سعيد الشحات يكتب: «ذكريات صحفية» سألنى الدكتور عزيز صدقى «أبو الصناعة المصرية» وأصغر وزير اختاره عبد الناصر: «أنت عاوز تعمل حوار معايا ليه؟ وطوال ساعتين كشف لى أسرار قصة الألف مصنع فى الخمسينيات والست

رد «عم مصطفى» مدير مكتب الدكتور عزيز صدقى، رئيس الوزراء خلال حرب أكتوبر 1973، وأول وزير صناعة فى تاريخ مصر، وأصغر وزير اختاره عبد الناصر عام 1956.. أبلغت «عم مصطفى» تليفونيا بأننى أريد التحدث مع الدكتور عزيز لإجراء حوار صحفى لجريدة «العربى» لسان حال الحزب الناصرى، وتركت تليفونى، وبعد دقائق طلبنى «عم مصطفى» وزودنى برقم خاص للدكتور عزيز، وطلبته. كنا فى شهر مايو عام 2005، وكانت الحركات الاحتجاجية ضد حكم مبارك على أشدها وأبرزها «حركة كفاية» و«الجبهة الوطنية للتغيير» وكان عزيز صدقى قائدها، ولم يكن هذا سبب رغبتى فى إجراء الحوار معه.. كنت أريد شهادة تاريخية منه عن دوره فى قصة التصنيع فى مصر، وكيف قادها بعد أن كلفه بها عبد الناصر. تحدثنا تليفونيا بمزيج من الطرافة والجدية، قلت له: «سيادة الوزير....»..قاطعنى: «آخر منصب كان رئيس وزراء».. تخوفت من أن تكون مقاطعته اختبارا لى، فقلت له: «آسف.. طبعا كنت رئيس وزراء منذ 1972 حتى 1974، وأعددت الجبهة الداخلية أثناء حرب أكتوبر 1973، وأنت «أبو الصناعة المصرية».. واختارك عبد الناصر وزيرا وعمرك 36 سنة فقط». انبسطت أساريره.. سألنى: «أنت عندك كم سنة ؟.. أجبته.. ثم سأل: «أنت عاوز تعمل الحوار ليه؟».. أجبته، فاجأنى: «هو ليه ضياء الدين داود «رئيس الحزب الناصرى» ما يتصلش بى».. قلت: «سأخبره، لكن هو لا يتدخل فى العمل الصحفى بالجريدة».. فرد: «أريد فاكسا من الجريدة بأنك عاوز تعمل حوار».. أخبرت رئيس التحرير الصديق الأستاذ عبد الله السناوى بما جرى، وأخبر هو الأستاذ ضياء، ثم أرسل الفاكس المطلوب، وعاودت الاتصال به، فأعطانى موعدا فى مكتبه بشارع 26 يوليو بالزمالك». استقبلنى فى مكتبه بترحاب وبشاشة وابتسام دائم.. مررنا سريعا على القضايا السياسية المطروحة، ثم سألنى عما أريد البدء به فقلت: من الماضى، منذ بدء عملك بجوار عبد الناصر».. وبدأنا حوارا استمر ساعتين.. كان يجلجل بصوته ويستعيد ذكرياته الكثيرة.. ناولنى ورقة أخرجها من دوسيه أمامه.. كانت خطابا من الجامعة الأمريكية بالتعاون مع أربع جامعات أمريكية، يطلب الإدلاء بشهادته حول التجربة المصرية فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى.. قرأ بالإنجليزية مقطعا من الخطاب: «نعترف أن فهمنا غير كاف للدور الرائد للتجربة المصرية فى الخمسينيات والستينيات.. بالنسبة للتصنيع المصرى كان من المستحيل أن نلحظ الدور الذى ليس له مثيل الذى قمت به». علق: «هذا خطاب من جهات بتهاجم عبد الناصر أصلا.. وأقول للفلاسفة الذين لاهم ولا وظيفة لهم إلا الهجوم عليه: أعداء عبدالناصر يشهدون له الآن، يعترفون بأن تجربة التنمية فى الخمسينيات والستينيات كانت رائدة».. أعاد الخطاب إلى الدوسيه، وقال: «شوف يا ابنى أنا لما سألت عن عمرك، كنت عاوز أعرف أنت شفت، ولا سمعت، ولا قرأت..