سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 يناير 1973.. توفيق الحكيم يفكر فى التوقف عن الكتابة و«الأنوار»اللبنانية تنشر بيانه الذى أغضب السادات

واصل الكاتب الناقد الدكتور غالى شكرى، حواره مع الكاتب المفكر توفيق الحكيم يوم 8 يناير 1973.. يذكره «شكرى»، فى كتابه «من الأرشيف السرى للثقافة المصرية».. كان الحوار قبل ساعات من «بيان الحكيم» الذى وقعه 111 مثقفا ومفكرا يتقدمهم نجيب محفوظ تأييدًا لمطالب مظاهرات طلاب الجامعات، ونشرته جريدة «الأنوار» اللبنانية، يوم 9 يناير مثل هذا اليوم 1973، فغضب السادات وفصل الصحفيين الموقعين عليه واتهم الحكيم بأنه «مخرف»، وفقًا لأحمد بهاء الدين فى كتابه «محاوراتى مع السادات».. وكان الحوار قبل إصدار الحكيم كتابه «عودة الوعى» الذى هاجم عبدالناصر، ورد عليه الكاتب المؤرخ محمد عودة بكتاب «الوعى المفقود».. «راجع، ذات يوم 8 يناير 2020». حذر «الحكيم» من خطر «التيارات الخبيثة التى تتلفع بثياب الدين»، وتعجب من انتشارها، قائلا: «بالطبع هناك تراكم سلبيات العشرين عاما الماضية، رغم الإيجابيات التى لا ينكرها أحد، ولكن الهزيمة فى حياة شعوب كثيرة كانت نقطة تحول إلى الأمام، وبالتالى فالتيار الفكرى والسياسى المرشح بعد الهزيمة للتقدم بإنساننا هو عكس ما نراه.. الإنسان المهزوم قد يتشبث بالقوى الغيبية أمام الصدمة، أما أن تتحول هذه القوى إلى مشجب نعلق عليه خطايانا، فهو امتهان للعقل، وتجاهل لأسباب الهزيمة..صحيح أن مجموع الشعب مسؤول عن الهزيمة، ولكن هذا تجريد وتبسيط يبتذل القضية المطروحة.. لاشك أن النظام السابق على 23 يوليو 1952 كان آيلًا للسقوط، وورث النظام الجديد أعباءً ثقيلة.. ولكن الصحيح أيضًا هو أن النظام الجديد رغم إنجازه الكثير ضل السبيل فى معالجة الكثير من القضايا، فى مقدمتها قضية الديمقراطية والعدل الاجتماعى.. إن حرية الفكر والتعبير جنبًا إلى جنب مع حرية الإنسان الاجتماعية لم تلق من الضمانات السياسية والتنظيمية مايحول دونهما والعثرات التى تعاظمت قبل الهزيمة، وبعدها للأسف». قاطعه شكرى: «يظل سؤالك المهم قائمًا وهو، لماذا لم تكن الهزيمة نقطة انطلاق تبنى حياة جديدة؟.. أجاب الحكيم: «جوهر الأخطاء ظل قائمًا، فرفع الشعارات وتغيير الأشخاص لا يجدى شيئًا إذا ظلت الأمور على ما هى عليه، بل إن ذلك هو الذى يفاقم المشكلات، فحركة الشباب منذ 1968 أحد التعبيرات عن هذا التفاقم، وحياتنا الثقافية الخالية من المنابر الجادة تدفع كتابنا إلى نشر إنتاجهم فى عواصم عربية، تعبير آخر عن هذا التفاقم، والأحداث الطائفية الغريبة على مصر تعبير ثالث، وهكذا.. ذلك أن أصحاب المصلحة الحقيقية فى التغيير ليسوا ممثلين تمثيلًا حقيقيًا فى الأجهزة والمؤسسات القادرة على التغيير، لذلك فنحن نستغنى باللافتات عن المضمون، وبالوجوه عن الظهور، وبالقمم عن القواعد، إن حماية نظامنا، كمجموعة من