يوسف أيوب يكتب: الجولة الرئاسية للجنوب الأفريقى تكشف تغييرا فى المزاج العام الأفريقى تجاه مصر.. الرئيس ينجح فى استعادة ثقة «الأشقاء» بمصر ويفتح أبوابا كانت مغلقة بين القاهرة وعواصم القارة

-الدول الأفريقية تأكدت من صدق الأهداف والنوايا المصرية فاستدعت الدور المصرى ليكون حاضرا فى المجابهة الشاملة للأزمات والتحديات الأمنية والتنموية بعد 2014، كان السؤال الذى يواجه رجال الدولة المصرية، كيف نستعيد ثقة الأفارقة؟ هذا السؤال كان مبنيا على عدد من المعطيات التى تزامنت مع تصرفات وأفعال قامت بها جماعة الإخوان الإرهابية خلال وجودها فى سدة الحكم، وأبرزها على الإطلاق الاجتماع «الكارثى» الذى استضافه «الاتحادية» بوجود شخصيات كانت موالية للجماعة ومندوبها فى الاتحادية وقتها، المعزول محمد مرسى، وهو الاجتماع الذى خصص لمناقشة تداعيات ما بعد سد النهضة الإثيوبى، وتمت إذاعته على الهواء مباشرة، وشهد حديثا متجاوزا من جانب المشاركين ليس فقط ضد إثيوبيا، وإنما كل الدول الأفريقية، بل شهد تهديدا بتحركات عسكرية ضد أديس أبابا، ولا يخفى على أحد أن الحكومة الإثيوبية أحسنت استغلال هذا الاجتماع، بعدما ترجمته إلى كل اللغات، ووزعته على السفارات الأجنبية لديها، كما سلمته سفاراتها بالخارج إلى وزارات الخارجية فى الدول المعتمدة لديها، وتسبب ذلك فى حالة من الريبة والشك الأفريقية تجاه الدولة المصرية، لأنهم وقتها لم ينظروا إلى مصر باعتبارها كانت تحت سيطرة جماعة إرهابية، بل كانوا ينظرون لما حدث على أنه معبر عن الدولة المصرية. وهناك أيضاً واقعة أخرى لا تقل أهمية عن السابقة، حدثت فى يناير 2013، حينما وقف المعزول مرسى، خلال مشاركته فى القمة الاقتصادية العربية بالرياض ليعلن رفضه التدخل العسكرى فى مالى الذى قامت به فرنسا وقتها لمساعدة الجيش المالى فى وقف تقدم جماعات وميليشيات إرهابية باتجاه العاصمة باماكو، واستعادة المناطق الشمالية التى وقعت فى أيديهم، فنظرت الدول الأفريقية لموقف «مرسى» على أنه دعم مصرى للإرهاب! لذلك كان الخاطر الأول الذى طرأ على ذهن الرئيس عبدالفتاح السيسى، بعد استدعائه شعبيا لتولى المسؤولية فى انتخابات رئاسية، هو كيف نستعيد علاقاتنا بأفريقيا؟، وقبل ذلك استعادة ثقة الأفارقة، التى افتقدناها بسبب تصرفات الجماعة الإرهابية، ومن قبلها تراجع فى التواجد المصرى بالقارة السمراء قبل 2011، ثم تصرفات غير مسؤولة من شخصيات سياسية بعد 25 يناير 2011، فيما سمى وقتها بالدبلوماسية الشعبية التى زارت إثيوبيا وأوغندا، وأساءت بشكل بالغ لصورة وشكل وتماسك الدولة المصرية. التحدى كان كبيرا، لكن القرار والإرادة كانا موجودين، فالأفارقة كما وصفهم الرئيس السيسى فى أكثر من مناسبة هم «أشقاء»، كما أن «مصر العربية – بعبقرية موقعها وتاريخها – قلب العالم كله، فهى ملتقى حضاراته وثقافاته، ومفترق طرق مواصلاته البحرية واتصالاته، وهى رأس أفريقيا المطل على المتوسط، ومصب أعظم أنهارها «النيل» كما جاء فى ديباجة دستور 2014، لذلك بدأت الدولة بتوجيه رئاسى، فى إحداث تغيير كبير فى الاستراتيجية المصرية خارجيا، لتكون أفريقيا فى الصدارة، منطلقين من ثوابت تاريخية وجغرافية لا حياد فيها. كان القرار والإرادة أيضاً أن تكون مصر صادقة مع