رغم الكوارث الكثيرة التى تسبب فيها وباء كورونا ما بين موت مئات الآلاف وخسائر اقتصادية هائلة للأفراد وللدول، فإن أزمة ناشئة تختمر بسبب حالة الخوف والهلع من الفيروس، لاسيما فى الولايات المتحدة، أكثر دول العالم تضررا منه، تتعلق بالصحة النفسية للمواطنين.
وفى تقرير لها، قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن تفشى وباء كورونا فى الولايات المتحدة، قد دفعها إلى أزمة صحية أخرى تتعلق بالصحة النفسية، فى ظل الجرعات اليومية من الوفيات والعزل والخوف الذى أدى إلى صدمات نفسية واسعة.
وأوضحت الصحيفة أن الوكالات الفيدرالية والخبراء حذروا من أن موجة تاريخية من مشكلات الصحة النفسية تقترب وتشمل اكتئابا وتعاطى للمخدرات واضطراب ما بعد الصدمة والانتحار. ومثلما فاجأ التفشى الأول لوباء كوروا المستشفيات دون أن تكون مستعدة، فإن نظام الصحة النفسية، الذى كان يعانى من غياب هائل للتمويل والانقسام وصعوبة الدخول إليه قبل الوباء، هو أقل استعدادا للتعامل مع الزيادة القادمة.
ونقلت واشنطن بوست عن سوزان بورجا، التى تقود برنامج أبحاث ضغط الصدمات فى المعهد الوطنى الأمريكى للصحة النفسية، إن هذا الأمر يؤرقها ليلا، فهى تشعر بالقلق إزاء الناس الذين لن يمتصهم النظام أو لن يصل إليهم، وقلقة بشأن المعاناة التى لن يتم معالجتها على نطاق واسع.
وتشير واشنطن بوست إلى أن حوالى نصف الأمريكيين يبلغون بأن أزمة كورونا تضر بصحتهم النفسية وفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة عائلة كازير. كما أن خط ساخن للطوارئ الفيدرالية عن الضغوط العاطفية سجل زيادة أكثر من 1000% فى إبريل مقارنة بنفس الفترة فى العام الماضى. وقام نحو 20 ألف شخص بإرسال رسائل نصية على الخط الساخن الذى تديره هيئة تعاطى المخدرات وخدمات الصحة النفسية.
وسجلت أيضا شركة العلاج الإلكترونى TalkSpaceزيادة 65% فى العملاء منذ منتصف فبراير. وأظهرت الرسائل النصية جلسات العلاج المحولة التى يتم جمعها دون الكشف عن هويات من قبل الشركة أن القلق المرتبط بكورونا قد هيمن على مخاوف المرضى.
ويقول أورين فرانك الرئيس التنفيذى لـ Talkspace، إن الناس تشعر بخوف حقيقى، وأضاف أن زيادة الطلب على الخدمات يتبع تقريبا المسيرة الجغرافية للفيروس فى أنحاء الولايات المتحدة. ويؤكد أن الأمر الصادم له هو عدم حديث القادة عن الأمر بما يكفى. فلا يوجد إحاطات بالبيت الأبيض عن هذا، ولا يوجد خطة. ويشير إلى أن انتحار اثنين من العاملين فى الرعاية الصحية في نيويورك يسلط الضوء على المخاطر، لاسيما لهؤلاء الذين يكافحون الوباء.
وقد أنشأ الباحثون نماذج تستند إلى بيانات تم جمعها بعد الكوارث الطبيعية والهجمات الإرهابية والتراجع الاقتصادى، والتى أظهرت على الأرجح زيادة فى حالات الانتحار ووفيات الجرعات الزائدة من المخدرات واضطرابات استخدام المواد المخدرة.
لكن من بين تريليونات خصصها الكونجرس فى تمويل طوارئ لمواجهة تداعيات كورونا، تم تخصيص حصة قليلة للغاية للصحة النفسية. وفى نفس الوقت يعانى المعالجون لتقديم أساليب العلاج على الإنترنت والوصول إلى الجماعات المعرضة للخطر بسبب القيود المفروضة على الترخيص والسداد. فى حين أن مراكو الصحة السلوكية المجتمعية التى تعالج من هم فى خطر، تعانى لتظل قادرة على الحصول على التمويل، وبدأ بعضها يغلق برامجه.
وكان علماء النفس قد حذروا الشهر الماضى من أن وباء كورونا يمكن أن يكون له تأثير عميق على الصحة النفسية للناس الآن وفى المستقبل، وطالبوا بإجراء أبحاث عاجلة فى هذا الشأن.
وقال العلماء فى مقالة بدورية Lancet Psychiarty الشهر الماضى، إنه يجب استخدام الهواتف الذكية لمراقبة الصحة العقلية، مع ضرورة تقديم الدعم لفئات معينة مثل الأطفال والعاملين فى الرعاية الصحية.
وكانت دراسات واستطلاعات للرأى قد أشارت إلى أن القلق والعزل يؤثر على الرأى العام، بحسب بى بى سى، ووجد جمعية خيرية فى بريطانيا تعمل فى مجال الصحة العقلية أن الناس بدأت تعانى بالفعل للحصول على الدعم الذى يحتاجونه.
