وائل السمرى يكتب: هل يحصل الأب قاتل ابنه فى أسيوط على البراءة بحكم الشريعة الإسلامية؟.. حديث صحيح يؤكد: لا يقتل والد بولده.. والفقهاء: ولا حتى الجد.. والشافعى: رأيت غالبية أهل العلم يفتون بهذا فسرت عل

- الإمام مالك قال لا يقتل الوالد بولده إلا إذا ذبحه ذبحا بالسكين والخليفة عمر بن الخطاب قال لقاتل ابنه: «لولا أنى سمعت حديث الرسول لقتلتك» هذا ما شاهده الملايين، عشرات المواقع الإلكترونية نشرت الفيديو، غالبية القنوات الفضائية أذاعته كذلك، رجل يقترب من شاب فى حالة هستيرية، يحاول الشاب الابتعاد عن الرجل فيغادره، يدير ظهره إليه، فيتلقّى فى الظهر رصاصة، يطلق عليه الرصاص مرة بعد مرة، يسقط الشاب غارقا فى دمائه، يتلوى، تحتضنه سيدة معرضة نفسها للرصاص، يحاول الرجل الاقتراب من السيدة وإطلاق الرصاص عليها هى الأخرى، لكن القدر يحرم فوهة المسدس من مرور رصاصة أخرى، يقبل عليها ضاربا إياها بكعب المسدس، فيتجمع الناس حوله، فيسارع بالهرب، جريمة قاسية اهتز لها الجميع، لكن ما ضاعف من دهشة المتابعين هو أن هذا الرجل أبو الشاب الذى مات وزوج السيدة التى تلقت ضربات كعب المسدس، لكن هل يعلم المتابعون أن هذا الرجل ربما يحصل على البراءة من هذه الجريمة، بحكم الشريعة الإسلامية التى نتكاسل عن تجديدها؟ نعم قد يحصل هذا الرجل على البراءة، برغم ما قد تحمله هذه البراءة من صدمة للجميع، هذا الرجل الذى أكدت تحريات المباحث التى نشرها موقع «انفراد» أنه دائم التعدى على أفراد أسرته قد يحصل على البراءة، فلم تكن هذه الواقعة الأولى، وربما إن حصل على البراءة لن تكون الأخيرة، فقد عانت هذه الأسرة من وجود خلافات أسرية مستمرة بين الأب والأم، فالأب «٦٥ سنة» يرغب فى الزواج من سيدة أخرى لذا هو دائم الخلاف مع زوجته والدة الشاب القتيل وسبق أن طعنها عدة طعنات بسلاح أبيض منذ نحو 3 أشهر ودخلت على أثرها مستشفى أسيوط الجامعى، وحررت ضده محضرا وأمرت النيابة حينها بحبس الأب 15 يوما على ذمة التحقيقات، وخرج على ذمة القضية التى أحيلت إلى محكمة منفلوط، وبعد تماثل الزوجة للشفاء خرجت من المستشفى وعادت إلى منزل أهلها، لكن هذه الأم للأسف كانت على موعد مع أقسى اختبار يمكن أن يوضع فيه إنسان، اختبار قتل الابن، وأمام عينيها، بل وهو فى حضنها «حرفيا». هل بعد هذا كله يمكن أن يحصل الأب على البراءة؟ والإجابة صريحة واضحة برغم غرابتها: نعم من الممكن أن يحصل الأب على البراءة بحكم الشريعة الإسلامية «المصدر الرئيسى للتشريع» كما ينص الدستور المصرى، فما ورد فى الأثر يؤكد هذا الأمر ويدعمه، إذ يقول الحديث الشريف: «لا يقتل الوالد بالولد» رواه الترمذى وابن ماجه وصححه الألبانى، وفى رواية أخرى: «لا يقاد الوالد بالولد». رواه أحمد والترمذى، وصححه ابن الجارود والبيهقى والألبانى، أما الحكم فى هذا فهو من وجهة نظرهم هو «الدية» كما جاء فى موطأ الإمام مالك، وكما ذكر ابن ماجه: وفى هذا يذكرون واقعة حدثت مع الإمام عمر بن الخطاب تقول إن رجلا من «بنى مدلج» قتل ابنه، فأخذ منه عمر مائة من الإبل وهى واقعة صححها «الألبانى» وذهب الكثير من الفقهاء إلى أنه لا يقتل الوالد بولده ، واحتجوا بالحديث السابق، وهو ما رواه الترمذى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِى الْمَسَاجِدِ وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَد» وروى أحمد وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قتل رجل ابنه عمدا، فرفع إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فجعل عليه مائة من الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين ثنية، وقال لا يرث القاتل؛ ولولا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لا يقتل والد بولده» لقتلتك. والحديث مختلف فى صحته لكنه غالبية الفقهاء تقر بالعمل به كما سنرى بعد قليل فى تعليق الإمام محمد أبو زهرة، كما أن «شعيب الأرنؤوط» حسنه فى تحقيق المسند، وصححه الألبانى فى «إرواء الغليل» وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنه إن قتله حذفا بالسيف ونحوه لم يقتل به وإن ذبحه أو قتله قتلا لا يشك فى أنه عمد إلى قتله دون تأديبه أقيد به، وفقا لمقالة كتبها الشيخ محمد صالح المنجد فإن ابن عثيمين قال بعدم قتل الوالد بولده والدليل الحديث