الأفارقة فى تعاملاتها، وأن تفتح ذراعيها للتشارك مع الأشقاء فى مجابهة التحديات والأزمات، خاصة أن التحديات واحدة، سواء كانت أمنية أو تنموية، لذلك بدأت مصر التحرك سريعا، وكل يوم كانت تحدث الدولة اختراقا جديدا، أثر بشكل بالغ فى تغيير المزاج الأفريقى تجاه مصر والدولة المصرية، أخذا فى الاعتبار أن الأفارقة بوجود الرئيس السيسى، تأكدوا أن مصر لا تبحث عن دور، وإنما كل هدفها هو الصالح العام المشترك، لذلك حدث لأول مرة، أن استدعت الدول الأفريقية الدور المصرى، ليكون حاضرا فى المجابهة الشاملة، سواء كانت سياسية أو أمنية أو تنموية، بعدما أدرك الأشقاء أن مصر أصبحت لديها تجربة، كما أن لديها ما تستطيع أن تقوله وتقدمه لهم، كما أن لها رصيدا دوليا، يجعل صوتها مسموعا، وله تأثير، فلماذا لا يكون هذا الصوت هو صوت أفريقيا أيضا؟، ومن هنا جرت مراسم استدعاء الدور المصرى. هذا الاستدعاء جرى فى مواقف عدة، منها انتخاب مصر عضوا غير دائم بمجلس الأمن نيابة عن القارة الأفريقية خلال العامين 2016-2017، وأيضا رئاستها للجنة المناخ الأفريقية، وعضوية مجلس السلم والأمن الأفريقى، ورئاسة الكوميسا وأخيرا تسلمها رئاسة اللجنة التوجيهية الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقى (نيباد) ولمدة عامين، فضلا عن اختيار القاهرة مقرا لعدد كبير من الأجهزة الأفريقية ذات الفاعلية والأهمية، وقبل ذلك اختيار الرئيس السيسى، رئيسا للاتحاد الأفريقى فى 2019، وهو العام الذى شهد انطلاقة كبرى فى العمل الأفريقى المشترك، وإطلاق العديد من المبادرات ذات التأثير مثل مبادرة «إسكات البنادق». من هنا بدأ التحول الأفريقى تجاه مصر، ولم يعد الأفارقة ينظرون لمصر على أنها دولة بعيدة عنهم، بل هى قريبة بل الأقرب إليهم. وكان من العوامل الرئيسية فى هذا التغيير الاهتمام والزيارات الرئاسية التى شملت حتى اليوم أكثير من 70% من دول القارة السمراء، فضلا عن استقبال العديد من القادة الأفارقة بالقاهرة. ويكفى هنا الإشارة إلى أنه رغم العلاقات التاريخية الكبيرة التى تربط مصر بأفريقيا، وأن القاهرة كانت الملهمة للقارة السمراء فى مسألة التحرر من الاستعمار، وكانت فترة الخمسينيات والستينيات هى الأكثر نشاطاً، إلا أن دولا أفريقية لم تشهد زيارة رئاسية، وها هو الرئيس السيسى اليوم يزور هذه الدول باعتباره أول رئيس مصرى يزورها. من هنا يمكن لنا فهم وأيضاً تقديم الجولة الأفريقية التى قام بها الرئيس السيسى الأسبوع الماضى، وشملت دول «الجنوب الأفريقى» أنجولا، وزامبيا، وموزمبيق، ومن بين الدول الثلاث، استقبلت أنجولا وموزمبيق الرئيس السيسى كأول رئيس مصرى يزورهما. هذه الجولة تؤكد اهتمام مصر بتعزيز العلاقات، ليس فقط مع دول الجوار أو المرتبطة بأمنها القومى، بل أيضا مع كل بلدان القارة، ولم يأت ذلك إلا بعدما استطاع الرئيس السيسى أن يخلق ويؤمن حالة من التفهم عبر محادثاته مع الزعماء الأفارقة، حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك. البداية كانت فى أنجولا التى قال رئيسها جواو لورينسو، خلال مؤتمر صحفى مع الرئيس السيسى، بالعاصمة لواندا، إنه فى عصر الرئيس السيسى، تم تشييد عدد من المدن الجديدة ومنها العاصمة الإدارية وبالتإلى الشركات المصرية فى هذا