سعيد الشحات يكتب: ذات يوم مارس 1897.. «أكابر المصريين» يعرضون على الخديوى عباس الثانى جمع التبرعات لتركيا فى حربها ضد اليونان

بدأت المناوشات بين تركيا واليونان منذ أوائل شهر مارس1897، بسبب النزاع على جزيرة «كريت» ذات الغالبية اليونانية التى جددت اضطراباتها للمطالبة بالانضمام إلى اليونان، واحتلتها اليونان فأعلنت الحكومة العثمانية الحرب عليها، وهى الحرب المعروفة تاريخيا باسم «حرب الثلاثين يوما»، وكان لمصر حضورها الخاص خلالها، ويروى وقائعها أحمد شفيق باشا فى مذكراته، وكان «شفيق» رئيسا لديوان الخديوى عباس الثانى الذى وقعت هذه الحرب فى عهده «تولى حكم مصر خلفا لوالده توفيق من 8 يناير 1892 حتى خلعه الإنجليز فى 19 ديسمبر 1914». كانت مصر بلا سيادة وقتئذ، فالدولة العثمانية صاحبة السيادة عليها ولها مندوب سام هو «الغازى أحمد مختار باشا»، وأيضا كانت تحت الاحتلال الإنجليزى منذ 1882 وله مندوب سامى هو اللورد كرومر. يذكر عباس الثانى فى مذكراته «عهدى» أن المندوب السامى العثمانى «كان عليه أن يقضى على كل اتجاه لاستقلال مصر، ويمنع الخديوى بكل الوسائل من زيادة امتيازاته وحقوقه، وكان عليه أن يرعى أمر المحافظة على الكرامة الدينية للخليفة وسلطته على مجموع البلاد». فى هذا السياق مضت قصة وقوف مصر إلى جانب تركيا.. يذكر شفيق: «فكر كثير من أكابر المصريين فى جمع إعانة مالية بواسطة الاكتتاب، وإرسالها للدولة مدفوعين بعاطفتهم نحوها.. فى 11 مارس، مثل هذا اليوم، 1897 قدم إلى السراى وفد يمثل اللجان الفرعية التى تكونت لهذا الغرض، وقابلوا الخديوى «عباس الثانى» وعرضوا عليه التماسا بأن تكون أعمال الاكتتاب تحت رعايته، فقبل وشكرهم على مجهودهم».. يضيف شفيق: «كان الكثيرون يترددون قبل ذلك، فلما قبل سموه رعاية هذا الاكتتاب، ازداد المشتركون فيه، حتى جمعت مبالغ كبيرة فى مدة وجيزة».. ويؤكد شفيق، أن التبرعات زادت بسرعة بانضمام مصطفى رياض باشا إليها «رئيس الوزراء ثلاث مرات متقطعة بدأت من 1879 حتى 1894».. يقول شفيق: «أسس رياض باشا لجنة برئاسته وعضوية ثابت باشا وحيدر باشا وعمر لطفى باشا وعثمان ماهر باشا ومحمد راتب باشا وإدريس راغب بك، وبليغ باشا، وإبراهيم هلباوى بك، وإسماعيل باشا محمد، وإسماعيل صفوت باشا، وخليل عفت باشا، وعلى آصف باشا، ويعقوب صبرى بك، وأحمد السيوفى باشا، وحسن مدكور بك». يتتبع «شفيق باشا» حركة التأييد لتركيا مشيرا إلى فاعليتها بين «الأكابر» وبين عامة الشعب من الشباب والفقراء وغيرهم.. يذكر: «فى 16 مارس 1897 وفد على السراى رياض باشا يصحبه الشيخ حسونة النواوى شيخ الأزهر، وبعض أعضاء اللجنة المذكورة والتبرعات التى جمعت حتى اليوم، ورجوه أن يشمل هذا المشروع بالتفاته السامى، فشكر لهم سموه عواطفهم، ثم انصرفوا على أن يقابلوا البرنسيسات ويطلبوا معونتهم فى مهمتهم، وفى اليوم التالى أرسلت «الخاصة الخديوية» ألفين وخمسمائة جنيه للإعانة العسكرية التركية، وعلى أثر ذلك تبرع أفراد الأسرة الخديوية بمبالغ كبيرة وحذا حذوهم سائر رجال المعية.. وتألفت لجان أخرى من الشباب وكريمات السيدات اللواتى رجون حرم رياض باشا قبول رياسة لجنتهن فقبلتها، وأخذت فى جمع الاكتتابات».. يضيف شفيق: «فكرت اللجنة العامة فى أن الكثيرين من الفقراء قد يريدون التبرع فيمنعهم الحياء من دفع مبالغ صغيرة، فوضعت صناديق مقفلة فى المساجد وفى بعض المحال التجارية ليضع فيها كل من شاء ما تجود به نفسه تسهيلا لاشتراك الجميع». يضيف شفيق: «ظلت أخبار المناوشات ترد إلينا تباعا، وفى 18 إبريل 1897، ورد على السراى من الباب العالى أن الحرب أعلنت رسميا بين تركيا واليونان، وعلى أثر ذلك زادت حركة التبرعات، وبلغ ما جمع نحو خمسين ألف جنيه، وتقدم بعض ضباط الجيش المصرى المتقاعدين للغازى مختار باشا ملتمسين قبول تطوعهم فى الجيش العثمانى، كما تطوع كثير من الشبان المصريين والأطباء فى الجيش». ينقلنا «شفيق باشا» إلى مشهد آخر، قائلا: «فى 20 إبريل وردت إشارة رسمية من الباب العالى بالتنبيه على الرعايا اليونانيين فى مصر بتصفية مصالحهم والرحيل، وإلا اعتبروا من الرعايا العثمانيين، وتقرر بعد المداولة بين الخديوى ورجال المعية والنظار أن يخير الرعايا اليونانيون بين البقاء بصفتهم من الرعايا العثمانيين أو الاحتماء بعلم من أعلام الدول الأخرى كإنجلترا أو فرسنا أو الروسيا مدة الحرب، ولما أبلغ هذا القرار إليهم اختاروا أن يستظلوا بالحمايات الأجنبية، وزار اللورد كرومر الخديوى وأبلغه ما قر عليه رأى الجالية اليونانية، وفى 22 إبريل أنشئت جمعية باسم الهلال الأحمر أسسها البنك العثمانى لجمع اكتتابات تنشأ بها مستشفيات خصوصية تقوم بتمريض جرحى الجيش العثمانى، ولقيت الفكرة تعضيدا كبيرا من رجال المعية، وعرض مدير البنك على الخديوى قبول هذا المشروع تحت رعايته فقبله بارتياح، وتولى الغازى مختار باشا الرياسة الفعلية، كما قبلت الحكومة المصرية الاشتراك فيه بصفة رسمية».. وفى 26 إبريل، أبرق الصدر الأعظم إلى الخديوى يبشره بانتصار الجيش التركى، ووفقا لشفيق: «لما جاءت هذه البرقية شمل السرور جميع رجال المعية».



الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;