محمد الدسوقى رشدى يكتب : تجديد الخطاب التطبيعى ..نحتاج الى تفهم مدى حاجة العقل العربى الملحة لوضع مفهوم التطبيع بمشتملاته..الأجيال الجديدة تفهم ماتطور فى علوم السياسة وما تغير فى العالم وعلم العلاقات

هدأت العاصفة بعد أن أصابت رياحها من يستحق، أربكته وكشفته وصدمته وخلعته من أرض كان يظن أنه يملكها ، ومن قلب كل العواصف والأزمات تخرج الدروس المستفادة، حالة الهدوء التي تتيح للتدبر والتفكير بعقلانية ووفقا للمعطيات الجديدة هي الفرصة التي يجب اغتنامها واستغلالها قبل أن تعود العاصفة برياحها مجددا فنجد أنفسنا أمامها بعواطفنا لا بعقولنا، ونحصد نفس النتائج التي ننتهي إليها كل مرة، لا نربح ولا نحل المشكلة ولا نغادر مربعات رد الفعل. يقول المثقف العربى الكبير جبران خليل جبران، أن العاصفة لا تكسر من الأغصان إلا يابسها، تبدو كلماته واضحة ومباشرة ولكن تبقى دلالتها أقوى وأعمق، اليابس من الفكر ستكسره العواصف، القضايا المتيبسة بلا نقاش ولا جدل ولا تجديد ولا حوار ستنكسر على أعتاب كل أزمة وكل مشكلة، وكل استدعاء لفكرة أو مفهوم قديم لم يلقى حظه من النقاش والإختلاف والتطور بما يتوافق مع طبيعة الزمن والأحداث هو إستدعاء مكسورة قوته مع أول مواجهة، خاصة مع تغير المعطيات وإختلاف الأجيال والثقافات. من هنا يمكن أن تفهم مدى حاجة العقل العربى الملحة إلى وضع مفهوم التطبيع بمشتملاته وأفكاره على مائدة النقاش والتشريح وفق المتغيرات المستجدة على الساحة السياسية والاقتصادية والمجتمعية والفكرية في العالم كله، طرح أصبح ضروريا مع تلاحق الأحداث وتطورها وفق ثوابت واضحة لا مجال للتلاعب فيها أو الدوران حولها تخص واقع لا يجوز تجميله بخصوص أن إسرائيل كيان مغتصب للأراضي الفلسطينية مؤسس على عنصرية دينية جلية مهما حاولت عمليات التجميل السياسية تحسين صورتها. تراجع المجتمعات المفاهيم الحاضرة في تاريخها والمؤسسة لمنهجها كل فترة ، لأن أي مفهوم حتى لو كان التطبيع ذاته هو مفهوم تم تأسيسه لتحقيق مصالح هذه المجتمعات وحمايتها من خطر ما ، هو مفهوم أسس على أن يكون سلاح هذا المجتمع، درع يحميه، وسيف يناور ويهاجم به وقت اللزوم ، وكل سلاح لا يتم تطويره وصيانته لا طائل من ورائه، من هنا وبعد التطورات المتلاحقة في مسألة القضية العربية الإسرائيلية وتغير استراتيجية وتصورات بعض الدول العربية في مفهوم العلاقة مع إسرائيل ، أصبحت النظرة إلى مفهوم التطبيع الذى رافقنا أكثر من نصف قرن ضرورة ملحة ، هل يحتاج إلى تطوير ، هل يحتاج إلى صيغة جديدة ، هل مازال فعالا بصيغته القديم في تحقيق ما خلق من أجله ؟!، أم أنه في حاجة إلى إعادة ضبط وفق معطيات وتطورات تضمن أن يحقق من خلاله الهدف المنشود وهو مصالح الدول العربية في إطار القضية العربية الإسرائيلية. الأجيال الجديدة في الوطن العربى وفقا لكافة الدراسات ووفقا لوقائع الأحداث لم تعد ترتدى نفس الثوب القديم المعزز بالعاطفة ، أصبحت أكثر ميلا للفهم والتفسير، للمشاركة والتقدم والتحدى لا الإنعزال والهروب من المواجهة ، لا ترتضى ذلك الخطاب المتكاسل الذى طرحته جماعات الإسلام السياسى للإتجار بقضية الصراع العربى الإسرائيلي وحولته إلى صراع دينى لا من أجل حل القضية ولكن من أجل تأصيل فكرة الإسلام السياسى وضمان استمرار وجوده تحت مظلة حماية فلسطين أو العداء التاريخى مع إسرائيل. الأجيال الجديدة تفهم ماتطور في علوم السياسة وما تغير في العالم وعلم العلاقات بين الدولة ، تفهم لغة المواجهة والربح ولا تهضم الخطاب التواكلى الخاص