الدنيا تعلمت الفن من المصريين.. أحدث دراسات مركز انفراد للثقافة والفنون والتنوير.. مؤرخ بريطانى: حضارة الفراعة إنسانية ولا يمكن تقلديها.. وسليم حسن: الإيمان باليوم الآخر سبب الإبداع والنقش حفظ الحضارة

"العالم مدين فى زخارفه للمصريين الذين أوجدوا أول مدنية على الأرض"، هذه الكلمة التى قالها عالم المصريات فلندرز بترى "1853 - 1942" كافية لنفهم مكانة الحضارة المصرية القديمة فى عالم الفن القديم الخالد إلى الآن، ولأننا لا نريد أن نقول كلاما والسلام، فإننا سنعرض من خلال الكتب ما ينير لنا مكانة مصر وتاريخها، فليست كل الكتب سواء، وليست كل الأفكار ملقاة على قارعة الطريق ينهبها الناس، بل هناك المضىء الذى ينير أرواحنا وينظم عقولنا، وهناك المظلم الذى يأخذنا لسراديب الخوف والجهل، ومن الكتب التى تحمل تنويرا للإنسانية كلها "موسوعة مصر القديمة" لعالم المصريات الشهير سليم حسن. سليم حسن: الفن خلد لنا تاريخ مصر القديم ونقل إلينا حضارتهم لو أردنا أن نتوقف مع الفن المصرى وقيمته، فإن عالم المصريات «سليم حسن» فى الجزء الثانى من موسوعته "مصر القديمة" يقول : "كان المصرى يعتقد أنه سيحيا حياة أخرى فى القبر مماثلة لحياته الدنيوية، أخذ ينقش على جدران مقبرته كل مناظر الحياة اليومية، وما كان ينعم به من بذخ وترف، ولما كانت الحجرة الواحدة لا تكفى لذلك أخذ يضيف إليها حجرات أخرى وممرات، حتى إن واحدا من علية القوم كانت مقبرته تحتوى على أكثر من ثلاثين حجرة، وخص كلًّا منها برسوم معينة، إذ كان يعتقد أنه بقوة السحر يمكن أن يتمتع بما تمثله هذه الرسوم، ويرجع الفضل فى معرفتنا حياة المصرى القديم الاجتماعية والدينية من كل الوجوه لهذه النقوش، فنشاهد على جدران هذه المقابر أنواع القرابين التى كانت تقدم للمتوفى، وما كان يلهو به من صيد البر، والبحر، ومعيشته المنزلية وحقوله وما فيها من زرع مختلف ألوانه، ونوعه وكذلك الرياضة البدنية، وغير ذلك". كذلك هناك كتاب مهم عنوانه "قصة الفن" لـ أرنست جومبرتش، النمساوى المولد والبريطانى الجنسية "1909 - 2001"، وللعلم الكتاب صدر فى سنة 1950، ويا للعجب لم يعرف طريقه للغة العربية إلا منذ سنوات قليلة، وبالتحديد فى عام 2012. لا يوجد شىء اسمه الفن يوجد شىء اسمه الفنانون يقول أرنست جومبرتش، فى مقدمة كتابه "قصة الفن"، والذى صدرت ترجمته عن هيئة البحرين للثقافة والآثار، والتى قام بها عارف حديفة، مراجعة زينات بيطار، لا يوجد فى الحقيقة شىء اسمه الفن، بل يوجد فنانون فحسب، وهؤلاء كانوا ذات يوم أناسا تناولوا ترابا ملونا وخططوا صور ثور على جدار كهف، واليوم يشترى بعضهم علبة ألوان، ويصممون ملصقات للإعلان، وقد فعلوا ويفعلون أشياء كثيرة، لا ضير فى تسمية هذه النشاطات كلها فنا طالما حفظنا فى أذهاننا. ويضيف "جومبرتش" أن مثل هذه الكلمات قد تعنى أشياء مختلفة فى أزمنة وأمكنة مختلفة، طالما أدركنا أن الفن بالمعنى المجرد غير موجود. ويتابع جومبرتش: "أن تعلم الفن لا ينقضى، فهناك أشياء جديدة دوما على المرء أن يكتشفها، وأعمال الفن العظيمة تبدو مختلفة فى كل مرة نقف أمامها، تبدو غير قابلة للنضوب، ولا يمكن التنبؤ بها شأن البشر فى الواقع، إنها عالم مثير للمشاعر له قوانينه الخاصة ومغامراته الخاصة، لا أحد ينبغى أن يظن أنه يعرف كل شىء عنه، إذ لا أحد يعرف، وربما لا شىء أكثر أهمية من التأكد أنه حتى نستمتع بهذه الأعمال يجب أن يكون لنا عقل جديد مستعد لالتقاط كل إشارة، وللاستجابة لكل توافق مستتر". وفى الكتاب يدعو "أرنست" إلى إثارة النقاش حول تاريخ العمارة والنحت والرسم، ويتوقف طويلا حيال