صراعات السياسة والزعامة والبزنس تطغى على محنة كورونا.. 5 أشهر تكشف هشاشة النظام العالمى وانتهازية كبار اللاعبين.. واشنطن تستكمل حربها التجارية والصين تسعى لتعزيز المكاسب.. وأوروبا تتسابق لاحتكار اللقا

- 5 ملايين مصاب و325 ألف وفاة وما تزال الخلافات السياسية والأطماع الشخصية أعلى صوتا من الوباء وأنين المنكوبين - شركات الأدوية تخوض حرب تصريحات دعائية وتُجند خبراء وأطباء لترجيح كفتها فى سباق البحث عن مغانم "كوفيد 19" - منظمة الصحة العالمية تتخبط فى المواقف والتصريحات طوال 5 أشهر وتقف عاجزة عن ترشيد الصراعات والحروب الدعائية - ترامب يتهم "الصحة العالمية" ومسؤوليها بالتواطؤ ويهدد بتقليص ميزانيتها 91% بفاقد يتجاوز 400 مليون دولار تحذير جديد حملته عواصف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لمنظمة الصحة العالمية، مصحوبًا تلك المرة بإمهالها شهرًا لإجراء ما أسماه "إصلاحات جوهرية" فى هيكلها وآليات عملها. تضمَّن التهديد تخفيض إسهام الولايات المتحدة فى ميزانية المنظمة بأكثر من 91%، ليتراجع من 450 مليون دولار إلى 40 مليونًا فقط، مُقاربًا حصة الصين البالغة 38 مليونًا. ويأتى ذلك بعد سلسلة اتهامات سابقة بالتواطؤ مع بكين، وتجاهل تقارير بشأن انتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" فى مدينة ووهان، والفشل فى دعوة الصين لتحقيق علنى مُستقل فى الأزمة، بينما تنفى الأخيرة من جانبها تلك الإشارات، ويتشدَّد مسؤولوها فى أن واشنطن تُوظِّف الوباء سياسيًّا فى إطار صراعهما التجارى المُحتدم منذ نحو سنتين! بينما كان مُتوقّعًا، أو بالأحرى واجبًا، أن يفتح الوباء واسع الانتشار بابًا عالميًّا للتوافق السياسى والتضامن الإنسانى، سارت عديد الأطراف فى اتجاهات أقرب للتصعيد، أو التنافس على أرضية المصالح القُطرية المُباشرة؛ لتبدو الصورة الآن وكأن الفيروس المُستجد أداة جديدة لتصفية مُشاحنات قديمة، أو إعادة هيكلة مُعادلات المصالح على أرضية غير تقليدية، تُوظَّف فيها مؤسّسات وأذرع سياسية وتنفيذية وشركات ومختبرات، وحتى أطباء وعُلماء، لترجيح كفَّة طرف على آخر، واستغلال حالة الهلع العالمية لتعزيز التحالفات القائمة أو تفكيكها، وتغذية مُعادلات القوة والسبق، وصولاً إلى تحقيق أكبر قدر من المُكتسبات المُتوقَّعة مع انحسار الأزمة! حالة الدفع السياسى للأزمة أنشأت نوعًا جديدًا من الصراع، يستعير الخطابات الإنسانية ورسائل العلم والطب، ويتخفَّى وراء مُؤسَّسات أُمميّة ومُختبرات وشركات أدوية، ويُوظِّف خبراء وباحثين وإعلاميين ومسؤولين وطنيين ودوليين، لإنتاج دراما مشحونة تُشبه معارك تكسير العظام. هكذا استكمل "ترامب" حربه التجارية مع الصين، ونظَّم حملات اتّهام مُوسَّعة لغريمته بالتستُّر على الوباء وتوريط العالم، وهدَّد باتخاذ إجراءات أو إقرار عقوبات، وردّت الصين نافية تلميحات واشنطن والبيت الأبيض وصحافته بتسرُّب