بليغ حمدى مر من هنا.. 25 عاماً على رحيل "النغمة الطيبة" .. كان يتخاطب مع الناس بالروح.. يخبرك بأنه يسمعك دون أن ينطق بكلمة واحدة.. يؤكد لك أنه يفهمك تماما دون أن تلمح منه إشارة دالة.. بالروح يسمع و ين

- لأول مرة بخط يده ننشر رسائل العشق والتقديس إلى حب العمر «وردة».. ولأول مرة ننشر خواطره ومسودات أشعاره فى أيام المرض -وثيقة تثبت رغبته الكبيرة فى نشر الوعى الدينى «الذى أصبح الآن مفقودا بنسبة كبيرة» وسعيه المحموم ليقدم «ولو خطوة فى خدمة الدين» رحلة تاهت روحى فيها وتهت فيها هنا هنا، جزء عظيم من تاريخنا، هنا هنا، قطعة غالية من جدارية أرواحنا، هنا هنا، آثار يد حفرت فى القلوب متسعا للعشق، وفى العيون مجرا للدمع، وفى الوجدان حدائق وأعناب، وفى الليل آهات وشجون، هنا هنا «نغمة طيبة» أصلها فى تراب مصر وأراضيها، وفرعها فى سماء الفن وعبقريته. هنا آثار بليغ حمدى الذى يشبه اسمه فى حضوره وعمق تأثيره، ويشبه اسمه فى وقعه الخفيف وفاعليته الثقيلة، ويشبه اسمه فى إيجازه وأصالته، كان قصيرا، لكنه استطال بالنغم فبلغ سماء الوجد وسماء الشوق وسماء الآه، كان ضعيفا، لكن روحه التى استطاعت أن تأسر أمة بكاملها لم تعترف بهذا الضعف، هو تماما مثلما قال عبد الرحمن الأبنودى عن فؤاد حداد «بسيط يا مولاى والضحكة فى صدرك قوت فقير يا مولاى ورازقنا حرير وياقوت» فاتت «25» سنة.. حتى الجواب منكم موصلش 25 عاما مرت على رحيله، لكننا لم نشعر برحيله قط، ولن نشعر، أقسم على هذا، هو هو على حاله، هو هو على عذوبته، هو هو على طيبة قلبه وصدق انفعاله، كرمه الذى وصل إلى حد التهور مازال موجودا ومازالت آثاره على أرواحنا باقية آمنة، دفئه العابر للأمكنة والأزمنة مازال قادرا على إذابة جبال الجفاء بين الحبيب والحبيب، وبين الأم والابن، بين الواحد ونفسه، فعظمة الموسيقى تقاس بمدى استطاعته أن يقرب بينك وبين الآخرين، لكن بليغ من تلك القلة التى تستطيع أن تقربك إلى نفسك، وتقرب نفسك إليك، ومن ذا الذى يستطيع أن ينسى من فك شفرة مشاعره، وحل معضلة ذاته مع ذاته، من هذا الذى يستطيع أن يبتعد عمن كان قريبا إلى حد التوحد، ولصيقا إلى حد الالتحام، فلتمر السنون كما ترى، ولتمضى الأعوام واحدا بعد آخر، لكن بليغ لن يمضى، بليغ لن يمر، فله فى القلب مسكن وله فى العمر ساحة، وله فى الحنين باع وزراع. قد اللى فات من عمرى بحبك وقد اللى جاى من عمرى بحبك كل من يعرف «بليغ حمدى» يقول إن بليغ كان يعيش فى الموسيقى، يعيش بالموسيقى، يعيش كالموسيقى، عذب وسهل وقريب، هو معنى وليس جسدا، شعور خالص، إحساس صاف، جمال محض، خاطف كالجملة المبهرة، وحنون ومطمئن كنغمة ركوز المقام، لكنه برغم هذا عصى على القبض، لا يستطيع أحد أن يعرف أين بليغ ولا أين سيكون حتى بليغ نفسه، يمشى وراء النغمة على غير هدى، فيهدى قلوب العاشقين ويربت على كتف المخطئين، من رآه وجلس معه يؤكد تماما أنه جلس معه ولم يجلس معه، رآه ولم يره، فقد كان بليغ جالسا هنا نعم؟ لكنه بالكاد يتكلم، بالكاد يفضفض، يتخاطب مع الناس بالروح، يخبرك بأنه يسمعك دون أن ينطق بكلمة واحدة، يؤكد لك أنه يفهمك تماما دون أن تلمح منه إشارة دالة، بالروح يسمع وبالروح ينفعل، وبالروح يشعر، لا تعرف هل يستشف الموسيقى من كلماتك فيحولها إلى نغمات تتلاقح فى ذهنه، أم هو مشغول بالموسيقى عن كلماتك فبقى فيما يبقى، وذهب عما يفنى؟ أنا كنت إيه قبل ما أشوفك؟ أنا كنت إيه؟ كانت الموسيقى المصرية قبل بليغ حمدى فى مرحلة من أعظم مراحلها، كان فى الوسط الفنى زكريا أحمد بجلالة قدره، عبد الوهاب بسلطانه وهيلمانه، السنباطى بعظمته وقوته، القصبجى بعلمه الذى لا يفنى وريادته المتأصلة وأستاذيته للجميع، محمود الشريف بشقاوته وسحره، وكان وراء كل هذا وأمام كل هذا السيد سيد درويش الذى كان حاضرا فى الجميع ملهما للجميع، ظهر بليغ حمدى فى وقت كان فيه الناس على إعجابهم بعبده الحامولى وكامل الخلعى وأبوالعلا محمد ومحمد عثمان وعبد الرحيم المسلوب، كان الناس مازلوا مغرمين بأدوار داود حسنى، ومازلوا يستملحون صوت زكى مراد والد الفنان ليلى مراد، ظهر بليغ حمدى وقد ظن الجميع أن الموسيقى المصرية تشبعت ووصلت إلى مرحلة النضوج، وانتظر الجميع أن تخفت تلك الروح بعد وصولها إلى أعلى عليين، لكن بليغ كان حاضرا، ليصنع بموهبته الخالصة تيارا فنيا جديدا، ليخترع نغمة تخصه وحده، ليخترع لغة يتكلمها وحده فيفهمها كل الناس، ليخترع روحا لموسيقاه المتفردة فيغرم بها كل الناس، حتى يجبر أساتذته على التأثر به ومسايرته فى الطريق الذى اخترعه. تخونوه.. وعمره ما خانكم ولا أشتكى منكم؟ لم يعش بليغ حمدى فترة أصعب من تلك التى عاشها خارج مصر منفيا مبعدا متهما، تلك قضية ورطنا فيه تاريخ بليغ حمدى كما يورط جاهل صفاء الحلم بمشهد من كابوس، كما يورط فيها العابث صفاء اللبن فى حفنة من تراب، كان الجميع يعلم تماما أن بليغ أرق من الرقة ذاتها، أكثر إنسانية ممن اخترعوا هذا المصطلح، أكثر رحمة بالعالم من أحن أم على أولادها، لكنهم لم يبحثوا عن قاتل سيدة فى شقته واستسهلوا اتهامه، فهرب، من الصدمة هرب، من الخوف هرب، من الألم هرب، لكنه لم يدر أنه كان يهرب من جحيم محتمل إلى عين الجحيم، من ألم قابل للعلاج بالمسكنات إلى ألم مزمن عصى على العلاج. وكل ما أحلم بالرجوع.. تجرى من عينى الدموع حكى لى الموسيقار النبيل وعازف الكمان الشهير أمين عبدالعظيم حكاية لم تنشر من قبل عن بليغ فى الغربة، تقول تلك الحكاية إن بليغ أتى إلى عبد العظيم ذات يوم