تجديد الخطاب الدينى المسيحى الفريضة الغائبة عن الكنيسة الأرثوذكسية الكنائس العالمية حدثت خطاباتها والكاتدرائية المرقسية ترفض والبابا تواضروس: المسيحية لا تعترف بذلك والنظام فى الكنيسة ثابت

رئيس الطائفة الإنجيلية: لا توجد قراءة وحيدة للنصوص الدينية والنص يحتمل أكثر من تأويل وتجديد الخطاب رحمة بالمجتمع مدرس اللاهوت الدفاعى: على الكاهن أن يتعلم الفنون والثقافة والآداب والعلوم ليجيب عن أسئلة الشباب ولمواجهة الإلحاد "تجديد الخطاب الدينى" تتكرر هذه العبارة عشرات المرات فى وسائل الإعلام، وتنظم لها المؤتمرات وتطرح حولها الأبحاث والدراسات، وتدور الكثير من خطابات المثقفين الذين يرون أن هناك ضرورة لتحديث الخطاب الدينى بشكل عام وجعله أكثر مرونة ومناسبة لمقتضيات العصر، وذلك فى ظل سيادة خطاب متطرف ومتشدد فى كثير من الأحيان، وهو ما يؤثر فى المتلقين المتدينين بالفطرة، والذين لا يملكون القدرة على النقد، وبالتالى يتحولون لألات وأسلحة فى يد المتطرفين.

تجديد الخطاب الدينى ليس حكرا على الإسلام ويحصر البعض مطالبات "تحديث أو تطوير الخطاب الدينى" فيما يخص الدين الإسلامى فقط"، ويفهم المتلقون منها "أن الخطاب الإسلامى هو المعنى بالتجديد بعد ظهور داعش وحركات العنف الدينى وجماعات التكفير وتوغلها بهذا الشكل، إلا إننا وفى السياق نفسه نلتفت إلى أن الخطاب الدينى المسيحى ربما يحتاج للتجديد أيضًا، لتسير تلك المحاولات بشكل متوازٍ يناسب العصر ولا يُخرج المرء عن دينه مع ما يستجد من أسئلة.

البابا تواضروس: الخطاب المسيحى لا يحتاج إلى تجديد ويتخذ باباوات الكنيسة الأرثوذكسية وكبار الكهنة والمطارنة موقفا معاديا من تجديد الخطاب، فالبابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، "لا يرى أن الخطاب المسيحى يحتاج إلى تجديد"، بل يؤكد فى حوار تلفزيونى أن المسيحية لا تعرف ما يسمى بـ"تجديد الخطاب الدينى"، فالتعليم فى الكنيسة محدد بنظام ثابت وواضح والتطوير الكنسى يسير، وتتجه الكنيسة من عصر الأوراق إلى عصر الكمبيوتر، أما الصلوات التى كانت باللغة العربية والقبطية والألحان موزونة على ذلك فتعمل الكنيسة على ترجمتها إلى اللغات الأخرى وتحديثها حتى يفهم المستمع وفق لغته.

الفاتيكان يزيل تجاعيد الشيخوخة من وجه الكنيسة ورغم أن بابا الأرثوذكس المصريين يترجم مسألة تجديد الخطاب الدينى على طريقته، ويرى أنها لا تتناسب مع المسيحية، إلا أن الفاتيكان والكنائس الكاثوليكية التابعة له، شهدت محاولات كثيرة للتجديد، آخرها ما جرى فى المجمع الفاتيكانى الثانى الذى قاده البابا يوحنا الثالث والعشرون فى الفترة من 1962 وحتى 1965 وهو المجمع الذى شهدت الكنيسة طفرة كبيرة على يديه.

ويوضح الأنبا أنطونيوس عزيز مطران الكاثوليك بالجيزة، أن المجمع الفاتيكانى الثانى حقق ثورة فى تجديد الخطاب الدينى دفعت الكنائس الكاثوليكية إلى التخلى عن بعض الأفكار والتعاليم الخاطئة، مثل ما كان قبلها من معتقدات، كأن يرى الكاثوليك أنهم فقط من سيتمتعون بملكوت السماء ويدخلون الجنة بينما يذهب الباقون إلى الجحيم.