الفيروس من مُختبراتها، ورافضةً الاستهداف السياسى، ومُدينةً مواقف الإدارة الأمريكية غير المُتناسبة مع السياق الراهن. وبالمثل، تضاربت مواقف الصحة العالمية مع مُنظمات أوروبية وإقليمية، ومنظومات صحية وطنية، ونشطت شركات أدوية عالمية فى ترويج عقاقير قديمة، جنّدت أطباء وباحثين للحديث عن فاعليتها العالية فى مقاومة الفيروس، وتصاعد سباق بارد ومتنامى الخشونة من التصريحات والتقارير غير المُدقَّقة عن إنتاج أدوية ولقاحات، وبات المشهد العام صراعًا مفتوحًا تقوده السياسة، وتطلُّعات الحكومات والشركات لزعامة المشهد، وأطماع "البزنس" والأرباح المستقبلية، إلى الحدّ الذى تطغى أصواته على الوباء نفسه، وعلى أنين المرضى والخائفين! معادلة الصراع حول الوباء المعادلة غير مُتزنة، وما تنطوى عليه من ضغوط أكبر من قدرات أغلب الدول على المناورة واختلاق حالة من الاتزان، حتى لو كان هشًّا. فالأزمة الآن أن الخسارة تبدو مسارًا إجباريًّا لا بديل عنه. فرغم استمرار تنامى أعداد المصابين والوفيات، فإن الاقتصاد لم يعد يحتمل حصارًا أكبر، وبسبب تلك المصاعب بدأت أغلب الدول تخطيط وتنفيذ سيناريوهات لإعادة فتح الأسواق مرة أخرى! استهلكت الأسواق مخزونها وقدرات المناورة، وتكبّدت على مدى خمسة أشهر خسائر فادحة فى الإنتاج والتجارة وسلاسل التوريد والعوائد والوظائف والنمو. مقابل ذلك نجحت فى حصار موجة انتشار "كوفيد 19" بصورة نسبية، لكن لم يعد بمقدورها أن تحتمل المزيد. لذا ستلجأ الدول تباعا لفتح الأسواق واستعادة الحياة الطبيعية، مع قدر من المُغامرة بدخول دوامة جديدة، أو خوض مُخاطرة غير مأمونة مع أية عواصف مستقبلية مُحتملة. تلك الرؤية لم تغب عن المشهد. إذ تواترت تقارير عديدة بشأن مخاطر الفيروس الممتدة، وكون حالة الانتشار الحالية ليست نهاية المطاف، وربما تتبعها موجات أخرى. وبحسب مسؤول بالصحة العالمية، فإن عددا من الدول العائدة لفتح أسواقها مُجدّدًا، تواجه مخاطر مُتصاعدة بشأن موجة ثانية بدءا من أواخر الخريف أو بداية الشتاء. وأوردت صحيفة "تليجراف" البريطانية عن هانز كلوج، أن "دول أوروبا التى بدأت تخفيف قيود الإغلاق عليها التأهب لموجة ثانية فتّاكة. فالآن وقت الاستعداد لا الاحتفال"، مُشدِّدًا على أن تراجع الحالات الجديدة فى البؤر السابقة، إيطاليا وبريطانيا وفرنسا، لا يُعنى مطلقًا انحسار الوباء، لا سيّما وقد نشط فى بؤرة جديدة بشرقى أوروبا، مع تزايد مرتفع الوتيرة للحالات فى روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وكازاخستان. وأشار إلى أن دولا عديدة كانت واعية للأمر، ضاربا المثال باليابان وسنغافورة اللتين استوعبتا المشهد مُبكّرًا، وكان واضحا أنهما لم تتعاملا مع حصار الفيروس بوصفه محطة نجاح، وإنما تحديًا جديدًا لاستمرار المقاومة، كما أكد أن الدول الاسكندنافية لا تستبعد أيضًا تلك الموجة، لذا فإنها تعمل وتُخطط لاحتواء المخاطر