المجال لديها خبرة عظيمة يمكن أن تقدمها لأنجولا التى تحتاج الكثير من أجل بناء بنيتها التحتية وتحقيق التنمية، داعيا الرئيس السيسى إلى زيارة بلاده فى نوفمبر 2025، للاحتفال بمرور 50 عاما على استقلال دولة أنجولا. وفى العاصمة الموزمبيقية، مابوتو، أكد الرئيس السيسى، فى مؤتمر صحفى مشترك مع نظيره الموزمبيقى فيليبى نيوسى، أن مصر يمكنها تقديم الدعم اللازم والتدريب لمكافحة جرائم الخطف والموضوعات الخاصة بالإرهاب، لافتا إلى أن مصر لها تجربة فى محاربة الإرهاب من سبعينيات القرن الماضى الذى كان محصلة جهل نتج عنه شكل من أشكال التطرف، كما أبرز أن مصر لم تحارب الإرهاب أمنيا فقط، لكنها أيضا حرصت على البناء والتنمية والتعمير حتى يكون أحد عوامل محاربة الإرهاب، مشيرا إلى أن مصر يمكنها المشاركة فى تحسين وتصويب الخطاب الدينى عن طريق مؤسسة الأزهر إما بتدريب الأئمة أو إرسال علماء من الأزهر لموزمبيق. وقال الرئيس السيسى، «نحن فى مصر مستعدون أن نقدم المساعدة فى مجال الخطاب الدينى من خلال مؤسسة الأزهر الشريف عن طريق تدريب الأئمة والعلماء إذا كان يرغب الرئيس الموزمبيقى فى ذلك، أو أن نرسل علماء من جانبنا لإعطاء صورة سمحة عن الدين بعيدا عن التطرف، بالإضافة إلى التعاون فى مجال تبادل المعلومات والخبرات فيما يخص مكافحة الإرهاب»، مؤكدا أن مصر لديها خبرات جيدة فى مجال المشروعات المختلفة، مشيرا إلى أن مصر خلال السبع السنوات أو الثمانى الماضية كانت لها خطة استراتيجية كبيرة جدا لإقامة بنية أساسية متطورة فى كل المجالات، سواء فى الطاقة أو النقل المواصلات أو الصحة، وكل ما يخص الدولة بمفهومها الواسع، كما أشار إلى أن فى مصر 5 آلاف شركة تعمل ولديها قدرات وتستطيع أن تقدم الخبرات، إذا كان هذا مناسبا لدولة موزمبيق، لنقل جزء من هذه التجربة فى المجالات المختلفة، لافتا إلى أن مصر تقوم ببناء سد تنزانيا بواسطة شركة المقاولون العرب، وهو سد ضخم جدا ولدينا الخبرات لعمل أى شىء ممكن تكون فيه فائدة تعود بالنفع على دولة موزمبيق. وما بين أنجولا وموزمبيق، شارك الرئيس السيسى فى قمة تجمع دول السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقى «الكوميسا» بالعاصمة الزامبية لوساكا، وهناك التقى مع الرئيس ويليام روتو، رئيس كينيا، ورئيس زامبيا هاكيندى هيتشيليما، الذى رحب بزيارة الرئيس السيسى إلى لوساكا، مشيداً بالإنجازات التى تحققت تحت رئاسة مصر للكوميسا خلال الفترة الماضية، ومؤكدا حرص بلاده على تطوير علاقات التعاون مع شقيقتها مصر، ودفعها نحو آفاق أرحب من العمل المشترك، فضلا عن مواصلة التشاور مع مصر بشأن القضايا والتحديات التى تواجه أفريقيا، خاصةً فى ظل الدور المصرى الرائد تحت قيادة الرئيس السيسى على الصعيد الأفريقى، وجهودها فى دفع عملية التنمية وصون السلم والأمن بالقارة الأفريقية. وفى قمة الكوميسا أعرب المشاركون عن الامتنان والتقدير للإنجازات الملحوظة التى تحققت خلال الرئاسة المصرية للكوميسا، وما أظهرته قيادة الرئيس السيسى للكوميسا من خبرة ورؤية ثاقبة فى التعامل مع قضايا القارة الأفريقية، خاصةً ما يتعلق بتدعيم جهود تطبيق أجندة التنمية فى أفريقيا 2063، بالإضافة إلى دعم خطط التكامل الاقتصادى بدول التجمع وتطوير