ويضيف الأنبا أنطونيوس لـ "انفراد": "تعلمنا من المجمع أن ننظر لمن يختلفون معنا فى الدين، لندرك عظمة ديننا، فالأشياء تعرف بأضدادها، ولا يمكن أن نعلى شأن المسيحية من خلال هدم عقائد الآخرين".

الحديث عن المجمع الفاتيكانى الثانى، وما أحدثه فى الكنيسة وفقًا لتصريحات المطران أنطونيوس عزيز يستلزم البحث فيما جاء به هذا المجمع، تشير المراجع إلى أن الإعلان عن هذا المجمع جاء على لسان البابا يوحنا الثالث والعشرين خلال خطبة ألقاها بتاريخ 25 يناير 1959 بعد تسعين يوماً من انتخابه للسدة البابوية حيث أعرب عن نيته دعوة أساقفة الكاثوليك فى العالم أجمع للحضور إلى الفاتيكان لعقد مجمع مسكونى جديد .

وبعكس المجامع السابقة لم تكن غاية المجمع الفاتيكانى الثانى تفنيد بدعة ما أو البت فى مسألة تأديبية معينة ولكن بحسب كلمة البابا الافتتاحية فقد كان الهدف من هذا المجمع "إزالة تجاعيد الهَرَم و الشيخوخة من وجه الكنيسة، وإعادة بهائها وشبابها إليها"، فكانت أهدافه المعلنة تجديد الكنيسة الكاثوليكية روحياً وتحديد موقفها من قضايا العالم المعاصر المختلفة بشكل عام يمكن تلخيص أهداف المجمع فى خمس نقاط وهى تطوير علاقات إيجابية للكنيسة الكاثوليكية مع العالم الحديث، و التخلى عن نظام الحروم القاسى أناثيما المستعمل فى المجامع السابقة، والتأكيد على حقوق الإنسان الأساسية بما يتعلق بالحرية الدينية، والتأكيد على أن الحقائق الأساسية تُعلم أيضاً فى ديانات ومذاهب غير الكاثوليكية، وإصلاح الروحانية الكاثوليكية والسلطة الكنسية.

يعتبر الكاتب إميل أمين المتخصص فى الشأن المسيحى فى مقال له بعنوان "الفاتيكانى الثانى.. 50 عاما على العلاقات مع الإسلام والمسلمين" أن هذا المجمع تحديدا علامة متميزة فى علاقة الكنيسة مع العالم الإسلامى والإسلام بشكل عام لأنه أول مجمع يحدد شكل هذه العلاقة على نحو إيجابى مجافٍ ومنافٍ للكثير من الخلافات والرؤى السابقة عبر عصور.

ويؤكد أمين، أن هذا المجمع خرج عنه تصريح عن علاقة الكنيسة مع الديانات غير المسيحية، وجاء صدوره تلبية لرغبة البابا الداعى للمجمع، وعبر عنها الكاردينال بيا، رئيس سكرتارية الوحدة المسيحية، وهدف البابا من هذا التصريح أن يستأصل كل جذور الكراهية والحقد التى طالما تسببت فى الاضطهادات، وخاصة عندما تتخذ النصوص الدينية ذريعة لذلك.

ويدعو "إمين" فى مقالات سابقة له إلى تأمل إشارات المجمع إلى الدين الإسلامى وتأملها فهى حدث تاريخى جلل ومهم لأبعد حدود، فلأول مرة عبر التاريخ تعلن الكنيسة الكاثوليكية عن موقفها إزاء المبادئ الإسلامية الأساسية، فى وضوح ودقة، فهى تبدى احترامها للمسلمين، إذ تعترف أن إله القرآن هو حقا الإله الواحد الأحد القيوم الرحمن القدير فاطر السماء والأرض وليس هو إله الفلاسفة بل إله إبراهيم، وإله الوحى الذى كلم البشر، ويشير النص وفقًا لأمين إلى تسليم المسلمين لأحكام الله الخفية وقضائه وإن كان المسلمون لا يقرون «إلوهية» المسيح، إلا أنهم يجلونه نبيا ويكرمون أمه مريم العذراء، ويعترفون بالبعث ويوم الحساب والآخرة وفى سلوكهم العملى يجتهدون لاكتساب مكارم الأخلاق.