مُبكّرًا. فى مقابل المخاوف، عاد الطبيب الفرنسى ديديه راؤول، رئيس مصلحة الأمراض المعدية بمستشفى مرسيليا، وأبرز المتمسكين بعقار "كلوروكين" المملوك لشركة سانوفى رغم تسجيله آثارًا صحية سيئة وتشكيك دراسات عديدة فى فاعليته، إلى واجهة مشهد الارتباك المحيط بأجواء الفيروس وتناوله إعلاميا وطبيًّا، بعدما ردّ على تحذيرات المنظمة مُستبعدًا تفشّى الوباء مُجدّدًا. وقال فى فيديو عبر حسابه على "تويتر" إن "كوفيد 19" يتراجع بوتيرة واضحة، ومن المتوقَّع ألا يشهد العالم تصاعدًا للمنحنى، مُشدّدًا على أن كل المعطيات العلمية تؤكد أنه فى سبيله للانتهاء، باستثناء حالات بسيطة قبل أن ينحسر تمامًا، إذ يرى أن ديناميكية الوباء ومُعدّلات سريانه باتت أقل ممّا كانت عليه. سباق اللقاحات وأطماع الشركات رغم جدية الأزمة، وما تفرضه من تحديات على المختبرات ومراكز البحث، إلا أن سباق العقاقير واللقاحات المُحتدم مؤخّرًا يُمثّل جانبًا من حالة الصراع، لا مع المرض وحده، وإنما على أرضية السياسة ومصالح الدول. الآن تعمل الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا، ودول أخرى، وكل منها تسعى لإحراز السبق، والتوصُّل إلى اللقاح مُبكّرًا، ليس لخدمة البشرية فقط، وإنما لتقوية مراكزها وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية أيضًا. يقول ريتشارد برنان، مدير الطوارئ الإقليمى بالصحة العالمية، إن الفترة الحالية تشهد تطوير واختبار لقاحات وعقاقير عديدة، وصلت لاختبار 4 أدوية فضلا عن تطوير 100 لقاح منها 8 فى مرحلة التجارب السريرية البشرية. مُشدّدًا على أن مهمة المنظمة، الحالية والمستقبلية، ضمان عدالة الوصول لتلك المستحضرات حال ثبوت فاعليتها، وبدء إنتاجها على نطاق تجارى واسع. خلاف ذلك. بدا منسوب الحيرة مُرتفعًا فى مواقف بعض الدول، فبينما يئن الاقتصاد جرّاء كُلفة الإغلاق وتقييد الأنشطة الإنتاجية وتداولات التجارة والخدمات، تتعاظم المخاوف الوبائية مع تصاعد التحذيرات من موجة ثانية، أو عودة بعض الدول لتسجيل إصابات أكبر. وبسبب ذلك تراجعت بعض الدول سريعًا عن قرارها بإعادة فتح الأسواق بحسب "سكاى نيوز"، وكانت أبرزها 5 دول اتّخذت إجراءات تنظيمية جديدة ضمن خطط مواجهة الفيروس، تقترب من مساحة الإغلاق أكثر من كونها خطوة باتجاه استعادة الحياة الطبيعية! الصين التى شهدت بداية انتشار الفيروس، تراجعت عن فتح البلاد عائدة لإجراءات سابقة كانت عطّلتها مع انحسار موجة الانتشار قبل أسابيع. وتشمل فحص نحو 11 مليونا فى ووهان وغيرها، وتوقعت تقارير أن يمتد الأمر لإعلان حزمة إجراءات احترازية فيما يخص قيود الحركة ومعايير السلامة والتباعد. وبالمثل فإن ألمانيا كانت قد قطعت شوطًا على طريق تجاوز حالة الإغلاق، لكن أجواء الارتباك واهتزاز الأرقام وتنامى المخاطر دفعتها للإبقاء على تشديد الإجراءات، لا سيما فى المناطق التى شهدت قفزة فى الإصابات، كما أعادت