بحرب أخر الزمان وإنتظار الشجرة التي ستخبرهم خلفى يهودى فإقتلوه ، الأجيال الجديدة أعاد العلم ترتبيتها على أن البحث العلمى والتفكير النقدى هو أساس التقدم لا خطاب الكسل المعتمد على أن الإنتصار سيأتى حينما تمتلأ المساجد في صلاة الفجر كما تمتلأ في صلاة الجمعة ، وهو الخطاب الذى زرعه الإخوان في عقول الأجيال العربية القديمة من أجل تمرير تواجد الجماعة وإطالة عمر تواجدها في الدول العربية ، وهو خطاب لا يصلح مع أجيال تفهم أن المساجد لن تحارب عنهم ، بل يدركون جيدا أن عقدة النقص والإحساس بالدونية التي نشرها الخطاب اليسارى أو الإسلامي في السنوات الماضية لا يمكنها أن تضمن إنتصارا للشعوب العربية ، الإنتصار يأتي بالبحث العلمى والتقدم ، بالمواجهة في كافة المجالات ، في عدم الانسحاب من مراكز الأبحاث والمؤسسات العلمية الدولية خوفا من وصمة العمل مع إسرائيلى تصادف وجوده في قلب المعمل أو المؤسسة ، أو الانسحاب من قلب صفقة تجارية كبرى لأن المنافس إسرائيلى ونخشى المنافسة حتى لا نتسم بالتطبيع . الجيل العربى الجديد الذى تحمس وشجع وفرح لإنتصار محمد صلاح وفريقه السويسرى على فريق إسرائيل في قلب تل أبيب يفهم هذه اللغة ، لغة الندية والإنتصار لا الانسحاب والإنعزال ، هذا الجيل لن يجعل من لاعب رياضة بطلا إذا إنسحب أمام منافس إسرائيلى في مسابقة عالمية ، هذا الجيل يؤمن بأن حصولك على الكأس أو الميدالية والفوز في تلك المنافسة هو الإنتصار . هذا الجيل الذى يفرح الأن بأن أبناء جنسيته يتقدمون الصفوف في قلب السينما الأمريكية، لن يقبل بأن يخسر أحدهم بطولة فيلم عالمى لأن الصدفة وضعت أمامه ممثل إسرائيلى ، فقط سيقبل أن يتفوق إبن جنسيته بالأداء وبتقييمات النقاد. من أجل كل هذا وأكثر منه، يحتاج مصطلح التطبيع بمفاهيمه وتعريفاته القديمة زيارة سريعة قبل أن يصاب بالصدأ إن لم يكن قد حدث، قبل أن يتيبس وينكسر مع أول ريح مواجهة ، زيارة تطوره حتى يمارس المهمة التي خلق من أجلها في ذلك الصراع الدائم ، وفق محددات واضحة على رأسها أن الصراع قائما مع دولة حاربت العرب لعقود وتغتصب أرضا عربية ، دولة تمارس عنصرية وخروقات عسكرية في كثير من الأحيان ، حتى يعاد وضع الأمور في نصابها ونتخلص من أكبر عملية تدليس أضرت القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي حينما ألبس البعض هذا الصراع ثوب الدين. وعلى الناحية الأخرى يكون واضحا أن المفهوم الجديد لتطوير سلاح التطبيع ومنحه فاعلية أكبر هو تطوير قائم على التحدى والندية ، على أن تسعى الدول العربية نحو التقدم في كافة المجالات العسكرية والتكنولوجية والبحثية والفكرية والإقتصادية بشكل يجعلها قادرة على المنافسة والإنتصار لأن سنوات الانسحاب وإضاعة الفرص إستنادا لمفهوم قديم إبن زمنه وبيئته وظروفه ستحتاج منا جميعا جهودا جبارة ومضاعفة لمعادلة ميزان القوى في مختلف المجالات ثم الإنطلاق في رحاب البحث عن الإنتصار الكامل. هكذا هو الأمر ببساطة لا نريد خضوعا ولا أحضان ولا إنحناء ولا تخلى ، نريد فقط تطوير أسلحة المواجهة خاصة الفكرية منها، حتى لا نتركها للصدأ تحت وطأة العاطفة أو الخوف أو المزايدة ، وحينما يأتي وقت إستخدامها ترتد إلى صدورنا، نريد إعادة التفكير حتى نصل إلى الصواب أو كما يقول المثل الأوربى :"المطر القليل يمنع في الغالب العاصفة القوية"، وهكذا هو الأمر قليل من التفكير النقدى فيما هو قديم ربما يجنبنا شر الهزائم القوية



الاكثر مشاهده

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

;