بعد أن انتهى من عمله، فقال له «اعزف شوية بياتى يا أمين، فعزف أمين واندمج، وانتشى بليغ بالعزف و«اتسلطن»، ثم ابتهج أمين هو الآخر بالعزف فبدأ باستعراض عضلاته، فعزف بالطريقة التركية قليلا فصاج بليغ منتشا «أيوة.. يا أمين أيوة.. ودينا على تركيا ومنها ع السودان وروح بينا على تونس.. لف بينا الدنيا كلها» قال له أمين «هوديك العالم كله بس مش هقدر أوديك مصر»، وما أن قال «أمين» هذه الجملة حتى شعر بفداحة الجريمة التى ارتكبها، فقد كان بليغ وقتها فى أعتى موجات الحنين إلى مصر، كان مكتئبا لا يخرجه من هذا الاكتئاب سوى النوم أو الموسيقى، كان مشحونا بالعاطفة مريضا بالعشق المزمن واللقاء المؤجل دوما»، سمع بليغ هذا الجملة فانفجر فى البكاء، كان البكاء حارا لدرجة جعلتنى أستشعر تلك الحرارة كلما حكى «عم أمين» هذه الواقعة أمامى، بكى ثم بكى ثم بكى، وظل يردد من بين الدموع، «يا حبيبتى يا مصر.. يا حبيبتى يا مصر.. يا حبيبتى يا مصر»، وبعد تلك الليلة قاطع «عم أمين» لمدة عام كامل، بعد أو وشى به أحد الحاقدين عند بليغ وزعم كاذبا أنه قصد بهذه الجملة مكايدة «بليغ» بالضغط على عصبه العارى.. مصر. يا حبيبتى يا مصر يا مصر للجميع مصرهم، ولبليغ حمدى مصره، تخيلها الجميع قبله فى صور بالغة التعدد، وفى الغناء الجميع استعرض كل العضلات الممكنة، منذ «اسملى يا مصر إننى الفدا، وحتى مصر التى فى خاطرى»، وصولا إلى «الله أكبر فوق كيد المعتدى» و«طول ما أملى معايا معايا وفى إيديا سلاح»، لكن عند بليغ كان لمصر صورة أخرى، مع بليغ صارت مصر الصديقة، مصر الرفيقة، مصر التى تصطحبها معك وأنت فى المترو، والتى تجرها فى نزهة على الكورنيش لتأكلا الدرة المشوى، مصر التى العالية لا المتعالية، مصر الكبيرة لا المتكبرة، مصر بليغ حمدى هو القريبة من القلوب والعقول والحضن، مصر التى ترقص على الربابة وتتمايل مع السمسمية، مصر بليغ حمدى هى التى مصرت وردة وجعلتها حلقة غالية فى تاريخنا بـ«حلوة بلادى السمرا بلادى» مصر بليغ حمدى التى قال عنها الأبنودى «لولا مصرية بليغ حمدى لفقدت مصريتى»، ومصر عند بليغ «ع الترعة بتغسل شعرها»، وفى حضنه يغنى لها «يا حبيبتى يا مصر يا مصر» وحتى فى العبور تلمح تلك الرقصة الشعبية فى «سينا يا سينا بسم الله بسم الله.. وأدينا عدينا باسم الله بسم» يا أجمل ليلية فى عمرى حبيبى جاى تحج القلوب إلى قلب بليغ، تشد الأذن رحالها إلى نغماته العذبة المضيافة، تبتهج العين برؤيته كأحد الأدلة المادية على عبقرية مصر وخصبها، ولهذا كانت آلام بليغ آلام لمصر كلها، وكانت فرحة الناس بعودته، لا يعادلها فرح، ففى تسجيل مبهر أذاعه الفنان سمير صبرى ظهر بليغ وسط المرحبين بعودته عقب فك أسره ورجوعه إلى مصر بعد إثبات