مطلع مايو الجارى تفعيل حالة الطوارئ فى 3 مقاطعات، مع الحد من حرية الحركة، وفحص عمال المصانع إجباريًّا. كوريا الجنوبية اضطرّت للتراجع أيضًا بعدما تغيّر منحنى الإصابات اليومية، قافزًا من دون العشرة لأكثر من 30 أول مايو، وقتها بادرت حكومة "سيول" بتشديد الإجراءات، واستعادة حالة الإغلاق، وتوسيع مداها لتشمل الحانات والنوادى، كما أجّلت فتح الشركات والمدارس والجامعات. وكذلك فرضت إيران حظرًا مُشدّدًا على مقاطعة خوزستان الجنوبية الغربية. وعاد لبنان عن موقفه قبل أسابيع بتخفيف قيود الحظر، متفاعلاً مع تزايد الإصابات بتقييد حرية الحركة وإغلاق بعض الأماكن والمنشآت الخدمية والعامة. معارك السياسة باسم المحنة يصطبغ صراع الوباء بصبغة سياسية عالمية من جوانب عدّة. إذ ما يزال التلاسن وتبادل الاتهامات بين الولايات المتحدة والصين قائمًا، فضلا عن ضغوط أخرى على "الصحة العالمية"، واتهامها بالتواطؤ مع بكين وتضليل العالم بتقارير مغلوطة، لا سيّما أنها حتى يناير كانت تؤكد أن الفيروس لا ينتقل بين البشر. لكن إلى جانب هذا الوجه المُعلن، فإن المعامل والمختبرات تُسحَب اضطرارًا لأجواء الصراع السياسى، بل إنها قد تُشارك فيه بوعى وقبول. والنقطة الأخيرة تؤكدها حروب التصريحات بشأن الأدوية واللقاحات. جامعة أكسفورد البريطانية مثالا، قالت فى وقت سابق إنها اقتربت من إنجاز أول لقاح فعال ضد "كوفيد 19"، بعدما جربته على 6 قرود وعزّز مناعتها بدون آثار جانبية، عبر تنشيط المناعة الذاتية لإنتاج أجسام مضادة للفيروس اخلال 4 أسابيع فقط. ونقلت "ديلى ميل" عن الفريق البحثى أن الاستجابة للقاح كانت إيجابية للغاية، وساعدت أجسام القرود على مواجهة الفيروس قبل الوصول لعُمق الرئة، وفى ضوء تلك النتائج التى وصفوها بالمشجعة بدأوا تجارب سريرية بشرية، مُرجحين التوصل لنتائج حاسمة بحلول الخريف، تمهيدا لبدء الإنتاج وتوفير ملايين الجرعات. فى المقابل، بدأت مختبرات عدّة بالولايات المتحدة والصين وفرنسا وألمانيا تجارب مخبرية وسريرية. ويتأهب فريق من "إمبريال كوليدج" الإنجليزية لاختبار لقاح خلال يونيو، يستخدمون فيه تقنية الوخزات عبر دفع قطرات من المواد الوراثية للفيروس إلى مجرى الدم، بما يُعيد إنشاء أجزاء مُعيّنة غير ضارة من تركيب "كوفيد 19" داخل الجسم، ويُجبر المناعة على التعاطى معه والانخراط فى محاربته وتكوين أجسام مضادة له. وبينما يتحدث أطراف تلك التجارب عن إحراز تقدّم سريع الوتيرة، والاقتراب من إنتاج مواد فعالة قبل الربع الأخير من العام، يُرجِّح خبراء ومُختصّون بالفيروسات والبيولوجيا والصيدلة، فضلاً عن مسؤولين بالصحة العالمية، ألا يكون ميسورًا التوصُّل لمستحضر علاجى أو وقائى قبل سنة من الآن، ما يُثير شكوكًا بشأن التصريحات الاستهلاكية من فرق تلك التجارب، وهل يتّصل الأمر بالصراع السياسى أم أنه صراع اقتصاد تقوده شركات الأدوية، حتى لو تسبب الأمر فى تغذية