ويحمل النص المتعلق بالدين الإسلامى دعوة تصالحية غير مسبوقة فى الخطاب المسيحى الغربى من قبل إذ يقول «ولئن كان عبر الزمان قد وقعت من المنازعات والعداوات بين المسيحيين والمسلمين، فإن المجمع يهيب بالجميع أن ينسوا الماضى، وأن يعملوا باجتهاد صادق سبيلا للتفاهم فيما بينهم، وأن يتماسكوا من أجل جميع الناس على حماية وتعزيز العدالة الاجتماعية والقيم الأدبية والسلام والحرية».

وإن كان هذا المجمع مثل نقطة التقاء غير مسبوقة مع العالم الإسلامى إلا أنه أثار تساؤلات عند الكثيرين فيه ومنه بشأن علاقة المسيحية الكاثوليكية باليهود واليهودية، لا سيما أن هناك من يرى أن هذا المجمع قد رفع عن اليهود وزر دم السيد المسيح، وأعطى أولئك براءة من جرمهم المشهود عبر ألفى عام، وهو أمر لم يسبب التباسا عند المسلمين فقط، بل كذلك لكثير من المسيحيين من أتباع المذاهب الأرثوذكسية الشرقية.. ماذا عن هذا الإشكال اللاهوتى - التاريخى المعقد؟ ويوضح أمين، أن الفقرة الخاصة بالدين اليهودى تذكر أن الكنيسة لا تنكر أن جذور إيمانها تمتد إلى الآباء الأولين، وإلى موسى والأنبياء خلال العهد القديم، ونظرا لما عرف عبر التاريخ فى بعض البلدان المسيحية من عداء للسامية، تذكر الفقرة بانتهاء المسيح الجسدى وانتماء العذراء والرسل والمسيحيين الأول إلى نسل الشعب اليهودى على الرغم من معارضة غالبيته للمسيح وإنجيله، وهذه العبارة الأخيرة لم تذكر فى النص الأول إلا فى صورة موجزة عابرة ثم عدلت فى الصورة النهائية للتصريح تمشيا مع الأحداث التاريخية، التى سجلها الكتاب المقدس، ومنعا لما نعت به النص من تحيز لليهود.

وتدعو خاتمة ما خرج عن المجمع، أتباع الديانتين الإسلامية واليهودية إلى تبادل الثقة والاحترام من خلال دراسات عميقة لمختلف النصوص الكتابية واللاهوتية، وإقامة حوار أخوى، ولا يفوت النص الإشارة إلى قضية الاضطهادات عبر الأجيال التى أنزلت باليهود، بدافع متعاقب وهو قتل المسيح فيعلن أن «ذوى السلطة عند اليهود وأتباعهم قد حرضوا على قتل المسيح، بيد أن ما ارتكب فى آلامه وموته - بحسب المعتقد المسيحى - لا يؤخذ به دون تمييز جميع اليهود الذين عايشوا هذا الزمن أو الذين يعيشون اليوم».

البابا فرانسيس يدعو للرحمة ولم تتوقف دعوات الفاتيكان لتجديد الخطاب الدينى، ولكان محالاوت تحديث وتطوير الخطاب الدينى المسيحى استمرت، وتتلاءم معها الدعوة التى أطلقها البابا فرانسيس لاعتبار عام 2016 عامًا للرحمة، وهو ما يعتبره الأنبا انطونيوس عزيز، تجديدًا فى الفكر يحث على تجديد كافة معانى المحبة والتوبة والأخلاق، لأن الرحمة تشمل كل ذلك، ويشير مطران الكاثوليك إلى أن التجديد لا يعنى هدم العقيدة ولكنه يعنى إعادة النظر إلى التفسيرات والنعوت وكل ما يحض على كراهية الأخر وعدم احترامه.

رئيس الطائفة الإنجلية: تجديد الفكر اللاهوتى رحمة بالمجتمع ويتفق رأى الدكتور القس أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، أيضًا مع الأنبا انطونيوس حيث اكد أن الخطاب الدينى المسيحى يحتاج إلى مراجعة، ويقول "فى الإسلام هناك ما يسمى بأسباب النزول، أما فى المسيحية لدينا ما يسمى بالخلفية السياسية والدينية والاجتماعية للنص.

