سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 3 مارس 1965.. عبدالناصر يقنع جيفارا بعدم الذهاب إلى الكونغو.. والثائر العالمى يطرح أسئلة عن الثورة والدولة

تواصل الحديث بين عبدالناصر وجيفارا الذى كان فى زيارة إلى مصر من 2 مارس 1965.. «راجع- ذات يوم 2مارس 2019».. كان لقاؤهما يوم 3 مارس- مثل هذا اليوم- 1965، وتعددت اللقاءات، وكانت تجربته كوزير للصناعة فى كوبا مجالا للحوار، ونعرف منه وجهة نظرهما فى العلاقة بين الثورة والدولة. يذكر هيكل فى كتابه «عبدالناصر والعالم»، أن جيفارا قال، إنه يشعر بأنه يتخبط فى أزمة، ولديه أسئلة لا يجد لها جوابا.. قال: «كوبا تواجه مشكلات هائلة، وليست هناك حلول سريعة، لقد تخبطنا- وربما كنت أنا المسؤول عن هذه الأخطاء- أممنا 98 فى المائة من كل ما وجدناه، أممنا حتى دكاكين الحلاقة، وبعد ذلك وجدنا أنه كان علينا أن نترك بعض الناس خارج التأميم.. لقد تعودت أن أتحدث كثيرا عن التحول الاجتماعى، ومن ثم كلفت بمهمة الإشراف على ذلك التحول، وكان المشكل الأول الذى واجهته هو إيجاد الأشخاص الذين يمكنهم أن يديروا المؤسسات المؤممة ثم وجدناهم وظننا أنهم سيكونون ممثلين للثورة، فاكتشفنا أنهم لاينتمون إلى الحزب الثورى إنما إلى الحزب الإدارى.. نسوا حماسهم الثورى فى أحضان السكرتيرات الفاتنات وعلى مقاعد سياراتهم الفخمة، وأخذوا يغلقون أبواب مكاتبهم فى وجوه الناس للحفاظ على الهواء المكيف بدلا من أن يفتحوها لاستقبال العمال، شعرت بأننا نعطى الانتهازية فرصتها، إننى شيوعى وقرأت القدر الكثير من الكتب الشيوعية، وأصبحت معذبا مشتتا ببن الثورة والدولة. يؤكد هيكل: «استمرت المناقشات ليالى عدة فى بيت الرئيس، ومما رواه لعبدالناصر أنهم قرروا البدء بالثورة فى كوبا مع أن الأسباب لم تكن ملائمة لها، لأنهم شعروا بأن قرار إشعال الثورة نفسه يشكل عاملا ثوريا يحسب حسابه، وناقشه عبدالناصر قائلا، إنه يدرك أن قرار إشعال الثورة يمكن أن يكون فى حد ذاته عاملا حتى لو كانت الشروط الموضوعية غير مكتملة بعد، ولكن هناك متطلبات أساسية لا يمكن تجاهلها.. وقال له: «عليك- قبل كل شىء- أن تنسى كليا فكرة الذهاب إلى الكونجو، إنها لن تنجح وسيكتشف أمرك بسهولة لأنك رجل أبيض. وإذا رافقك آخرون من البيض فإنك ستعطى الاستعماريين فرصة أن يقولوا إنه ليس هناك فارق بينكم وبين الجنود المرتزقة، إننى أعتقد بأن الثورة ظاهرة عالمية النطاق لا تفرق بين مختلف الألوان والأجناس، ولكن هناك أشياء يجب أن تدخل فى الاعتبار، إن ما ينبغى علينا عمله هو أن نساعد الأفريقيين، ولنحاول فى هذا أن نعطى كل شعب الحق فى أن يفعل ما يعتبره صائبا». ومضى عبدالناصر يقول: ربما كنت أختلف مع وجهة النظر الماركسية الجامدة التى تقول إن الثورة لا يمكن أن تنشب إلا حيث تكون هناك بروليتاريا متطورة- ولقد أثبت كل من لينين وماوتسى تونج عدم صحة هذه النظرية- لكننى أرى أنه لابد أن تكون هناك على الأقل نواة من البورجوازية الصغيرة والعمال، كما أن الأمر يتطلب توافر المقومات الأساسية لمرافق المواصلات، فالأفكار تحتاج إلى المواصلات مثلما يحتاج إليها الاقتصاد. وإذا كان الاقتصاد فى حاجة إلى طرق ومطارات، فإن الأفكار كذلك تحتاج إلى وسائل الانتقال وبالتالى لايمكن أن تكون هناك ثورة جماهيرية عامة دون أن تتوفر المقومات الأساسية لمرافق الخدمات العامة، لقد عانيت ذلك فى اليمن واختبرته، فعندما بدأت الثورة هناك، وجدتنى أهب لمساعدتها، ومع أننى تلقيت من التقارير ما يفيد أن الواقع هناك غير صالح للثورة فقد قلت مثلك إنه مجرد أن الثورة قامت فإن ذلك يؤلف عنصرا وضعيا فى حد ذاته، وبالتالى تجب مساعدتها، على أننى ما لبثت أن اكتشفت أولا أنه لا يمكن مساعدة الثورة من الخارج، وثانيا أن ذلك سيقتضى وقتا طويلا وكثيرا من العذاب، ووجدت أننا بينما نستطيع أن نسارع فى العملية التاريخية للثورة، فإننا لا نستطيع أن نقفز متخطين العملية الطبيعية العضوية التى تخلق قوى الثورة». قال جيفارا إن بناء المصنع وإدارته يؤلفان عبئا عسيرا، وتصريف شؤون المصانع عمل يبعث على الملل والقنوط. رد عبدالناصر بأن عملية الحماسة المطلقة تأتى فى المرحلة الرومانسية من الثورة وأن يوم اندلاع الثورة هو يوم تحقيق أهداف الرومانسية- إنه ليلة الزفاف. ولكن عليك بعد الزفاف أن تجعل الزواج ناجحا، عليك أن تكسب مالا وتبنى بيتا وتنجب أطفالا، وهذا هو المقصود بالثورة، وهذا ما تعنيه الثورة، إنها تعنى معاناة العبء العسير الكامن فى بناء المصانع واستصلاح الأراضى وتحويل الحماسة المطلقة إلى حماسة لخطة محددة وهدف بذاته، إننا إذا اكتفينا برومانسية الثورة دون أن تتوافر لدينا التطورات اللازمة لها، فإن ذلك سيكون كارثة ولن تكون هناك ثورة ما لم نقم بكل تلك المهمات المملة والتى تبعث على العجز كما تقول».



الاكثر مشاهده

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

;