آمال كاذبة، أو إعطاء العالم شعورًا زائفًا بالثقة والأمان؟! صحيح أن كثيرًا من تصريحات التفاؤل أوروبية المنشأ، لكن الوكالة الصحية التابعة للاتحاد كان لها رأى آخر، إذ أكدت أن أفضل السيناريوهات وأكثرها تفاؤلاً لا تتوقّع توافر لقاح فعال ضد الفيروس قبل سنة، وشكّك رئيس إدارة اللقاحات بالوكالة، ماركو كافاليرى، فى الأحاديث المتفائلة التى وصفها بـ"المزاعم" بشأن جاهزية لقاح بحلول سبتمبر، مضيفًا: "تطوير اللقاحات يبدأ من الصفر، ومن وجهة نظر متفائلة يمكن أن نتوقّع عامًا من الآن... تفكيرنا الحالى أن كل اللقاحات قيد التطوير يجب أن تخضع لتجارب كبيرة من المرحلة الثالثة، لتحديد مستوى الحماية، وربما تتطوَّر الأمور مستقبلا مع تطوُّر الوباء، لذا سنرى ما إذا كنا بحاجة لفعل شىء آخر". فى المسار ذاته، قالت "الصحة العالمية" إن الحديث عن انحسار "كوفيد 19" واختفائه تمامًا قد لا يكون دقيقًا، مُرجِّحة أن يتوطَّن الفيروس ويظلّ أمرًا واقعًا مُلازمًا للبشر سنوات طويلة، على غرار أربعة فيروسات سابقة من عائلة كورونا، واعتبرت المنظمة أن النسخة الجديدة قد تتّخذ طابعًا شبيها بفيروس نقص المناعة المكتسبة "HIV" المُسبِّب لمرض الإيدز. وأكد مايك ريان، المدير التنفيذى لبرنامج الطوارئ، أنه "قد يُصبح مجرّد فيروس متوطّن آخر، وقد لا يختفى أبدًا. أرى من الضرورى أن نكون واقعيّين، ولا أتصوّر أن بوسع أى شخص التنبؤ بموعد اختفائه، ولا وعود فى هذا الشأن ولا تواريخ مُحدَّدة. المرض قد يستقرّ ليصبح مشكلة طويلة الأمد، وقد لا يكون". وبالمثل شدَّدت ماريا فان كيرخوف، المتخصصة فى الأوبئة بالمنظمة، إننا "نحتاج للاقتناع بأن الأمر سيستغرق وقتًا أطول للخروج من الوباء". وعزَّزت الموقف المُشكّك فى رسائل الشركات الدعائية، وحملة العلاقات العامة المساندة لها من إعلام وخبراء وأطباء، حديث مارجريت هاريس المتحدثة باسم الصحة العالمية، التى أشارت إلى أن المراحل المبكرة للعمل على بعض العقاقير حقَّقت آثارًا إيجابية على صعيد تقليص مخاطر الفيروس أو الحد من مداه الزمنى، لكنها شدَّدت فى الوقت نفسه على أنه حتى الآن "ليس لدينا شىء يمكنه القضاء عليه أو إيقافه"، وأننا بحاجة إلى مزيد من الدراسة والبيانات، لنتمكّن من بناء حالة ثقة ويقين فى فاعلية النماذج الدوائية المقترحة، وترجيح بعضها على بعض! حروب خارج القيم الإنسانية حتى الآن، يُعوّل العوام، وبعض المُتخصّصين، على تطلعات عاطفية بشأن تأثيرات المناخ، أو تآكل قدرات انتشار الفيروس، حتى لو من دون تفسيرات واضحة، إضافة للبحث عن تفسيرات علمية لتراجع الإصابات فى مناطق أو أجواء بعينها. يتحدّث فريق عن المناعة المتقاطعة بين "كوفيد 19" وأربعة أجيال من كورونا، وفى المقابل نفت ورقتان بحثيتان تلك الصلة بالنسبة لنوعين، ولم يسع أى من المتصارعين لاستكمال البحث، أو حسم التضاربات التى تبدأ من تركيب الفيروس وأنماط انتشاره وطرق العدوى