كارثة مناخية تشهدها باكستان، هددت 33 مليون شخص نزحوا من منازلهم، وقتلت أكثر من 1325، وإصابة أكثر من 12000، وفقًا للمركز الوطنى لتنسيق الاستجابة للفيضانات فى باكستان وذلك مع انهيار ضفاف الأنهار والفيضانات المفاجئة واندفاع البحيرات الجليدية، جعل ما لا يقل عن ثلث البلاد تحت الماء.
علماء وباحثون أكدوا أن الكارثة بدأت بموجات حر هائلة، فى أبريل ومايو، وأذابت الحرارة الشديدة أيضًا الأنهار الجليدية فى المناطق الجبلية الشمالية، مما زاد من كمية المياه المتدفقة إلى الروافد التى تشق طريقها فى النهاية إلى نهر السند أكبر نهر فى باكستان، والذى يمتد على طول البلاد من الشمال إلى الجنوب، ويغذى البلدات والمدن ومساحات شاسعة من الأراضى الزراعية على طول الطريق.
ونتج عن ذلك كله هو أن باكستان تلقت ما يقرب من ثلاثة أضعاف متوسط هطول الأمطار السنوى لفترة الرياح الموسمية حتى الآن، واستقبلت مقاطعتا السند وبلوشستان الجنوبية أكثر من خمسة أضعاف هذا المعدل، وبمجرد وصولها إلى اليابسة دمرت أكثر من 1.2 مليون منزل و5000 كيلومتر من الطرق و240 جسرا، وفى نهر السند، تشكلت بحيرة مستطيلة، يبلغ عرضها عشرات الكيلومترات، وسيستمر تدفق المزيد من المياه فيها.
ويقول الباحثون والمسؤولون الحكوميون أيضًا أن عوامل أخرى ربما تكون قد أضافت إلى الدمار، بما فى ذلك نظام الإنذار المبكر غير الفعال للفيضانات، وسوء إدارة الكوارث، وعدم الاستقرار السياسى، والتنمية الحضرية غير المنظمة.، كما أن الافتقار إلى البنية التحتية للصرف والتخزين.
أصابع الاتهام الأكثر تشير إلى التفاوت الصارخ بين البلدان التى تعد أكبر مساهم فى تغير المناخ والبلدان التى تتحمل العبء الأكبر من تأثيره.
و ألقت وزير التغير المناخى الباكستانى باللوم على البلدان الغنية الملوثة للانهيار المناخى "البائس"، حيث قالت شيرى رحمان إن باكستان ساهمت بأقل من 1% من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى لكنها تعانى أكثر من غيرها من آثار ارتفاع درجة حرارة المناخ.
وقال رحمن لصحيفة الجارديان إن "على الدول الغنية أن تفعل المزيد"، بما فى ذلك دفع تعويضات للدول التى تواجه كوارث ناجمة عن تغير المناخ، ويجب الاستماع إلى المظالم التاريخية ويجب أن يكون هناك مستوى معين من المعادلة المناخية حتى لا يتم وضع العبء الأكبر من الاستهلاك غير المسؤول للكربون على الدول القريبة من خط الاستواء."
وقالت وكالة إدارة الكوارث الوطنية الباكستانية إن الفيضانات فى باكستان أثرت على حوالى 33 مليون شخص وقتلت 1325شخصًا على الأقل، من بينهم 458 طفلاً، وتشير التقديرات إلى أن الفيضانات تسببت فى أضرار لا تقل عن 10 مليارات دولار.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن المزيد من الأطفال معرضون لخطر الموت من المرض فى باكستان بسبب نقص المياه النظيفة.
الكارثة الأكبر التى تحاول باكستان مواجهتها هى محاولة أكبر بحيرة لديها من انفجار ضفافها بعد فشل محاولة أخيرة لتجفيفها، حيث ارتفع منسوب المياه فى بحيرة مانشار، فى مقاطعة السند الجنوبية الشرقية، إلى مستويات عالية بشكل خطير بعد أيام من الأمطار الموسمية القياسية، وأدت محاولة اختراقه إلى نزوح ما يصل إلى 100 ألف شخص من منازلهم.
وينتج إقليم السند نصف إمدادات الغذاء فى البلاد، مما يؤدى إلى تفاقم المخاوف من أن يواجه الكثيرون نقصًا خطيرًا فى الغذاء فى بلد يعانى بالفعل من أزمة اقتصادية.
