مهشمة وأجزاء من الطابق العلوى مهدمة، بخلاف القمامة ومخلفات الهدم المحيطة به، وعن تفاصيل ما تعرض له المتحف والكلية وبقية المبانى المجاورة لهما وتدميرها، قال حمود محمد شمسان عضو المقاومة الشعبية وشاهد عيان على هجوم الحوثيين على المتحف والمبانى المجاورة له، إن هذه المنطقة كانت مهمة لأنها تضم بعض المبانى التابعة لجامعة تعز منها كلية الآداب التى استخدموها فترة كمكان لتخزين أسلحتهم ثم دمروا مبانيها، ونهبوا منها بعض الممتلكات مثلما فعلوا فى المتحف الوطنى، الذى كان به قطع أثرية تعود لألفى عام، ومخطوطات فى غاية الأهمية وتماثيل تعود للدولة الرسولية، وكان يتردد عليه سائحون كثيرون وكان يلقى دعما من اليونسكو، وعندما دخل الحوثيون للمنطقة خربوه وحولوه ثكنة عسكرية لمدة عام ونصف العام، وسرقوا القطع الأثرية منه، وتركوه مهدما خاويا، وبعدما حررنا كمقاومة شعبية المنطقة استطعنا إنقاذ جزء من القطع الأثرية الذى خبأه العاملون فى المتحف عن أعين الحوثيين، مضيفا أن الحوثيين لم يكتفوا بذلك، بل دمروا قصر الإمام وكان معلما مهما فى المحافظة. أطفال تعز وقصص القصف العشوائى للأطفال فى تعز أيضا نصيب من قصص البطولة، ويكفى أنهم يعيشون ويلعبون ويسيرون يوميا إلى مدارسهم تحت نيران القصف.. قالت ميادة عود، فى الصف الثالث الإعدادى: «أحيانا يقصفوا المدارس وبنروح المدرسة وإحنا خايفين، الحوثة يرموا القذيفة أى وقت وساعات نسمع صوت القصف نطلع نجرى نستخبى فى أى حتة، إحنا عارفينهم وعارفين إنهم مش بيحبوا العيال الصغيرة ونفسى يمشوا من بلادنا ونعيش فى أمان، وأنا شفت أصحاب ليا يموتوا قدام عينى». أما ربيعة محجوب، فى الصف الأول الإعدادى، فتقول: «نسمع القصف طول الوقت ونشوف ناس تتقطع قدامنا، ويوم نروح المدرسة ويوم لا، الله يحرقهم حسبى الله ونعم الوكيل»، فيما يحكى صبرى عادل: «يوم الجمعة اللى فاتت كنت ألعب مع ابن عمى وأخويا وضربنا بقذيفة وأخويا مات فى المستشفى، ودلوقت خايف على ابن عمى يموت هو كمان». وتتحدث صالحة طفى بالصف الرابع الابتدائى: «أنا كنت بلعب مع أصحابى فى حوش المدرسة من قريب والقذيفة موتتهم كلهم، وأنا رحت المستشفى وخفيت وبطلت ألعب فى الحوش. الطفل عمر عبدالواحد الذى يبلغ من العمر 12 سنة رفع ملابسه ليرينا بطنه التى تحمل آثار شظايا، وصف لنا ما تعرض له من انتهاك قائلا: «أنا واخد شظايا فى بطنى ورُحت المستشفى ودلوقت كويس، وده بقى عادى عندنا وكتير مننا عنده تعويرة فى جسمه». يستكمل قصته قائلا: «كنت أعمل ساقى قبور وفى يوم كان فيه كتير أهالى جايين للشهداء أول ما وصلوا وهم جالسون سقطت قذيفة ومنهم ناس اتصابوا وأنا كمان اتصبت فى بطنى». كذلك يقول محمد «10 سنوات»: كنت رايح الدكان أشترى حلاوة، وبعدها سمعت ضرب ولقيت رجلى بتنزل دم وما حسيتش بحاجة بعد كده، ولقيت نفسى فى مستشفى الثورة وأبويا معى وسألته ليه رجلى متعورة فقالى الحوثة عوروك بس هتبقى كويس ما تخافش، جلست كتير أتعالج وبعدها خرجت وأنا عارف إن ممكن الحوثة يعملوا كده تانى». فى الحلقة التالية.. -مخيمات النازحين فى مأرب.. قصص الاغتصاب والاستغلال الجنسى - أحد الفارين من أسر «الحوثى» لـ«انفراد»: الناس ماتت من تعذيب ونهش الكلاب


























الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;