وفاعلية المناعة، وتصل للعقاقير وبروتوكولات العلاج. بدأت "الصحة العالمية" الأمر بنفى انتشاره بين البشر، ثم تعديل رأيها، ثم تصنيفه وباء عالميًّا، ثم الحديث عن انتقاله بالهواء، ثم نفى ذلك، وبالمثل تردَّدت شائعات عديدة مُتضاربة من خلال حكومات وشركات ومُختبرات وأطبّاء. مدير الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم، امتدح تسارع العمل لإنتاج لقاح، لكنه قال إن نماذج التسويق السائدة لن تكون فعّالة فى توفير متطلبات العالم، لافتًا إلى أن 140 شخصية عالمية، بينهم الرئيس الجنوب أفريقى سيريل رامافوزا، وعمران خان رئيس وزراء باكستان، دعوا فى رسالة مفتوحة لتوفير اللقاح للجميع مجانًا، وذلك بعدما قال بول هادسن، مدير "سانوفى" الفرنسية، إنهم سيعملون على تأمين وصوله للولايات المتحدة أولاً. مضيفًا فى مقابلة مع بلومبرج: "لديها حق الحصول على الطلبيات المسبقة الكبرى، لأنها استثمرت فى الشركة وتحمّلت مخاطر اقتصادية". أثار الأمر استياء واسعًا داخل فرنسا وخارجها، فخرج الرئيس إيمانويل ماكرون غاضبًا من التصريحات، ومؤكّدًا أن "اللقاح المحتمل يجب أن يكون سلعة عامة خارج قانون السوق". وتواصل رئيس وزرائه إدوارد فيليب مع سيرج وينبرج رئيس الشركة، حاملاً رسالة حاسمة له بأن "الوصول العادل للقاح أمر غير قابل للتفاوض"، ما دفع إدارة الشركة للتراجع لاحقًا، والتعلُّل بأن التصريحات حُرّفت، وأنه لا أولوية لأية دولة! الولايات المتحدة بعدما عاشت موقفًا شبيها مارس الماضى، عقب مساومتها شركة "كيور فاك" الألمانية على الحقوق الحصرية للقاح قالت إنها تُطوّره، وهو الأمر الذى تداوله الإعلام ونفته الشركة، بدأت تتّهم الصين بمحاولة سرقة أبحاث عن لقاح جديد، وضغطت على أطراف أخرى من دول وشركات، بالتزامن مع تغيير مسارها من الاستحواذ على جهود الآخرين، إلى محاولة إنهاء الأزمة داخل حدودها ومساومة العالم بالحل. ومن هنا أطلقت مشروعًا باسم "عملية الالتفاف السريع"؛ للمُبادرة بإنتاج لقاح وتوظيفه فى حلّ الأزمة الأمريكية، وربما الضغط على الآخرين! مستقبل الصراع بعد الوباء فى غضون خمسة أشهر تجاوز العالم 5 ملايين إصابة وأكثر من 325 ألف وفاة فى 215 بلدًا ومنطقة، حتى ظهر الأربعاء، وإلى الآن ما يزال مشهد الهلع الرسمى والشعبى داخل كل دولة مُتقدّمًا بفارق كبير على مساحة التوافق بين مجموع الدول. شركات الدواء تتسابق على كعكة الطلب الضخم لدى سوق مُتعطّشة لحلول حاسمة، وأغلبها تؤكد أولوية دُولها الأم والحلفاء فى إنتاجها المستقبلى. "سانوفى" اختارت أوروبا وأمريكا، واشنطن تضع نفسها فوق الجميع، فوق الجميع، والصين رتّبت حلفاءها ذوى الأولوية، بينما تطالب الصحة العالمية ورؤساء ومسؤولون أُمميّون وشخصيات عامة بعدالة ضخ اللقاح المنتظر. وبين الرؤيتين تشتبك الإنسانية مع الرأسمالية ومنظومة السوق الحرّة، وتبدو معادلة المصالح أقوى وأكثر صلابة من مُعادلات الضمير