أنا من المؤمنين بأن المرأة المصرية لا تقل فى أى شىء عن الرجل، وأحلم باليوم الذى أجد فيه المرأة رئيسة وزراء ورئيسة جمهورية.
ولست من دائمى النقد أو دائمى المدح، فالأشخاص العامة عندى بأفعالهم للوطن، أن أصابوا فى أيام شكرناهم، وإن أخطأوا فى اليوم التالى انتقدناهم، وعن قرب وبتقييم موضوعى تعاملت مع معظم الوزيرات السيدات فى الحكومة المصرية، وكلهن على درجة كبيرة من العلم والثقافة.
سأتحدث عن اثنتين منهن، هما سحر نصر ونبيلة مكرم..
الأولى، كانت فى منصب دولى رفيع، وعندما أتت إليها الوزارة كانت بالنسبة لها تحديًا لإثبات الذات، وكانت مصر فى مرحلة صعبة ودقيقة، فكان لابد أن تستخدم كل خبراتها الدولية فى الحصول على المنح والقروض المطلوبة، للمرور من هذه المرحلة، وما أدراك ما قسوة التفاوض مع الأجانب، لا سيما فى ظل الاحتياج لمثل هذه التمويلات وبشكل سريع، وكان عليها أيضًا أن تواجه الداخل الذى حمّلها مسؤولية كل هذه القروض، "وكأن سحر نصر تأخذ هذه الملايين كى تشترى بيتًا جديدًا فى الساحل وتجوز ولادها."
الحقيقة أن ما فعلته سحر نصر كان بحكم الحاجة التى لا تعرفها عزيزى القارئ إلا إذا لم تجد رغيف العيش أو بنزينًا لعربيتك، كان لزامًا عليها وبتكليف أعلى منها أن تتحرك فورًا، وأن تأتى بما هو مطلوب للبلد، وما أدراك عن التكليفات للوزراء فى هذه الأيام، لأن الحساب مافيهوش رحمة، لأن القيادة الحالية للدولة ليس لديها رفاهية الوقت.
أذكر أن أحد المستثمرين العرب الكبار الذى أعمل مستشارًا قانونيًا له كان يتحدث إلى سحر نصر فى حديث عابر، فقالت له علينا أن نجلس سويًا لأسمع منك كل ما تريد أن تقوله "طبعًا أنا فى الوقت ده مش عاوز كلمتين تثبيت من الوزيرة وابتسامتين، والمستثمر يغنى ظلموه بعد كده".
الحقيقة الراجل قال لها أنا مسافر فى اليوم التالى، وللأسف فى وقت مبكر، إلا إذا كنت سيادتك لا تمانعين فى ميعاد مبكر.
ردت سحر نصر فى تحدٍ مبهر "أنا هأكون عندك سبعة الصبح"، طبعًا الحقيقة كان موقفًا رائعًا، وفعلًا حضرت الوزيرة فى الميعاد، وتركت "انطباع هايل" عند الجميع بعد الاجتماع، وأضفت مصداقية للحكومة المصرية، لاسيما فيما يتعلق بمجال حيوى، هو الاستثمار.
سحر نصر بتوليها وزارة الاستثمار ستضطر إلى التعامل مع مراكز القوى، وقد تستخدم ضدها أسلحة لا تراها، ولم تعتد عليها فى وزارة التعاون الدولى، لكن لديها من النقاء والشفافية ما يجعلها تنتصر على هؤلاء، كذلك أتخيل أن لديها جانبًا كبيرًا جدًا من المصداقية لدى القيادة السياسية.
الثانية، هى نبيلة مكرم، والحقيقة هذه السيدة طلب منها أن تخلق وزارة من العدم، فلم يسبق أن كانت هناك وزارة للمصريين فى الخارج، ولا كان هناك تعارف على كيفية لأداء عمل هذه الوزارة، ويمكن أن يكون خطاب التكليف فيه شِعر عن العمل من أجل حل مشكلات المصريين فى الخارج، وإزالة العقبات التى تحول بينهم وبين الوطن، وما أسهل الكلام، وما أصعب التنفيذ.