وحاول مسئولون فى باكستان اختراق البحيرة بعد أن أغرقت بلدتين ريفتين، على أمل أن تمنعها من الانغماس فى ضفافها وإغراق مناطق أكثر كثافة سكانية، لكن هذه الخطوة كانت مخاطرة بالتأثير على ما يقدر بنحو 400 قرية - أى ما مجموعه 135000 شخص - الذين سيُتركون بدون منازل، وطلب المسؤولون من القرويين إخلاء القرية فى نهاية الأسبوع.
وقال جمال مانجان، السكرتير الخاص لوزير الرى الباكستانى، إنهم كانوا يأملون فى منع البحيرة من الفيضانات وإغراق المزيد من المدن والبلدات المأهولة بالسكان فى جميع أنحاء السند، بما فى ذلك سهوان ودادو وبان سيد آباد.
لكن جام خان شورو، الوزير الإقليمى للرى، قال أنه على الرغم من جهودهم، فإن مستويات المياه فى البحيرة ظلت مرتفعة بعناد، ولم ينخفض منسوب المياه فى بحيرة مانشار، وامتنع عن الإفصاح عما إذا كانت ستتم محاولة أخرى لتصريف المياه من البحيرة.
المساعدات الدولية
وبدأت عدة وكالات إغاثة دولية فى الوصول إلى باكستان التى اجتاحتها الفيضانات لتوصيل الغذاء والماء النظيف والأدوية التى تشتد الحاجة إليها لضحايا ما وصفته الأمم المتحدة بأنه "الرياح الموسمية على المنشطات".
وحذرت اليونيسف فى بيان يوم الأربعاء من أن ثلاثة ملايين طفل بحاجة الآن إلى مساعدات إنسانية عاجلة فى جميع أنحاء باكستان بسبب زيادة مخاطر الأمراض المنقولة بالمياه والغرق وسوء التغذية.
وقال الدكتور ديدار حسين من وزارة الصحة الباكستانية أنه يخشى انتشار الأمراض المنقولة بالمياه إذا لم تنحسر مياه الفيضانات بالسرعة الكافية قائلًا: جاء إلينا العديد من المرضى، وبحسب سجلنا، فقد استقبلنا 16000 مريض من أكثر من منطقة، معظم المرضى يعانون من الحساسية بسبب مياه الفيضانات، وهناك مرضى يعانون من الإسهال والحمى، هم مرضى يعانون من الملاريا ونحن نجرى عليهم اختبارات طفيليات الملاريا".
وقالت أوريلى جوديه، المسؤول الصحفى فى منظمة أطباء العالم، لشبكة سى إن إن، إن مياه الفيضانات جرفت كل شيء، ويجب أن يبدأ الناجون من الصفر، فهم بحاجة ماسة إلى ملاجئ كريمة، وطعام بأسعار معقولة، والحصول على الرعاية الصحية والسلع الأساسية. لكن هذا لن ينتهى فى غضون شهرين، فهم بحاجة إلى مساعدة طويلة الأجل".
وأضافت جوديه إن الأطفال يأتون إلى عياداتهم مصابين بجروح خطيرة فى أقدامهم بسبب عدم وجود أحذية لهم، وقالت إن بعض الناس لا يستطيعون تحمل تكاليف أدويتهم العادية بسبب الزيادات فى الأسعار التى تجعل الطعام باهظ الثمن أيضًا، حتى خارج منطقة الفيضان.
وقالت: "فى المناطق الأكثر جفافاً، يخبرنا الناجون أن هناك فارقًا واحدًا بالنسبة لهم الآن هو أسعار الطعام، لأن الطرق لا يمكن الوصول إليها، إنها أربعة أضعاف أسعار السوق، لا يمكنهم تحمل تكاليف الأكل".
من جانبه قال رئيس الوزراء الباكستانى شهباز شريف فى إن الفيضانات كانت "الأسوأ فى تاريخ البلاد" وقدر أن الكارثة تسببت فى أضرار تزيد على عشرة مليارات دولار للبنية التحتية والمنازل والمزارع.
ودعت الأمم المتحدة بتوفير 160 مليون دولار لمساعدة ضحايا الفيضانات لكن وزير المالية مفتاح إسماعيل قال إن الأضرار أكبر بكثير، حيث أكد فى مقابلة مع شبكة سى إن بى سى إن "الخسائر الإجمالية تقترب من 10 مليارات دولار وربما أكثر".