التشريعات الاقتصادية والاجتماعية، تتطلب عملًا ديمقراطيًا متواصلًا، يدعم هذا النظام بتطويره، لأن الوجود لا يعرف التوقف، ولايكف عن الحركة، فهو إما إلى الأمام وإما إلى الخلف، وأعداؤنا كثيرون: الاستعمار الأمريكى، والصهيونية العالمية، وإسرائيل وبعض الأنظمة العربية، وبعض الطبقات الاجتماعية داخل حدودنا التى تستفيد من تقهقر الوضع، وتغزى التيارات المتخلفة التى ترتدى ثياب الدين». صمت «الحكيم» لحظات، ثم قال: «أفكر جديًا فى التوقف عن الكتابة»..سأله شكرى: «كيف»، أجاب: «يجب أن يقف الكُتاب رغم تباين اتجاهاتهم الفكرية صفًا واحدًا، ونكتب بيانًا إلى الدكتور عبدالقادر حاتم، نائب رئيس الوزراء، عما آلت إليه أوضاع حياتنا الثقافية والفكرية والفنية، ولن ننشره إلا إذا وضع فى سلة المهملات.. حينذاك لن ننشره فحسب بل نتوقف عن الكتابة التى تصبح بلا معنى». طرح «شكرى» وجهة نظر، ختمها بسؤال: «الديمقراطية والعدل الاجتماعى هى الأخرى كلمات عامة.. الاحتلال الإسرائيلى لجزء من أراضينا هو الصورة المباشرة لجرحنا القومى، والخلاص من هذا الجرح يستوجب عملًا ديمقراطيًا وعدلًا اجتماعيًا.. ولكن كيف؟.. التوقف عن الكتابة قد يكون احتجاجًا لفترة، وقد يصل إلى حدود العمل الفردى.. لأن الكثيرين سيرفضون الفكرة من مواقع مختلفة، فوق أنها فكرة تجسد موقف الأدباء وحدهم.. ما الحل القومى الشامل؟. أجاب الحكيم: «يجب أن نعرف حدودنا كأدباء وكتاب، إننا لا نكتب برامج لأحزاب، إننا ضمير الأمة، ولسنا أجهزة تنظيمية.. ليس مطلوبًا منا ما يكون مطلوبًا من طوائف أخرى ممارسة العمل السياسى المباشر وظيفتها، أما نحن فيكفينا التنبيه والتحذير والتوجيه والإيقاظ، الحل القومى الشامل بالنسبة إلىَّ يعنى أن تقف هذه الأمة وقفة رجل واحد مهما كانت التناقضات الاجتماعية فى وجه العدوان الهمجى على حضارتنا، ليس معنى ذلك أن نفتعل وحدة الصفوف، ولكنى أقول بالحد الأدنى من الاتفاق حول أهداف أخطر بكثير من المصالح الموقوتة لبعضنا، والزمن يجرى سواء شعرنا أو لم نشعر.. حتى أن طبيعة القضايا تتغير من وقت إلى آخر، المسألة المصرية فى وقت مضى كانت تعنى جلاء الاحتلال البريطانى، وكانت الأمور واضحة فالملك والإنجليز وأشباه الإقطاعيين فى جانب، والشعب فى الجانب الآخر، فى وقتنا لم تعد المسألة المصرية مجرد المناداة بتحرير سيناء، فتحرير الإنسان المصرى الراهن هو الطريق الطويل المرهق إلى تحرير سيناء، وليس العكس.. تحرير الإنسان المصرى من الخوف والوهم والفقر هو دعامتنا الأساسية لتحرير سيناء.. إن بيانًا عن أوضاع حياتنا الفكرية لا يكفى، ليكن بيانا للمسؤولين، عن الوضع السياسى والاجتماعى بأكمله من خلال أحداث الطلبة الأخيرة». وصدر البيان الذى ارتبط باسم الحكيم



الاكثر مشاهده

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

رابطة العالم الإسلامي تُدشِّن برنامج مكافحة العمى في باكستان

;