عموما أنا حصلت على الدكتوراه من أمريكا عن حتمية التصنيع فى مصر، فإمكانية التوسع الزراعى مربوطة بأشياء مش فى إيدينا، فعند حد معين يتوقف التوسع فى الزراعة، والصناعة تصبح فرضا حتميا..أنا تساءلت فى رسالتى: هل يمكن أن ينجح التصنيع لدينا؟.. هل لدينا إمكانياته؟ وأجبت: نعم نستطيع.. ولما قامت ثورة يوليو 1952 عملت المجلس القومى للإنتاج، ثم مجلس للخدمات، وانضممت إليه عضوا متفرغا، وكانت ميزانيته 14 مليون جنيه، ولأنى أحمل دكتوراه تخطيط، أعددت دراسات حول تقديم الخدمة الصحية، والتعليمية، وفكرنا فى شىء اسمه «الوحدة المجمعة».. يعنى الفلاح يحتاج إلى خدمات صحية، وبيطرية، وتعليمية.. ففكرنا فى أنه بدلا من أن تكون المسافة بعيدة بين كل خدمة والتانية فى القرية، ممكن جمعها فى مجمع واحد، وعملنا أنا وزملائى أكثر من تصميم هندسى. كان عبد اللطيف البغدادى رئيس مجلس الخدمات، وزارنا عبدالناصر، كنا فى عام 1954.. جهزت الدراسات اللازمة لعرضها أثناء الزيارة، وشرحت أمامه وأنا غير منتبه له.. لكن تركيزه هو كان معايا.. ولما خلصنا عدنا لاجتماع لمجلس الإدارة.. قال: أنا سعيد جدا.. لأن خطوتكم الأولى تسير فى الاتجاه الصحيح. فى اليوم الثانى كلمنى محمد حسنين هيكل، قال: الرئيس كان عندكم إمبارح، وهو مبسوط وقال لى، فيه واحد اسمه عزيز صدقى، عاوزك تروح له يشرح لك الحاجات اللى تكلم عنها أمامى.. تقدر تقول إنه اكتشفنى فى اليوم ده، وبعده قرر تعيينى عضوا فى مجلس إدارة شركة مصر للتأمين، وشركة كفر الدوار، ورشحنى لرئاسة مركز التدريب المهنى والكفاية الإنتاجية التابع لهيئة العمل الدولية.. كان بيجربنى وبيسوينى، هو لا كان قريبى، ولا نسيبى ولا صديقى، ولافيه سابق معرفة.. لكن عينيه كانت على الكفاءة. علق: «كل دى كانت مقدمات لاختيارى وزيرا للصناعة».. ضحك: «طبعا عاوز تعرف الحكاية حصلت إزاى؟ أجاب: أحكى لك.. عبد الناصر طلب رسالة الدكتوراه بتاعتى وقرأها، وفى أول يوليو 1956 تشكلت الوزارة برئاسته، وفيها عدد من مجلس قيادة الثورة بعد إلغائه وصار عبد الناصر رئيسا، ومن خارج المجلس ثلاثة، أنا، والدكتور مصطفى خليل، وسيد مرعى. لما طلبنى ذهبت إليه فى منزله بمنشية البكرى.. كان موجودا فى حجرة صغيرة، يجلس على كنبة ومعه أنور السادات.. وبعد الترحيب وكلمات الود قال لى: حاولنا نعمل مجلس إنتاج وغيره.. وكلها محاولات غير كافية.. عاوزين صناعة حقيقية، عاوزين نتنقل ونعمل حاجة للبلد..