أنور الرفاعى يكتب: رحلة فى الذاكرة.. تلا "الأرض الطيبة" مزارا القيمة والفضيلة.. أغرقتها مياه الصرف.. القطط تسكن المستشفى العام.. وأدعو محافظ المنوفية للمبيت فى "الكمايشة" ليعرف جريمة الحكومة فى قريتى

وصلتنى عشرات الرسائل من أصدقائى وزملائى فى مركز "تلا"، يطالبوننى فيها بالعروج على "تلا" ومشاكلها وقضاياها بحكم انتمائى لها، فى واحدة من قراها الممتدة وهى قرية "الكمايشة".. فلتعذرونى إن أخذنى الحنين إلى قريتى الصغيرة، التى كان فيها حلمى وحياتى وكل الأمانى، حيث القصص التى كان يرويها لنا الأجداد والآباء والأعمام والأخوال عن القيم والبطولة والتضحية والكرم المنوفى، ومازلت أذكر مدينتى "تلا" التى كانت تمثل فى التاريخ مزارًا للقيمة والفضيلة.. وترددت كثيرًا فى تحقيق أمنية أصدقائى فى مركز "تلا" أن يكون عنوانًا لواحد من مقالاتى، فأنا الذى لم أفكر يومًا فى خوض انتخابات على أى مستوى، لأن القانون هو عشقى والمحاماة رسالتى، ولكن بعد طول تردد ارتأيت أن هموم مركز "تلا" لا تختلف عن هموم كل ريف مصر، الذى كان وما زال يمثل القوة الدافعة والرافعة الكبيرة لاقتصاد مصر ونموها وتقدمها، واعتورها ما اعتور الوطن كله من متاعب وهموم، وهو ما يعنى أن الأفراح مشتركة والأتراح متشابهة، والانتصارات واحدة، والهموم متماثلة بين كل قرى مصر ومنها ريف "تلا". "تلا".. مدينتى وقراها تسكن فى قلبى وتحت جلدى بمبادئ توارثناها وقيم احتلت نفوسنا ولم تبرحها.. ما زلت أذكر الأهازيج والحكايات عن زعيم مصر الراحل الذى أعاد للعروبة كبرياءها ولمصر عزتها بعد نصر أكتوبر الذى ما زلنا نتمرغ فى عبقه وسموه حتى الآن، وسيبقى هذا الانتصار الذى حققه السادات ومعه جيش مصر العظيم مادة خصبة للحكايات عن قوة مصر وريادتها وأمانها. فى طريقى إلى قريتى "الكمايشة" حيث نهضت من مكتبى إلى هناك مارًا بقرى جنزور، وبابل، وكفر العرب، ومدينة تلا، وكمشيش، بعد مهاتفة من شقيقى أن والدتى تعرضت لأزمة صحية، هرولت إلى هناك غير عابئ بالقاهرة ومشاغلها فمعشوقتى الجميلة ومزارى المقدس يحتاج لوجودى.. وأنا فى الطريق راحت ذاكرتى تستدعى حكايات والدى -رحمه الله- ووالدتى -شفاها الله شفاء لا يغادر سقما- .. بصرى يجول فى المكان، وعقلى يدور فى الزمان فمدينة "تلا "التى سميت بهذا الاسم لأنها تقع على تل عال يعرف باسم "تل الملوك" تحمل خطوط ذاكرتى لها طهر المكان، وحلم الزمان. تذكرت الحكايات عن "عازر يوسف عطا" وهو من مواليد قرية طوخ النصارى فى أغسطس عام 1902.. والمعروف باسم البابا كيرلس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية والمعروف بزهده وأنه رجل الصلاة والذى كان دومًا يقول: "نم مطمئن جدًا جدًا.. ولا تفكر فى الأمر كثيرًا.. ودع الأمر لمن بيده الأمر".. وهو الذى أبعد الكنيسة عن السياسة، وكانت لآرائه ومواقفه عامل السحر فى وحدة وطنية لم يستطع دعاة الفتنة اختراقها، فكانت وستبقى "تلا" نموذجًا للوحدة الشاملة والعلاقات الطيبة والمتشابكة بين المسلمين فى مصر ومسيحييها. فجأة تتعثر سيارتى.. فالطريق غير معبد وتملؤه النتوءات والمطبات بشكل لا يتفق ولا يتوافق مع هذا التاريخ العظيم لأرض "مانوفيس" وتعنى "الأرض الطيبة" كما كانت تعرف فى مصر القديمة.. وبعد أن نجت سيارتى من التحطم عاد عقلى يدور فى التاريخ، فإذا به يقفز ويتوقف عن الدوران