والقيم. الصورة فى واقع الأمر ذاتية أكثر من كونها موضوعية. فالرئيس الأمريكى الذى ضغط على "كيور فاك" الألمانية قبل شهرين للحصول على منتجها حصريًّا، ما أطاح رئيسها التنفيذى دانيال مينيشيلا من منصبه، لا يبدو الآن مشغولاً باللقاح فقط، وإنما الأهم لديه أن يكون أمريكيًّا خالصًا، بتوقيع فايزر أو جلياد ساينس أو غيرهما من الشركات، وتراهن الصين على شركة ييلينج ومختبر سينوفاك بايوتك، وبريطانيا على "أسترا زنكا" وأكسفورد وإمبريال كوليدج، وفرنسا على سانوفى، ويتكرَّر الأمر بالصيغة نفسها فى أقاليم وأقطار أخرى. وتبدو المختبرات وفرقها البحثية مُنحازة وفق علاقات التمويل والشراكة مع المؤسَّسات والحكومات، والإعلام يفتح الملف بنكهة سياسية حسب رؤى الدول وقادتها، والحرب التجارية الأمريكية الصينية تتجدَّد كأنها سلسلة طفرات متتابعة للفيروس، ما يُلقى ظلالاً أكثر رمادية على الاقتصاد والأسواق وآفاق الإنتاج والتجارة فى المستقبل، وهى ضغوط من المُرجَّح أن تتصاعد كُلَّما طال أمد الأزمة، واكتشفت المجتمعات حجم المناوشات، وخريطة الأطماع والتحالفات، وكذب التصريحات الوردية عن التوصُّل إلى عقار أو لقاح وبدء إتاحته خلال أسابيع أو أشهر قليلة! تكبَّد الجميع خسائر قاسية منذ اندلاع المحنة الحارقة، لكن بدلاً عن التكاتف لوقف النزيف، والاصطفاف لتضميد الجراح والبحث عن مسار التعافى المتكافئ والعادل للجميع، يُصرّ بعض اللاعبين على إدارة الأزمة وفق مُعادلة صفرية، تستهدف تقليص الخسائر الشخصية أو تعويضها، مع تكبيد الآخرين أكبر فاتورة مُمكنة من الضغوط والمتاعب. واشنطن تسعى لعرقلة قفزات التنّين الصينى الصاعد للمنافسة على صدارة الاقتصاد العالمى فى غضون عقود، وبكين تحاول الهرب من مصيدة الاتهامات، والظهور فى صورة الناجى الوحيد تمهيدًا لجنى الثمار وسدّ ثغرات الأسواق وفواقد الإنتاج العالمية. الدول المُتصارعة تتطلَّع لتصدير أزماتها للخارج، والشركات تطمع فى احتكار المخرج الذهبى المُنتظر من الأزمة، وتحويلها إلى تدفقات نقدية وحصص سوقية وأسهم خضراء بأسواق المال، والمختبرات والباحثون يُراهنون على سخاء الداعمين، بعيدًا عن حجم استغلالهم سياسيًّا وتأثير هذا الاستغلال. الجميع فى حلبة مُصارعة مُغلقة على أوهام النجاة الفردية وإبقاء الخصوم فى الوحل، والمشهد يمضى وكأنه لا أفق للتوافق وتوحيد الجهود، ما يعنى أن صراعات السياسة والزعامة و"البزنس" ستظلّ أعلى ضجيجًا من ضربات الوباء، ومن نحيب المنكوبين، إلى أن تحتدم الأزمة وتُجبر الجميع على العودة لطاولة التوافق، أو تنتهى لصالح أحد المُتصارعين، أو من تلقاء نفسها، وتترك خلفها حطام المعارك ومُخلّفاتها التى قد تعيق السياسة والاقتصاد والتجارة والعلاقات الدولية لسنوات مُقبلة.



الاكثر مشاهده

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

رابطة العالم الإسلامي تُدشِّن برنامج مكافحة العمى في باكستان

;