عاوزك تمسك الصناعة، فكر وبعدين نتناقش.. كل أما أفتكر اللحظة دي، أقول إنه هو صاحب الفضل فى نهضة الصناعة مش أنا. يضيف: «بدأنا من غرفة بوزارة التجارة، ولا كان فيه مكان لمدير مكتبى ولا لغيره، ورغم كده بدأنا.. أعددنا برنامج التصنيع عام 1957.. كان برنامج طموح قدمته إليه، تناقشنا، قال لى: يا عزيز لونفذنا منه 40% فقط سيكون إنجازا عظيما.. وطلب منى عرضه أمام مجلس الوزراء كما عرضته أمامه، ووافق المجلس وخصص 12 مليون جنيه كأول ميزانية للتصنيع.. وبدأت المسيرة». استدعى عزيز صدقى كثيرا من الذكريات حول تشييد المصانع فى كل المجالات، وطرحت عليه ما قيل من هجوم عليها، فرد بقذائف: «هؤلاء لا يعرفون الفرق بين المشرط والمخرطة».. و«سماسرة ربحوا ملايين من الخصخصة».. ثم أضاف: «ياخسارة.. عبد الناصر مات بدرى، ده فلتة من فلتات الزمن، لو امتد به العمر وقاد حرب أكتوبر أعتقد إن مصر كانت تغيرت كثيرا، أنا عاصرت الملكية «مواليد 1920»، وعبد الناصر والسادات ومبارك، وبكل ثقة أقول: عبدالناصر أعظم من حكم مصر». شرح أهداف برنامج التصنيع وما تحقق منه.. قال: أى برنامج تصنيع يبدأ من سؤال: ما دور التصنيع فى بناء المجتمع ؟.. الإجابة، تبدأ من معرفة احتياجاتنا الأساسية، يا نستوردها، ياننتجها.. تعدادنا وقت ممسكت الصناعة كان 19 مليونا، وكنا نزيد سنويا حوالى مليون و300 ألف نسمة، وكان المطلوب توفير احتياجات لهؤلاء، ونمشى مع النمو السكانى بتصنيع كل السلع المطلوبة والأساسية، ونقوم بتشغيل الناس، نتيح فرص العمل لأكبر عدد ممكن وده كان هدفا أساسيا عند عبد الناصر.. كل ما أفتح مصنع يسألنى: كم عامل اشتغل؟.. أما الهدف الثانى فهو مساهمة الصناعة فى رفع مستوى الدخل العام.. وطبعا الهدف الكبير اللى هو الاستقلال الاقتصادى، فالاعتماد على الاستيراد معناه أن قرارنا لن يكون حرا، وعشان تكون حر لازم تنتج، لازم تصنع. «سأعطيك مثل على أهمية إن احنا صنعنا».. هكذا نبهنى، وأضاف: قبل حرب أكتوبر 1973 طلبنى الرئيس السادات لتجهيز الدولة للحرب.. كنا محاصرين اقتصاديا، وبداية الحرب تعنى أعمل حساباتى على أننى لن أستورد شيئا، شهر، اثنين، ثلاثة، وبالدراسة توصلنا إلى أننا ننتج ما يجعلنا نعتمد على أنفسنا 4 أشهر دون استيراد حتى ولو شمعة، ووضعت خطتى، ومرت الحرب دون أن يشعر الشعب بأى شىء.. لم تكن هناك أزمات تموين، ولا طوابير، والفضل لمصانع القطاع العام اللى خربوها بعد كده، واتهموها بالباطل، وباعوها.. كل مصنع بنيناه بعرقنا ببكى عليه لما بيبعوه، لأنه ابن من أبنائى. قلت له: فيه ناس اتهمتك «بالفشر» لما بتتكلم عن إنشاء ألف مصنع فى الخمسينيات والستينات.. سألنى: مين اللى قال الكلام الفارغ ده؟..قلت: «أنيس منصور».. رد ساخرا: «مين أنيس ده، ده واحد بيتنفس كدب، ده من اللى ميعرفوش الفرق بين المشرط والمخرطة، وبيعملوا نفسهم فلاسفة..على فكرة العدد أكبر، لكن لرقم الألف مصنع قصة.. كان فيه مؤتمر فى ميدان عابدين.. لا أذكر مناسبته، وفى خطاب عبدالناصر قال: عزيز صدقى بيقول إنه اتبنى ألف مصنع، وأطلب منه ينشر بيانا بالمصانع اللى اتعملت.. وبالفعل نفذنا ما قاله ونشرنا بيانا باسم كل مصنع وتاريخه ومكانه وتكاليفه، وأهدافه، واتضح أنهم أكثر من ألف».






الاكثر مشاهده

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

;