ويضيف رئيس الطائفة الإنجيلية: "النص صالح لكل العصور، وهو وحى من السماء ويواكب البشرية فى تطورها، ولكننا لا نستطيع أن ننكر أن النص ولد فى بيئة معينة، وفى خلفية مغايرة، وفى ظروف محددة، وأنا أسميها برحلة الذهاب إلى النص لكى أفهم النص فى سياقاته"، متابعًا: "لا يمكن أن انتزع النص من سياقه التاريخى، ونأوله فوق ما ينبغى تأويله، ثم نعود إلى النص، ونسميها رحلة العودة من النص ونكتشف كيف يتلامس هذا النص مع متغيرات الواقع، وكيف يمكننا أن نستفيد منه فى مستجدات القضايا الخلافية، ورحلة العودة من النص، فتجديد الخطاب الدينى والفقه والفكر اللاهوتى رحمة بالمجتمع".

ويكمل القس الدكتور أندريه زكى: "فى الإسلام هناك معنى عميق لسماحة النص وكذلك فى المسيحية النصوص قابلة للفهم والتأويل ونفهمه بطرق متنوعة، ولكن حدث فى بلادنا ما يسمى بجمود التفسير وصار التفسير مقدس كالنص، رغم أن النص يحتمل أكثر من قراءة وفهم حسب المدارس المتعددة وتفسير النص محاولة بشرية، وبالتالى لا توجد قراءة شرعية وحيدة للنص، وهو ما أوجد كنائس متعددة، ومذاهب متعددة فى الإسلام".

ويؤمن القس رفعت فكرى رئيس لجنة النشر بسنودس النيل الإنجيلى، "أن العصر تغير لذلك فإن النص الدينى يحتاج أن يواكب العلم الحديث والتكنولوجيا وحقوق الإنسان، ويؤكد أن هناك مسائل بعينها تنتظر التجديد فى الفكر المسيحى مثل حقوق المرأة ومساواتها بالرجل وكذلك قضايا الزواج والطلاق".

ويعتبر القس رفعت فكرى أن النصوص حلت كل هذه المشاكل، ولكن الأزمة تكمن فى التفسير المغلق لتلك النصوص، داعيًا إلى ضرورة التخلص من الخطاب الذى يروج القصص الخرافية والغرائبية على المنابر وفى الكنائس بالإضافة إلى التخلص من التعصب الدينى وازدراء الآخر.

فى الكنيسة الأرثوذكسية التجديد فقط لمواجهة الإلحاد ومن جانبه يرى القمص عبد المسيح بسيط مدرس اللاهوت الدفاعى بالكنيسة الأرثوذكسية ، أن الخطاب الدينى يحتاج إلى تجديد خاصة فى علاقة الدين والعلم، فينبغى للأب الكاهن أن يتعلم مسايرة العلم، ويقرأ فى النظريات العلمية وعلوم الكواكب والنجوم والوراثة حتى يجيب على أسئلة أبنائه وشعبه خاصة من يتجه منهم للإلحاد.

ويشدد بسيط، على ضرورة ألا يصبح رجل الدين المسيحى واعظ فقط ، فعليه أن يقرأ فى الفنون والآداب والمعارف والعلوم ليثبت أن دراسة الكتاب المقدس لا تتعارض مع العلم ويتمكن من تقديم المعرفة الدينية بأسلوب شيق وعصرى. وينطلق "بسيط" فى حديثه عن تجديد الخطاب الدينى المسيحى، من قضية الإلحاد التى شغلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى الفترة الأخيرة، ودفعتها إلى تبنى خطابات مختلفة لم تكن متبعة فى السابق، كنظرية النشوء والتطور لدارون التى دفعت الأنبا رافائيل سكرتير المجمع المقدس إلى تنظيم ندوات ومؤتمرات ومعسكرات كنسية يفند فيها أفكار دارون ونظريته ويثبت من خلال العلم وجود الله.

وكذلك فإن الأنبا بيشوى السكرتير السابق للمجمع المقدس، وأحد أهم رجال اللاهوت فى الكنيسة نظم أيضًا سلسلة محاضرات مماثلة تحدث فيها عن الإلحاد وفند نظرية دارون وغيرها من أقوال العلماء فى هذا الشأن وهى خطابات جديدة على الكنيسة الأرثوذكسية التى تعلى شأن الأمور الروحية على العلم وتصف نفسها دائمًا بالكنيسة صاحبة الإيمان المستقيم.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;