خالد صلاح يكتب: عندما توقع عقدًا مع "وظيفة حكومية" فأنت توقع عقدًا رسميًا مع "الفقر"

قالت المرأة العجوز لعضو مجلس النواب وهو يخرج من عزاء فى دائرته: أستحلفك بالله أن تتوسط لابنى للعمل فى وزارة حكومية، فأنت تعرف الكثير من المسؤولين، وربما يشترى أحدهم خاطرك ويقبل بتعيين ابنى فى الوظيفة، أى وظيفة. قال النائب: يا حاجة، التعيينات فى الحكومة بمسابقات، ولا يجوز الواسطة، ثم لماذا تريدين لابنك التعيين فى وظيفة حكومية، المرتبات ضعيفة، والحكومة مرهقة بما لديها من موظفين. قالت المرأة: أريد دخلًا ثابتًا ننظم حياتنا عليه، وليس هناك أى عمل فى مصر يمكن أن يتيح دخلًا ثابتًا ومضمونًا سوى الوظيفة الحكومية، أرجوك يا ابنى، أبوس إيدك، تعيّنه فى أى مكان. .......... كم مرة سمعت هذا الحوار، أو رأيت هذا المشهد، أو واجهته أنت بنفسك؟ هذا المنطق يشكل أساسًا ثقافيًّا فى المجتمع.. الوظيفة الحكومية فى نظر الملايين من البسطاء فى مصر هى أساس الاستقرار، والدخل الثابت، الذى لا يعرّض حياة الأسرة للخطر المحتمل فى المشروعات والشركات الخاصة، وهذه الثقافة «الوظيفية»، وهذا النزوع للاستقرار المالى فى «حماية الحكومة»، يشكل أسمى الأمنيات لدى الأسر المحدودة أو المعدومة الدخل. الثقافة الوظيفية فى مصر هى السائدة منذ عقود، لا أريد هنا أن أخوض تحليليًّا فى أسبابها منذ سنوات العهد الاشتراكى، لكننى أتوقف فقط عند استقرار هذه الثقافة، ورسوخها، واعتبارها أحد أهم عناصر الأمان الشائعة بين الأسر البسيطة فى مصر، ليس مهمًا حجم المرتب وقيمته وقدرته الشرائية، المهم فقط أن يكون المرتب ثابتًا ومضمونًا كل أول شهر، لتتمكن الأسرة من ترتيب أوضاعها على هذه القروش الصغيرة «المضمونة والثابتة» حكوميًّا. تسود هذه الثقافة فى الوقت الذى ترى فيه الدولة أهمية دعم التوجه نحو الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وترصد فيه الحكومة ميزانيات كبيرة لدعم هذه المشروعات بالدراسات والاستشارات، أو بالقروض المصرفية، وتسود هذه الثقافة أيضًا فى وقت يشكو فيه مستثمرون كبار وصغار من أن بعض الوظائف التى يعرضونها فى شركاتهم لا تجد إقبالًا من الشباب، رغم أنهم يعرضون مرتبات لائقة.. البسطاء يفضلون الوظيفة الحكومية غالبًا. أتصور أن نظام التعليم الجديد يجب أن يلتفت إلى هذه الثقافة، ومدى تأثيرها فى المجتمع.. علينا أن ننبه البسطاء من الناس إلى أن الوظائف الحكومية لا تغير مستقبل الناس، وأن توقيع عقد وظيفة حكومية قد يضمن دخلًا ثابتًا بالفعل، لكنه سيكون بمثابة توقيع عقد رسمى مع الفقر إلى الأبد. التعليم يجب أن يلعب دورًا أساسيًّا فى تغيير هذه الثقافة، وإذا كنا نتحدث عن ربط التعليم بأسواق العمل، فإننا يجب أن نعلم الناس ما الفرص المتاحة فى أسواق العمل خارج الوظائف الحكومية. كما ينبغى كذلك أن نغير الصورة الذهنية عن العمل فى المشروعات الخاصة، الصغيرة والكبيرة، حتى تنتهى كذلك هذه الثقافة، التى ترى فى العمل الخاص أو الاستثمار الخاص أو المشروع الصغير خطرًا مستمرًا على حياة الأسرة، وتهديدًا دائمًا لدخل العائلة. مرة أخرى أؤكد أن المعركة ثقافية وتعليمية أولًا. مصر من وراء القصد










الاكثر مشاهده

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

;