ما سماه بخطر نصف المعرفة وخطر الادعاء «لأننا جميعا عرضة للاستسلام لمثل هذه الإغراءات، ويمكن لكتاب كهذا أن ينميها، فما أبتغيه هو أن أساعد على فتح العيون لا على إطلاق الألسنة، إن الحديث الحاذق عن الفن ليس بالأمر البالغ الصعوبة، لأن الكلمات التى يستخدمها النقاد استعملت فى سياقات شتى عديدة، إذ فقدت دقتها، وأما النظر إلى لوحة نظرة جديدة والمجازفة فى رحلة استكشاف فيها، فهما مهمة أصعب، بيد أنها مجزية أكثر بكثير أيضا، ولا أحد يعلم ما يمكن أن يرجع به المرء إلى البيت من هذه الرحلة". الكتاب يتناول تاريخ الفن فى سبعة وعشرين فصلا يتناول الكتاب قصة الفن فى مقدمة، وسبعة وعشرين فصلا، كل منها فترة زمنية محددة من تاريخ الفن فى إطار واحد أو عدة سياقات، وفصل ختامى يلخص أحدث التطورات فى الفنون البصرية. يبدأ فى الفصل الأول بفحص فن ما قبل التاريخ والثقافات المحلية، وتخصص الفصول الأربعة التالية للثقافات القديمة الكبرى، وخاصة مصر واليونان وروما ثم يسرد تاريخ الفن عند اليهود والبوذيين والمسيحيين من القرن الأول إلى القرن الرابع الميلادى، مستشهدا بمدينة بومبى الرومانية التى حوت شواهد على الفن الهيلينى، وينتقل فى الفصل السابع إلى الفن فى الشرق، مركزا على الإسلام والصين، وموضحا كيف برع الإسلام بالزخرفة على الجدران، وذلك من خلال القصور الإسلامية القديمة، وبداية من الفصل الثامن يبدأ "جومبرتش" بالتركيز على فن أوروبا الوسطى، حيث يعود إلى نظرة أكثر عالمية، وبداية الفصل الرابع والعشرين يتناول فن أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر فى إنجلترا وفرنسا وأمريكا، وما يميز الكتاب كمية الرسوم التوضيحية التى تحتوى عليها، مع تخصيص أكثر من 50 % من صفحات الكتاب للصور الملونة والرسومات والهندسة المعمارية والمنحوتات. الفن بدأ من مصر ثم انتشر إلى العالم يقول أرنست، فى الكتاب، يوجد شكل ما من الفن فى كل مكان فى العالم، غير أن قصة الفن بوصفها جهدا متصلا لا تبدأ فى كهوف جنوب فرنسا، أو بين هنود أمريكا الشمالية، فليس هناك تراث مباشر يربط هذه البدايات بأيامنا، لكن هناك تراثا مباشرا انتقل من المعلم إلى التلميذ، ومن التلميذ إلى المعجب أو الناسخ، وهذا التراث يربط الفن فى عصرنا، يربط أى منزل أو ملصق بالفن الذى نشأ فى وادى النيل منذ نحو خمسة آلاف عام خلت، ونحن سنرى أن معلمى الإغريق قد قصدوا مصر للتعلم، ونحن جميعا تلاميذ الإغريق، وعلى هذا فإن مصر بالغة الأهمية لنا، هكذا يرصد أرنست جومبرتش، الكاتب والمفكر والمؤرخ البريطانى، فى كتابه قصة الفن. والكتاب يدعو إلى إثارة النقاش حول تاريخ العمارة والنحت والرسم، وقد جاء الفصل الثانى تحت عنوان "فن للأبدية.. مصر وبلاد الرافدين وكريت"، وبالطبع سوف نتوقف عند الجانب المتعلق بمصر، حيث يذهب المؤلف إلى أن ما حدث فى مصر كانت فكرته الجمع بين الفن والرسالة، لأن الأهرامات والمقابر المصرية وما بها من فنون كان الغرض منه هو "الحياة الأخرى"، كما أنه يوضح جانبا مهما فى الحضارة المصرية، يمكن القول بأنه جانب إنسانى، حيث يقول "هذا الجمع بين التناسق الهندسى والملاحظة الدقيقة للطبيعة يتميز بهما الفن المصرى، والدراسة الأفضل له تكون فى دراسة المنحوتات النافرة والصور التى تزين جدران القبور، لكن المؤلف هنا يستدرك قائلا: والحق هو أن كلمة «تزين» لا تناسب فنا لم يعمل من أجل أن يراه أحد سوى روح الميت، فالواقع هو أن هذه الأعمال لم يقصد منها الاستمتاع، بل "ديمومة الحياة". الفن المصرى إنسانى بامتياز ويشرح أرنست جومبرتش، فكرة إنسانية الفن المصرى، فيقول إنه فى الماضى