عند أم المؤمنين مارية القبطية زوجة الرسول "ص" وأم ولده إبراهيم.. وقد أسلمت حتى وصفت فى طبقات ابن سعد بأنها «حسنة الدين». لكن ما أن هل ربيع الأول من العام التالى لوفاة إبراهيم عليه السلام، حتى توفى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو راضٍ عنها، وعاشت السيدة مارية بعده خمس سنوات حتى ماتت فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذى كان يحشد الناس لجنازتها ثم صلى عليها ودفنت بالبقيع، وذلك فى السنة السادسة عشرة من محرم، إلى جانب نساء أهل البيت النبوى، وإلى جانب ابنها إبراهيم، يقولون إنها تنتمى لهذه الأرض الطيبة. وأواصل الرحلة فأجد نفسى أمام أحد مزايا "تلا" الصناعية فى السابق، وهو محلج الأقطان الذى راح أدراج الرياح، وأدراج سياسات اقتصادية أدت لإغلاق القلاع الصناعية وتحول العمال إلى بطالة، فقد كان واحدًا من قلاع حليج الأقطان فى مصر.. وكانت فى السابق يتحدث الصناع المهرة عن السجاد اليدوى الذى كانت تتميز به الأنامل المهرة للفنانين والمبدعين من أبناء مركز تلا. وكان تل البندارية الأثرى بقرية البندارية بالوحدة المحلية بزاوية "بمم" مزارًا فى السابق ولم يعد كذلك بعد أن فقد رونقه وأثريته بفعل الإهمال المتواصل، وأيضًا كنيسة القديس جرجس والعذراء، ووقف دير البيراموسى الذى شهد بدايات البابا كيرلس بقرية "طوخ دلكا".. وتدور ذاكرتى فى عمق الزمن فأجد تلك الأراضى التى كانت زراعية وتتميز بها "تلا" وفلاحيها ذوى القلوب البيضاء وقد تحولت إلى كتل خرسانية فأكلت الزراعة، وتناقصت الأرض الزراعية لتكاد يصبح فيها التنفس عملية شاقة، وهو الأمر الذى نطالب عنده الحكومة بأن تهتم بأبناء تلا الذين ليس لديهم ظهير صحراوى، وأن تخصص الحكومة مساحة من مشروع الرئيس وهو مشروع 1,5 مليون فدان لتكون باسم "شباب تلا"... وإذا بالمستشفى العام فى مدينة تلا الذى يخدم نحو 7 وحدات محلية يتبعها 42 قرية و106 كفور، أبدًا لا تليق ولا ترقى، حيث المبانى متهالكة، والأخبار التى يتم تداولها عن المستشفى والقطط تجرى فيها بشكل لا يتصل بالصحة بأى رابط. قطع وصولى إلى قرية "الكمايشة" شريط الذكريات الطويل الذى يؤكد تشابه كل قضايا وهموم الريف المصرى، ودلفت إلى قريتى "الكمايشة" فإذا بالشوارع وقد تحولت إلى برك للمياه بسبب "بيارة" الصرف الصحى التى تهدمت فى صورة مأساوية، ورغم النداءات الكثيرة لمحافظ الإقليم إلا أنه يبدو أن المحافظ تصور أنها فى زمام محافظة الغربية، وهو الأمر الذى يجعلنى أدعو السيد المحافظ إلى المبيت بقرية الكمايشة - فى ضيافتى - ليدرك المعاناة التى يلاقونها ويعرف الجريمة التى ترتكبها الحكومة فى حق أهلها، بفعل عدم الاكتراث بقضايا الناس، وما يسببه ذلك من غضب عارم لدى الأهالى فى قريتى التى نساها المحافظ. وواصلت المسير حتى منزلنا العتيق الذى يحمل هو الآخر فى جوفه التاريخ التليد، وإذا بوالدتى تستقبلنى فى بشاشتها وحنوها وكبريائها وصبرها قائلة: "تعبت نفسك ليه يا أنور؟ فارتميت فى أحضانها مستمدًا للقوة والعزيمة فى أنفاسها التى هى أنفاس طهر الزمن الجميل. أخيرًا.. أقول لأهلى وأصدقائى فى تلا: "هأنا قد وفيت وفى بعض الوفاء معزة لـ"تلا" شيمتها الفضل".. ولأصدقائى وأحبابى" دعواتكم لأمى.. فضل عند الله مرجعه".



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;