براءته، وكان طبيعيا أن يكون فى استقباله جميع أحبابه، أو قل جميع رموز مصر الفنية، الجميع يرحب، الجميع يقبل، الجميع ويحتضن، كان رحيله هزيمة، وكانت عودته انتصار، وبالطبع كان من بين هؤلاء الأحبة حب العمر «وردة» التى قابلته وقبلته مثل كل الناس، لكن جزءا من الثانية كشف ما بالقلب، فلم يكتف بليغ بالقبلتين الرسميتين، وأراد ثالثة يشفى بها الروح من ألم الفراق، ويبل بها جفاف الغربة التى عاش فيها، لكن وردة لم تنتبه، وربما انتبهت ومنعت نفسها خشية افتضاح أمرها، وجزء من الثانية، أظهر بليغ فى تلك الحالة الأبدية من العطش المزمن. يا اللى مليت بالحب حياتى أهدى حياتى إليك ربما كان هذا العطش هو السبب الحقيقى لكل الشجن الذى نشعر به فى أغنياته، وربما كانت تلك الصورة هى الحقيقة الخالدة فى عمر بليغ، فقد تدرج فى مراتب الشوق حتى وصل إلى أعلى مراتبه، من الشوق للحب، إلى الشوق إلى الحبيب، ومن الشوق للأرض، حتى الشوق لمعنى الوطن، ومن الشوق إلى النغمة، إلى الشوق إلى الجملة، شوق بعد شوق بعد شوق، حتى تحول بليغ إلى معنى عام، شعر مصفى، روح مشرعة، لا تصدق أبدا أنك لم تره ولم تجلس معه، لا تصدق أبدا أنه رحل منذ ربع قرن وإننا نحاول اليوم أن نحيى ذكراه، وهو الذى أحيا وجداننا وكسى عظام أحساسنا لحما. لا يتنسى لكثير من الأمم أن تحظى بملحن مثل بليغ حمدى، فالمعجزات لا تتكرر كثيرا، وأصحاب البصمة الإبداعية الحقيقية لا يجود الزمان بهم على الدوام، والدليل على هذا هو أننا منذ أن فقدناه منذ 25 عاما، لم يستطع أحمد أن يشغل مكانه، أو حتى يقترب من مكانته، ولهذا فقد حرصنا على أن نتلمس آثاره فيما تبقى منه، حاولنا أن نمرر أعيننا على بصمات أصابعه، أن تسير مع خط يديه كما يسير الأعمى مع دليلة، وهنا ترى ربما لأول مرة بعضا من تلك الآثار، وربما إن أسعدك الحظ تشم فى تلك الأوراق الغالية بعضا من رائحته التى عتقها الزمن. هنا لابد أن أتوجه بالشكر أولا للسيد تامر حمدى ابن أخو الراحل الكبير «بليغ حمدى» الذى تشعر فى صوته وأدائه بروح بليغ، وشغف بليغ، وطفولة بليغ وانطلاقه، والشكر مستحق أيضا لأنه استطاع أن يقبض على هذا الشتات المتناثر من بقايا متعلقات «بليغ» الذى كان معروفا بأنه لا يتعلق بشىء سوى النغمة الحائرة. هنا ترى لأول مرة بخط يده ننشر رسائل العشق والتقديس إلى حب العمر «وردة».. ولأول مرة ننشر خواطره ومسودات أشعاره على فراش المرض، ووثيقة تثبت رغبة الكبيرة فى نشر الوعى الدينى «الذى أصبح الآن مفقودا بنسبة كبيرة»، وسعيه المحموم ليقدم «ولو خطوة فى خدمة الدين» كما ترى نوتاته الموسيقية بخط يديه لأغنيات أم كلثوم ونجاة وصباح ومحمد رشدى.. وأغنية لم تنفذ لنجاة الصغيرة وترى لأول مرة بليغ حمدى موزعا موسيقيا لسيد درويش ومحمد عبد الوهاب، ولك أن تسأل معنا لماذا لا تنشأ وزارة الثقافة متحفا لعرض هذه الآثار الخالدة؟ قبل الرسائل.. عن الحب «اللى كان» دعيت وردة للحضور إلى مصر، وكانت سعادتها بالغة لأنها أخيرا سترى صاحب لحن «تخونوه» الذى أغرمت به حينما شاهدت فيلم الوسادة الخالية، وبحسب المؤرخ الفنى وجدى الحكيم فقد قال إن شرارة الحب جاءت مع اللقاء الأول، حينما ذهب بليغ إلى وردة لتحفيظها أول لحن قام بعمله من أجلها، حيث أخبره بليغ قائلاً: «أنا عمرى فى حياتى ما اهتززت لعاطفة امرأة إلا لما شوفت وردة أول مرة وأنا بسلم عليها». وبعد موجات من الحب والغرام وتعنت أهل وردة ورفضهم وابتعاده عنها وزواجها من غيره وإنجابها انتهزت وردة قدوم بليغ حمدى إلى الجزائر ضمن العديد من الفنانين المصريين الذين كان يحتفلون بعيد الاستقلال، فغنى بليغ لوردة «قد اللى فات من عمرى بحبك.. وقد اللى جاى من عمرى بحبك»، وبعدها بعام ونصف انفصلت وردة عن زوجها السابق وأتت إلى مصر وغنت تلك الأغنية التى كانت جسرا عبر عليه بليغ باعثا بنار الحب من جديد الذى كلل بالزواج السعيد. يا أرق من النسيم وأجمل من القمر أول هذه الآثار الخالدة التى تدخل إلى القلب مباشرة هو رسائل بليغ حمدى إلى حب عمره «وردة» التى ظل يحبها ويقدس سيرتها حتى آخر يوم فى حياته، ومن خلال هذه الرسائل تستطيع أن تتأكد من شىء غاية فى الأهمية، وهو أن بليغ كان صادقا حقا فى كل ما يفعل، كان صادقا فى حبه، صادقا فى شغفه، صادقا فى سلوكه، صادقا فى ألحانه، فهو لم يكن يتصنع تلك الحالة الفريدة من الهيام بالمحبوب فى أعماله، وإنما كانت ألحانه انعاكسا حقيقى لما يدور فى قلبه من هيام ووله، وقد اشتهر عن بليغ أنه كان دائما ما يبعث برسائل الحب إلى وردة عبر أصوات المطربين الذين يؤدون ألحانه، وأشهر واقعة على هذا هى أغنية «بعيد عنك حياتى عذاب ما تبعدنيش بعيد عنك» فقد عرفت أم كلثوم أنه أرسل عبرها رسالة إلى وردة فاستدعته وقالت له: «تعالى يا واد أنت.. أنت بتعملنى كوبرى للبت اللى بتحبها؟» فقال لها: بتقولى ليه كده يا ست؟ فقالت له: كلمات الأغنية دى كلها رسايل، وقد كانت محقة فى اتهامها فقد قصد بليغ فعلا أن يبعث رسالة إلى وردة بهذه الأغنية، وبالفعل اختار أروع رسول لحمل هذه الرسالة، لكنه هنا يجدر بنا أن نسأل: ألا يوجد رسائل حقيقية من ورق وحبر فى كل هذه العلاقة الغرامية الشهيرة؟ الإجابة تأتينا عبر «وردة» نفسها فقد قالت فى أحد البرامج التليفزيونية إنها طوال فترة زواجها من بليغ حمدى التى بلغت حوالى أكثر من 7 سنوات كانت تتلقى منه يوميا «بوكيه ورد» يعبر لها فيه عن حبه، ويبعث إليها من خلاله ما يريد من رسائل، كما أكد لى الصديق الروائى «طلال فيصل» مشكورا هذا الأمر، وقال إنه إثناء أعداد روايته عن «بليغ حمدى» قابل بعضا من هذه الرسائل، لكننى مع هذا لم أكن أعرف على وجه التحديد أين ذهبت كل تلك الرسائل الغالية؟ ولم أعرف كذلك وما الذى تبقى منها وأين؟، وفى الحقيقة كنت يائسا من إيجاد أى أثر لتلك الرسائل القصيرة، وأنا أسأل الأستاذ تامر حمدى ابن أخو الفنان بليغ حمدى عنها، لكنه فاجئنى بأنه يحتفظ ببعض منها، وأنه استطاع أن يعثر على ست رسائل مكتوبة بخط يد بليغ حمدى المنمق، إلى السيدة «وردة حمدى» ننشر هنا نصها الكامل: الرسالة الأولى فى ظرف خارجى صغير موجه إلى السيدة «وردة حمدى» وضع بليغ «رسالته القصيرة قائلا: الحبيبة مراتى.. يا أرق من النسيم وأجمل من القمر وأحن إنسانة فى العالم كله.. حبى ليكى لا ينتهى ولن ينتهى.. بيكبر زى الورد......... أموت فيكى إلى الأبد. بليغ حمدى وفى هذه الرسالة نستطيع أن نرى ما كان يتمتع به «بليغ» من خيال شعرى وقدرة على صياغة التشبيهات الممتدة مدعما حبه بخيال حقيقى، كما نستطيع أن نتأكد من صدقه، لأنه بالفعل ظل كان يعنى ما يقول حينما قال «حبى ليكى لا ينتهى ولن ينتهى» فقد ظل يحبها كما قلنا حتى آخر يوم فى حياته. الرسالة الثانية الرسالة مكتوبة على قطعة ورق يشبه ورق النوتة الموسيقية، ويبدو أن بليغ كان لا يجد «كروت» لكتابة رسائل الورد، ولم يقبل أن يمر الورد هكذا دون أن يحمل بعضا من روحه فكتب الرسالة على ما وجده أمامه من ورق، أو ربما أراد أن يوصل رسالة مضمرة تقول لوردة إن حبه لن ينفصل عن الموسيقى، ولن يجد له معبرا سوى الموسيقى، وهو الشىء الذى أكدته وردة نفسها فى الكثير من لقاءاتها التليفزيونية، حيث قالت «إن كل أغنية حب لحنها بليغ كان لها شىء فيها» فإلى نص الرسالة «زوجتى.. وروحى وحب عمرى.. كل سنة.. وأنت مراتى.. كل سنة وأنتى حبيبتى.. كل سنة وأنت فى نجاح.. كل سنة وأنت فى أمل جديد.. أحبك بليغ حمدى» الرسالة الثالثة تحمل هذه الرسالة تاريخا هو 24 سبتمبر من عام 1978 ويبدو أنها أتت بعد ليلة من الخلاف والغضب، فيبدو بليغ فى هذه الرسالة معتذرا عن شىء ما، لكن لأنه من العشاق النادرين فإنه يعرف قيمة الاعتذار للمحبوب، كما يعرف قيمة العتاب والمصارحة فهو الذى لحن «أنا وأنت.. نسينا حتى نتعاتب ونتصارح»، ولا يريد لنفسه أن يصبح كبطل «ظلمنا الحب» أو أن تقول له حبيبته ذات يوم «عز عليك تسيب العند وتسامح..