بدأت نبيلة مكرم تجمع محتويات لمقر وزارتها الجديدة، لأنه لم يكن هناك مقر، حيث إنها وزارة جديدة، وبدأت تختار معاونيها، وبدأت تختار إداريين وفنيين، وعليها فى هذا الوقت أن تسرع وتدرب وتوجد ميزانيات للتعيين، ثم بدأت تخلق آلية للعمل ومنهجًا يمكن أن يكون عملًا يوميًا لخدمة المصريين فى الخارج، كان عليها فى هذا التوقيت أن تجيب عن السؤال الصعب الذى تركت له بمفردها، وأقول وبحق تركت للإجابة بمفردها.
السؤال: ما الأدوات التى تستخدمها وزارة الهجرة وشؤون المصريين فى الخارج كى تؤدى عملها؟
فالخارجية لديها القنصليات، وهم من مهام عملهم أن يقوموا بهذا الأمر، ولكن فى حدود معينة اعتدنا عليها، وقد يكون طموح الوزيرة أكبر، وفى نفس الوقت هم زملاء للوزيرة سابقون، بحكم عملها السابق فى وزارة الخارجية، وقد يكون بعضهم أكبر منها سنًا وأقدمية "وطبعًا الحاجات دى عندنا فى مصر لطيفة جدًا"، فكان لزامًا عليها أن تتخطى كل هذه العقبات، وأن تحاول أن تخلق عملًا وفكرًا وآليات لتنفيذ كل ذلك، كانت أحيانًا حالمة وأحيانًا أخرى كنت أشفق عليها من صعوبة المهمة، ومن محاولة البعض أن يصيبها بالإحباط، أو ينتقص من دورها، إلا أنها صمدت أمام كل هذا، واستطاعت بأقل الإمكانيات أن تخلق دورًا لهذه الوزارة على طاولة رئاسة مجلس الوزراء، وأيضًا على أرض الواقع.
إن للمرأة المصرية فضلًا كبيرًا علينا جميعًا، فهى الأم والزوجة والأخت والابنة، هى التى تحملت آلامًا شديدة جدًا على فراق أبنائها دفاعًا عن هذا الوطن، وهى التى أبهرتنا جميعًا بحضورها السياسى فى كثير من المشاهد التاريخية، لاسيما طوال الأعوام الخمسة الماضية، فيجب علينا الآن ألا نقلل من دورها فى تولى المراكز القيادية، وأن نكون داعمين وبحق لها، وأن نتخلى عن نظرة الشك فى الأداء، التى اعتدنا توجيهها للمرأة، وأن نجنبها حروب تجمعات المصالح التى تهدف إلى الهدم وإحباط الهمم.
لدينا وزيرات فضليات فى الحكومة غير من ذكرت، ولدينا سيدة "محافظ" لأول مرة فى عهد الرئيس السيسى، ولن أستغرب أن رأيت إحدى الوزيرات فى منصب رئيسة الحكومة، فهذا أمر يمكن أن يحدث فى مصر الجديدة التى تؤمن تمامًا بدور المرأة.
«طبعا واحد خبيث هايقولى إنت عارف مين اللى بيبقى قاعد على يمين رئيس الحكومة؟ أقول له ياسيدى ساعتها هنلاقى حل بروتوكولى»، المهم أن الدولة مقتنعة فعلًا بأحقية المرأة فى تولى هذه المناصب.
إن البعد الاجتماعى لدور السيدات المصريات، والمهام الأسرية والاجتماعية، تجعلنى وبحق أوجه كل التحية لأزواج هؤلاء الوزيرات، فهم الأرقى والأكثر فضلًا وتحضرًا، فبالتأكيد تحمّلوا اجتماعيًا وأسريًا أشياء لا تحتمل، وأعرف أن طبيعتنا الشرقية قد لا تنسجم مع كثير من الأمور التى تتطلبها الوظيفة العامة، إلا أن هؤلاء الرجال كانوا وما يزالون وبحق مثالًا للتحضر وللتفاهم، وقوة وسندًا لزوجاتهم فى سبيل أداء العمل العام على أكمل وجه.
لكل سيدة مصرية، أم وزوجة وموظفة، لكِ منى كل الاحترام، والمجتمع كله مدين لكِ بأشياء كثيرة، وعليكِ ألا تؤمنى بما فرضه عليك الماضى والعادات التى تنتقص من حقك، واعلمى أنك مسؤولة مع الرجل عن تقدم وازدهار هذا الوطن.
وإلى وزيرات الحكومة الحالية: "إنتوا بميت راجل"