المشهور: «لا يقتل والد بولده» ، هذا من الأثر، ومن النظر: أن الوالد سبب فى إيجاد الولد، فلا ينبغى أن يكون الولد سببا فى إعدامه، والكثير من العلماء حتى الآن يؤكدون أن الوالد لا يقتل بولده، أما ما يترتب على هذا القتل فهو فى «التعزير» أى التأديب والزجر، ومنه: أنه لا يرث من مال ابنه القتيل ولا من ديته حيث يقول ابن عبد البر فى «التمهيد»: وأجمع العلماء على أن القاتل عمداً لا يرث شيئاً من مال المقتول ولا من ديته، وروى عن عمر وعلى ولا مخالف لهما من الصحابة، ويدل له قول النبى صلى الله عليه وسلم: ليس للقاتل من الميراث شىء. رواه الدارقطنى والبيهقى وصححه الألباني. ولا يقف الفقهاء عند هذا الحد، فلا يعفى الأب قاتل ابنه من العقوبة فحسب، وإنما يعفى الجد أيضا من قتل حفيده، وحجتهم فى هذا هو أن الجد عند كثير من أهل العلم مثل الأب، فلا يقتل بولد ولده للأبوة المانعة من ذلك، فيقول المؤلف أبو الحسن على بن محمد بن محمد بن حبيب البصرى البغدادى، الشهير بالماوردى (المتوفى: 450هـ) فى كتابه الحاوى الكبير فى فقه مذهب الإمام الشافعى»: لا يقتل الجد بابن ابنه، ويقول ابن عابدين فى رد المحتار على الدر المختار «لا يقتل الجد لأب أو أم وإن علا، وكذا الجدات» وقال ابن قدامة فى المغنى: والجد وإن علا كالأب فى هذا، وسواء كان من قبل الأب أو من قبل الأم، فى قول أكثر مسقطى القصاص عن الأب. نعم هذا ما ورد فى الأثر، وهذا ما حكم به فقهاء الدولة الإسلامية منذ نشأتها، وقد قال الإمام الشافعى أنه رأى الكثيرين من أهل العلم يقولون بهذا الأمر فسار على نهجهم، ما يدل على أن إعفاء الأب من الحد أو من العقوبة بقتل الابن كان أمرا أشبه بالمسلمة، وهو أمر يدعونا إلى التفكير فى كيفية قبول المجتمع المسلم لهذا الأمر، فبعض الفقهاء قالوا إن حب الأبناء من الفطرة، وهو الحب الذى لا يعادله حب، مؤكدين أنه لا يمكن أن يقبل أب على قتل ابنه وهو فى كامل وعيه، لأنه بهذا يخالف ما فطره الله عليه، ولهذا فإنهم يضعون الأب فى هذا الحال موضع «المجنون» أم موضع من أصابه جنون عارض. هنا يحق لك أن تتساءل: هل هذه الأقوال تعود إلى قدامى الفقهاء فحسب أم أن الفقهاء المعاصرين يسيرون على نفس الرأى؟ والإجابة نجدها عند واحد من أهم أعمدة الفقه فى العصر الحديث وهو الإمام محمد أبو زهرة صاحب الباع الطويل فى تاريخ الفقه الإسلامى، وصاحب الآراء القوية فى محافظتها وتجديدها فى آن، إذ يقول الإمام فى كتابه الشهير «الجريمة والعقوبة فى الفقه الإسلامى» فى باب بعنوان «لا يقتل أحد الأبوين بوالدهما» إن هذا مبدأ مقرر عند جمهور الفقهاء، ولقد أطلقوا القول فيه، وقد وافق الجمهور مالكا (يقصد الإمام مالك) إلا فى حال القتل الذى يكون قد سبقه الإصرار، وذلك كما صوره ابن رشد بأن يضجعه ويذبحه، فإن مالكا قال: إن فى هذه الصورة يقتل الوالد بولده» وفى تعليق أبو زهرة على حديث «لا يقتل والد بولده» يقول إنه «حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق، مستفيض عنده، يستغنى بشهرته وقبوله والعمل عن الإسناد فيه حتى يكون الإسناد فى مثله على شهرته تكلفا» ويؤكد هذا القول برجحان الحديث بحديث آخر هو «أنت ومالك لأبيك» مؤكدا أن مسألة ملكية الأب للابن وماله معا تكفى لدرء شبهة القصاص من الأب الذى يقتل ابنه» السؤال الآن: هل يجوز تطبيق هذا الحكم على الواقع المعاصر؟ والإجابة قاطعة لا تقبل الشك: لا، فالجريمة جريمة، ولا يجوز أن نتغافل عنها أبدا، وفى الحقيقة فإن إقدام الأب على قتل ابنه لا يدل فحسب على جنونه، وإنما يدل أيضا على خطورته، وإن كانت فلسفة العقوبة تهدف إلى القصاص من الجانى فى مقام، فإنها تهدف أيضا إلى حماية المجتمع من خطورة الخطرين، ولهذا فلا يجوز أن نأخذ بهذا الحديث حتى وإن كان صحيحا حقا، لأنه يهدر العديد من المبادئ الإنسانية، كما يهتك حرمة الدم التى حرمها الله والتى وضعها فى المرتبة الثانية فى الجرم بعد الشرك به، كما لا يجوز أن نراعى «مشاعر» أب، ونحن نهدم مقصدا من أهم مقاصد الشريعة، ولهذا فلابد من تصحيح مفهوم «حاكمية ظاهر الأحاديث» حتى لا نقع فى التضارب بين قرآن يحرم قتل النفس وتفسيرات للسنة تعفى الأب من العقوبة وفطرة تأبى سفك الدماء عامة فما بالك بدماء الأبناء؟



الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;