عز على أكون البادى واتصالح»، كما أنه لم يحتمل أن يصبح «كل يوم بينا.. يفوت أصعب من إمبارح» فكتب قائلا: «زوجتى وحب عمرى.. مساء الخير يا أحلى ست فى الدنيا معلش أنا عارف إن إمبارح زعلتك.. لكن استحملينى شوية يا نور عينى اليومين دون وحقك على زوجك اللى يحبك إلى الأبد، زوجك بليغ حمدى». الرسالة الرابعة رأينا فى الرسائل السابقة كيف كان بليغ يفضل دائما أن ينادى وردة بكلمة «زوجتى»، وكيف أسماها فى إحدى الرسائل «السيدة وردة حمدى»، مؤكدا على الظرف الخارجى نسبتها إليه هو، كما حملت تلك الرسائل نفس المضمون التعهدى الذى يكاد يقسم بليغ حمدى فى كل رسالة عليه وهو التعهد بالحب الدائم، وفى تلك الرسالة الرابعة التى تعد أقصر الرسائل يؤكد بليغ على ذات المعنى مضيفا إليها معنى القداسة التى يشعر بها تجاه هذا الحب فيقول: «زوجتى الحبيبة.. حبى لك إلى آخر يوم فى عمرى.. أقدسك.. زوجك بليغ حمدى» الرسالة الخامسة فى هذه الرسالة التى تتشابه مع الرسالة الثالثة يبدو أنها أيضا أتت بعد ليلة من الخلاف الزوجى، لكن بليغ هذه المرة كان مبدعا فى اعتذاره كما هومبدعا فى ألحانه، فقد اختار أن يناديها فى تلك الرسالة بأعظم صفة يمكن أن ينادى بها زوج زوجته، فلم يقل لها «حبيبتى» ولا «زوجتى» ولا «عمرى» ولا «روحى»، ولكنه قال لها فى بدايتها «أمى» وهو بهذا النداء ينهى أى خلاف محتمل، مؤكدا لحبيبته أنها يحتاجها مثلما يحتاج الطفل إلى أمه، كما يؤكد لها انتسابه إليه لا انتسابها إليه، فيقول فى نص الرسالة «أمى.. نور قلبى.. كل حاجة حلوة أنت.. ليلة إمبارح مجانيش نوم.. عشان خاطرى حقك عليه.. وأموت فيكى.. زوجك بليغ حمدى». الرسالة السادسة كتب بليغ حمدى هذه الرسالة على أحد الكروت الشخصية لها، حيث يتوسط اسمه الطبوع على الورق كلمات الرسالة، ويبدو أنها جاءت بعد رحلة قضتها وردة خارج مصر، كما يعتذر فى هذه الرسالة عن عدم ذهابه لاستقبالها فى المطار لظروف مرضه فيقول: «زوجتى وحب حياتى.. حمد الله على السلامة فى بلدك وبيتك.. وأهلك..وحشنى العالم كلها والدنيا كلها يا نور عنيه.. روحى.. حياتى.. نور قلبى أنا.. أموت فيكى ولولا مرضى لكنت فى المطار.. أخيرا.. أعبدك زوجك «بليع حمدى». مولاى إننى ببابك قد بسطت يدى يعرف الجميع بليغ حمدى ملحنا عاطفيا عظيما، ويعرفونه أيضا ملحنا لأهم ابتهالات سيد النقشبندى فلا يجهل أحد ابتهال «مولاى أنى ببابك» التى يغمرنا بها النقشبندى عبر نغمات بليغ المؤثرة الحية، مقتديا بذلك بأئمة الألحان فى مصر مثل الشيخ سيد درويش الذى لحن للشيخ على محمود «إن ميلاد الرسول» والشيخ زكريا أحمد الذى لحن أيضا للشيخ على محمود «يا نسيم الصبا، لكن ربما لا يعرف الكثيرون تلك الحالة الصوفية التى كان يعيش فيها بليغ، لكن من السهل تخيلها، فهذا الرجل الذى عاش بالصدق وللصدق لم يكن له أن يغيب عن حالة الهيام فى الله وفى حب مخلوقاته والتأمل بها، فما من تسجيل لبليغ حمدى ولأحد أغنياته إلا وتجده يفتتحه باسم الله الرحمن الرحيم، وكذلك لا نادرا ما تجد له نوتة موسيقية إلا وعليها اسم الله، وفى هذه الوثيقة التى ننشرها اليوم يخاطب بليغ حمدى