بنيتها التحتية وتعزيز التجارة البينية بها على وجه الخصوص. والشاهد أن كلمة الرئيس السيسى أمام قمة الكوميسا بزامبيا الخميس الماضى كانت كاشفة للعديد من المواقف المصرية المقدرة أفريقيا، خاصة بتأكيده أهمية دفع معدلات التكامل الاقتصادى من أجل تعزيز مستوى رفاهية الشعوب الأفريقية وتدعيم مقدرات السلم والأمن فى دول القارة، وهو ما قامت به مصر خلال رئاستها للكوميسا العامين الماضيين، حيث أولت مصر اهتماما كبيرا لتفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية وتحقيق التناغم بينها وبين اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية بين تجمعات: «كوميسا وسادك وشرق أفريقيا» عبر إجراءات محددة لحث الدول الأعضاء على تنفيذ الإعفاءات الجمركية وتيسير حركة التبادل التجارى فيما بينها، حيث أسفرت الجهود المصرية عن زيادة الصادرات البينية لدول الكوميسا لتصل إلى 13 مليار دولار عام 2022 وهى القيمة الأعلى منذ إنشاء منطقة التجارة الحرة فى إطار التجمع عام 2000، كما أن الجهود المصرية ساهمت أيضا فى ارتفاع حجم التبادل التجارى بين مصر ودول الكوميسا فى ذلك العام إلى أعلى قيمة لها منذ انضمام مصر للكوميسا ليصل إلى 4.3 مليار دولار، فضلا عن تقديم مصر مبادرة للتكامل الصناعى الإقليمى فى إطار استراتيجية التصنيع بالكوميسا «2017 - 2026» والتى تهدف إلى تعميق الإنتاج الصناعى من خلال ربط سلاسل القيمة الإقليمية وفقا للميزة التنافسية للدول»، متحدثا عن أحد المشروعات التى تمثل فخرا للقارة الأفريقية، والذى أثبت وجود ثمار حقيقية للتعاون بين دولنا حال توفر الإرادة السياسية وهو مشروع «سد جوليوس نيريرى» العملاق فى تنزانيا، وقال: إن هذا السد الذى يتم تنفيذه بأياد مصرية وتنزانية والذى سيولد طاقة كهربائية تقدر بـ 2.5 جيجاوات، أثبت امتلاك الشركات المصرية المنفذة خبرات وقدرات تمكنها من تنفيذ مشروعات بمقاييس عالمية وهى الخبرات التى تتطلع مصر لمشاركتها مع دولنا الأفريقية الشقيقة. وقبل أن يسلم رئاسة الكوميسا لنظيره الزامبى، أعلن الرئيس السيسى ترشح مصر، لعضوية مجلس السلم والأمن الأفريقى، للفترة 2024 - 2026 إيمانا من مصر بمسؤولياتها، نحو دعم جهود السلم والأمن فى قارتنا. كما أعلن الرئيس السيسى عن تشكيل هيئة المكتب الجديدة لقمة الكوميسا؛ والتى تضم زامبيا رئيسا، وبوروندى نائبا للرئيس، ومصر مقررا. بالنظر إلى لقاءات الرئيس السيسى خلال زيارته الثلاثية لدول الجنوب الأفريقى سيجد أنها تمثل امتدادا للدور المصرى بأفريقيا والذى شهد نشاطا واضحا وملموسا على صعيد القارة بأسرها خلال السنوات الماضية، وكذلك الاهتمام المصرى المكثف والذى وصل إلى ذروته عام 2019 برئاسة مصر للاتحاد الأفريقى، واستمرت تلك الذروة فى الدور المصرى حتى الآن بأفريقيا مع رئاسة مصر للكوميسا عام 2021، بالإضافة رئاسة مصر إلى النيباد «الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقى» فى العام الماضى، وهو ما لم يكن ليحدث لولا ثقة الأشقاء الأفارقة فى مصر ورئيسها، الثقة التى جعلت المزاج العام الأفريقى يتبدل تجاه القاهرة ويستدعيها دوما لتكون حاضرة بخبراتها فى تقديم الحلول.














الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;