الغابر الكالح، جرت العادة أن يرافق الخدم والعبيد سيدهم القوى إلى قبره، وكان يضحى بهم لكى يصل إلى العالم الآخر مع حاشية مناسبة، وفيما بعد اعتبرت هذه الأعمال المروعة إما قاسية وإما مكلفة، فكان الفن هو المنقذ، حيث منح عظماء هذه المعمورة صورا وأبدالا عوضا عن الخدم. الحضارة المصرية القديمة تهتم بالاكتمال يقول الكتاب، إن الأعمال المصرية القديمة محيرة بعض الشىء، لأن الفنانين المصريين كانوا يصورون واقع الحياة تصويرا مختلفا جدا عن تصويرنا، إذ كانوا يهتمون أكثر ما يهتمون بالاكتمال وليس بالجمال، كانوا يرسمون من الذاكرة وفق قواعد صارمة تكفل لهم أن يبرز كل شىء داخل الصورة فى وضوح تام، كانت طريقتهم تشبه فى الحقيقة طريقة راسم الخرائط وليس طريقة الرسام. الفنان المصرى لا ينقل بل يعرف دلالة الأشياء ويرى أرنست جومبرتش، أن الفن المصرى لا يقوم، كما هو الحال دائما، على ما استطاع الفنان رؤيته فى لحظة معينة، بل على ما كان يعرف أنه يخص شخصا ما أو منظرا ما، ومن هذه الأشكال التى تعلمها وعرفها صنع تماثيله وتصاويره تماما مثلما صنع الفنان القبلى أعماله من الأشكال التى تمكن منها، والفنان لا يجسد فى الصورة معرفته للأشكال والهيئات فحسب، بل معرفته لدلالتها أيضا، نحن نصف أحيانا أحد الأشخاص بأنه رئيس كبير، والمصرى رسم السيد أكبر من الخدم، أو حتى أكبر من زوجته. يقول المؤلف: لا شىء فى هذه الصور يشى بأنها اعتباطية، لا شىء يبدو وكأنه بالإمكان أن يكون فى مكان آخر أيضا، فتناول قلم ومحاولة نسخ إحدى هذه الرسوم المصرية "البدائية" أمر جدير بالعناء، وتبدو محاولاتنا على الدوام «خرقاء» وملتوية وغير متوازنة، إن إحساس المصرى بالنظام فى كل تفصيل قوى جدا، بحيث يبدو أن أى تنويع بسيط يقلبه بالكلية. كيف غيّر إخناتون مقاييس الفن المصرى القديم؟ ويقول أرنست جومبرتش، لم يهز عرش الفن المصرى سوى رجل واحد من الأسرة الثامنة عشرة "الدولة الحديثة" هو إخناتون، الذى كان متمردا على التعاليم الدينية، لذلك تخلى عن عادات كثيرة مقدسة منذ أزمنة بعيدة، ورفض تكريم آلهة شعبه الكثيرة ذات الأشكال الغريبة، وذهب إلى أنه لا يوجد سوى إله واحد اسمه "آتون"، صورة على هيئة قرص شمس يرسل أشعته إلى الأسفل. ويضيف المؤلف: لا بد أن تكون الصور التى أمر إخناتون بأن تعمل قد صدمت جدتها المصريين فى عهده، فلا شىء من مهابة الفراعنة السابقين الصارمة كان موجودا فيها، لقد أمر بدلا من ذلك بأن يصور هو نفسه مع زوجته نفرتيتى، وهما يلاطفان أولادهما تحت الشمس المباركة، ويظهر فى بعض الأعمال رجل قبيح، ربما أراد أن يصور الفنانون هشاشته الإنسانية أو ربما كان مقتنعا بأهميته الفريدة كنبى، فأصر على شبه صادق له.
كلير لا لويت: فن المصريين القدماء يتنفس حيوية إلى الأبد ومن الكتب المهمة فى هذا الشأن كتاب للفرنسية "كلير لا لويت" بعنوان "الفن والحياة فى مصر القديمة"، وفيه تقول: إن الفن المصرى يتطابق بفكر رفيع المستوى، فهو بمثابة الوسيط إلى الخلود والأبدية، فالأشكال التى رسمها أو نحتها أو قام بتلوينها هى بمثابة صور، ولكنها لا تعبر أبدا عن أشكال عادية دارجة أو صور فردية، بل هى بالأحرى بمثابة حاويات أو أوعية على استعداد دائم أن تستقبل الحياة بداخلها، وأن تتنفس بالحيوية إلى الأبد. وفى النهاية يجب القول إن هذه الكتب وأهميتها ليست للمتخصصين فقط، بل لكل محبى الفنون، وكل محبى تاريخ أوطانهم، وللموقنين بحضارتهم وفضلها، لذا أتمنى أن ينوه بها فى مناهج التعليم فى مصر، فى المرحلة الثانوية مثلا.












الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;