مدير المنوعات بالإذاعة لكى يسمح له بنشر ابتهالات «النقشبندى» التى أذعها فى رمضان فيقول له: «أرجو التصريح بطبعها على أسطوانات ونقلها، وذلك مساهمة منا فى نشر الوعى الدينى الذى أصبح الآن مفقودا بنسبة كبير وكذلك نقدم ولو خطوة فى خدمة الدين». من نجاة الصغيرة إلى لطيفة إلى أحمد عدوية من بين أوراق الملحن الكبير بليغ حمدى وجدت نوتة موسيقية مكتوبة بخط يده لأغنية بعنوان «حضرة صاحب المحبة»، وفى الحقيقية فأنا لم أكن أعرف تلك الأغنية من قبل، فاضطررت إلى البحث عنها على الأنترنت، فأول ما وجدته هو خبر منشور فى موقع «انفراد» بتاريخ 24 نوفمبر 2013 مضمونه أن المطرب الشعبى الكبير أحمد عدوية، قرر ضم أغنية «حضرة صاحب المحبة» كلمات الشاعر بهجت قمر، وألحان الموسيقار العبقرى الراحل بليغ حمدى، إلى ألبومه الغنائى الجديد «بلا هوى بلا عشق»، حيث يعتبرها المطرب من أجمل الألحان التى صنعها الموسيقار الراحل، وتتميز بالإيقاع الشجىّ الذى يحظى بتجاوب من الجمهور، وفى الخبر أكد عدوية أنه اختار هذا اللحن تحديدا ليضمه للألبوم بعد رحلة من التفكير مع نفسه، حيث توافق إحساسه مع الكلمة وجمال اللحن، وانطلقت أصوات اللحن من أعماق الماضى تذكره بكواليس الأغنية التى جمعته ببليغ حمدى وظلا يدندنان معا وقت تلحينها، أما ثانى ما وجدته هو أن الأغنية ذاتها قدمتها المطربة التونسية «لطيفة» فى أحد ألبوماتها، ويستطيع أى شخص أن يستمع إليها على مواقع الإنترنت، لكن المفاجأة الكبيرة التى كانت فى انتظارى أن تلك الأغنية لم تكتب فى الأصل لا للطيفة ولا لعدوية وإنما للسيدة «نجاة». مش عوايدك كانت لوردة وليست لـ«ميادة الحناوى» من بين الوثائق التى عثرت عليها كانت وثيقة بخط اليد تحتفظ بكلمات أغنية مش عوايدك، التى غنتها «ميادة الحناوى»، لكن هذه الوثيقة تثبت أن تلك الأغنية لم تكن فى الأساس لميادة وإنما كانت لوردة، ويجب هنا أن نذكر أن تلك الوثيقة ليست مكتوبة بخط يد بليغ نفسه، وإنما كانت مكتوبة بخط آخر ربما يرجع إلى الشاعر أحمد حلمى الذى كتب كلمات الأغنية، كما عثرنا على وثيقة أخرى تثبت أنه كتب أغنية «الحب اللى كان» لميادة الحناوى فى أيام مرضه، حيث دون عليها موعدا هو «10 وربع المستشفى القبطى»، كما عثرنا على نوتات موسيقى تثبت أنه كان يعيد توزيع أغنيات سيد درويش وأغنيات عبد الوهاب، وفى اعتقادى أن بليغ كان من الملحنين القليلين الذين يستطيعون توزيع الأغنيات لعلمه الموسيقى الكبير، وقدرته على تمثل الموسيقى وحفظها فقد استمعت إلى بروفات كثيرة له يحفظ الموسيقيين اللحن بالأحرف الموسيقية «السولفيج» حرفا حرفا.
















































الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;