سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 7 ديسمبر 1919.. طه حسين يلقى أول محاضراته فى الجامعة بحضور مسؤولين..ويشرح الوصف الجغرافى لليونان من خريطة أمام الحضور

كانت الساعة السادسة مساء يوم 7 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1919 حين أقبل أعضاء مجلس إدارة الجامعة المصرية على قاعة المحاضرات فيها، للاستماع إلى أول محاضرة يلقيها الدكتور طه حسين فى الجامعة، وفقا للدكتور محمد حسن الزيات وزير خارجية مصر أثناء حرب أكتوبر 1973 وزوج ابنة طه حسين فى كتابه «ما بعد الأيام».. جاءت المحاضرة بعد أن عاد «حسين» إلى مصر حاملا درجة الدكتوراة، متمما بذلك «أداء واجبه الذى كلفته الجامعة أن يؤديه وآن له أن يعود إلى مصر»، حسبما يذكر فى سيرته الأيام. عاد حسين بعد خمس سنوات قضاها فى فرنسا مبعوثا من الجامعة المصرية، يكشف عن معاناته المادية منذ بدأ رحلة عودته هو وزوجته الفرنسية وطفلته حتى شهوره الأولى فى القاهرة: بدأت متعثرة، يبسم لها الأمل فتخف وتشرق، وتعبس لها الضرورة فتثقل وتظلم، ينقل صورا من صنوف معاناته التى لم يكن يملك خلالها «درهما ولا دينارا» وفقا لتعبيره، يتذكر الوقت الطويل الذى صرفه «عما كان ينبغى أن يفكر فيه منذ بلغ القاهرة، فستبدأ الدراسة فى الجامعة بعد أيام، وليس له بد من أن يعد درسه الأول، ويتهيأ لإلقائه فى ذلك الحفل الذى سيقدمه فيه إلى المستمعين عضو من أعضاء مجلس الإدارة، وما أسرع ما عاد إلى الكتب،وعاد الصوت العذب إلى القراءة، وعاد اشتراك الزوجين فى هذه الحياة الصافية النقية التى لا يكدرها المال ولا ينغصها الحرمان، التى تسلى عن اليأس والبؤس والحرمان». يذكر «الزيات» أنه كان يتقدم الحضور للاستماع إلى المحاضرة عبد الخالق باشا ثروت وكيل الجامعة، وإسماعيل حسين باشا وكيل وزارة المعارف، ومرقص بك حنا المحامى، وعلى بك بهجت مدير الآثار العربية، وشكرى باشا وكيل وزارة الحقانية، وحسين سعيد باشا، جلس هؤلاء إلى جانب الأستاذ الشاب طه حسين، مواليد 15 نوفمبر 1889 – قرية الكيلو، مغاغة، محافظة المنيا، ثم ينهض الأستاذ إسماعيل رأفت بك فيقدم الأستاذ الشاب إلى ثروت باشا الذى يسير معه إلى منصة التدريس، ويقدمه للطلاب ولغيرهم ممن توافدوا على الجامعة ذلك المساء يلخص لهم حياته العلمية وجهاده فيها. اختتم ثروت ملخصه عن الحياة العلمية لطه حسين وجهاده قائلا: «هذا هو مختصر لحياة طه حسين، تلك الحياة العلمية التى كان فيها خير مثال للشبيبة المصرية، وأصدق دليل على الذكاء المصرى والنبوغ المصرى، وأقطع برهان على ما يثمر الجد والثبات والعزم»، ثم يختتم حديثه بقوله: «أستاذنا الدكتور طه حسين يبدأ الآن حياة جديدة.. يبدأ حياة الإفادة بعد الاستفادة، وأنى باسم الله، وبالنيابة عن أعضاء مجلس الإدارة، افتتح الدرس الأول للأستاذ الدكتور طه حسين». «حضر الطلبة درس التاريخ القديم متثاقلين»، وفقا لوصف الزيات، لكن الحال تغير تماما.. يقول الزيات: «بعد سماعهم الأستاذ الشاب جعلوا يقبلون عليه وعلى مادته شيئا فشيئا، فقد تبين لهم أن دروسه لن تكون سردا لأسماء الأباطرة وللمعارك التى خاضوها، بل ستكون دراسة للحضارة القديمة ونظمها السياسية والاجتماعية،وثمارها الثقافية ولتاريخ الفكر الإنسانى وتطوره فى الزمن القديم». يتذكر«حسين» هذا اليوم:«كان تاريخ اليونان هو الموضوع الذى اختاره لدروسه فى هذا العام، ولا سبيل إلى الأخذ فى درس التاريخ إلا إذا قدم بين يديه وصفا جغرافيا للبلاد التى يدرس تاريخها»، «ويؤكد أنه عرض هذا الوصف فملك قلوب الذين استمعوا إليه، وملأ نفوسهم رضا عنه وإعجابا به وهو لم يصنع فى إعداد هذا الدرس إلا أن سمع الزوجة وأطاع». يوضح ماذا فعلت زوجته لكى يفهم منها هذا الوصف الجغرافى:«أخذت قطعة من الورق وصاغتها فى شكلها على نحو ما صاغت الطبيعة تلك البلاد،ثم أرادت أن تصور ما فى هذه البلاد من الجبل والسهل الذى يضيق حينا ويتسع حينا،ومن البحار التى تأخذها من أكثر جهاتها، فصورت ذلك بارزا فى هذه القطعة من الورق، ثم أخذت يد الفتى وجعلت تمرها على هذه بعد أن افترضت معه أنها تبدأ من الجنوب،وتمضى إلى الشمال،وتنحرف مرة إلى الشرق ومرة إلى الغرب،لتبين له مواقع البحر،ولتبين له الأماكن التى تضيق حينا وتتسع حينا، التى كانت تقوم فيها المدن القديمة،ومازالت به حتى فهم ذلك حق الفهم وأعاده عليها فاطمأنت إليه». طلب حسين قبل الدرس أن تعرض الصورة الجغرافية لبلاد اليونان فى قاعة المحاضرة، فتعجب الموظفون لهذا الطلب وأنكروه، إذ كيف له أن يشرح وهو لا يرى الصورة.. يتذكر:«أضمروا إنكارهم،وأجابوه إلى ما أراد، وأقبل على مجلسه فأنبأ المستمعين بأنه سيصف لهم بلاد اليونان من جنوبها إلى شمالها،وليس عليهم إلا أن يتبعوه بأبصارهم على هذه اللوحة المصورة، ثم أخذ فى الحديث فلم يلجلج ولم يتردد،والطلاب يسمعون بآذانهم ويتبعون بأبصارهم حتى انقضت ساعة الدرس، وأتم ما أراد من الوصف، ولما تفرق الطلاب دعاه ثروت باشا فأشبعه ثناء وتقريظا وتشجيعا»..وامتد الحدث فى الأيام التالية.



الاكثر مشاهده

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

;