سعيد الشحات يكتب: ذات يوم ..20 سبتمبر 1961 عبد الحميد السراج يشكو عامر لعبد الناصر: «سلمتنى لمن أهاننى فأرجو إعفائى»

طارت البرقية من عبد الحميد السراج فى دمشق إلى جمال عبد الناصر فى القاهرة، تقول صراحة «إما أن أكون أنا فى دمشق، أو يكون المشير عبدالحكيم عامر»، ثم أرسل برقية ثانية صباح 20 سبتمبر «مثل هذا اليوم من عام 1961» نصها بالحرف «إنك سلمتنى إلى من أهاننى فأرجو إعفائى»، إمضاء: عبد الحميد السراج، وفقا لما يذكره محمد حسنين هيكل فى كتابه «سنوات الغليان» «مركز الأهرام للترجمة والنشر - القاهرة». يذكر «هيكل» هذه القصة فى سياق الأجواء التى سادت قبل انفصال سوريا عن مصر يوم 28 سبتمبر 1961، وانتهاء دولة الوحدة (الجمهورية العربية المتحدة) بعد أكثر من ثلاث سنوات من قيامها (بدأت 22 فبراير 1958)، ويرصد محمود رياض (وزير خارجية مصر من 1964 إلى 1972 وأمين عام جامعة الدول العربية من 1972 إلى 1979) فى الجزء الثانى من مذكراته «الأمن القومى العربى بين الإنجاز والفشل» عن «دار المستقبل العربى - القاهرة أسباب إجهاض تجربة الوحدة، وكان سفيرا لمصر فى سوريا وقت قيامها، يقول: «قبل الانفصال بدأت مشكلة عبد الحميد السراج تطفو على السطح، وكان ولاء السراج للوحدة ولعبدالناصر بدون حدود، واكتسب خبرة طويلة فى شؤون الأمن فى سوريا، مما جعله أصلح من يتصدى للمتآمرين ضد الوحدة». ويذكر هيكل: «تكونت الجبهة ضد الوحدة فى سوريا من بقايا النظام السابق، بما فيهم الذين عارضوا قيامها وبينهم الشيوعيون، واتسعت حتى انضمت إليها أقوى الجماعات فى الطبقة المتوسطة خصوصا بين التجار على أثر صدور قرارات يوليو الاشتراكية 1961، التى شملت تأميم الشركات الخماسية، وكانت أكبر تجمع مالى سورى». ويضيف هيكل: «أعيد تنظيم الحكم فى الجمهورية العربية المتحدة، وبرز على القمة فى سوريا رجلان أصبح كلاهما نائبا لرئيس الجمهورية، المهندس «نور الدين كحالة» نائب رئيس الجمهورية لشؤون الإنتاج، والثانى هو «عبد الحميد السراج» نائب رئيس الجمهورية للشؤون الداخلية، وجمع «السراج» مفتاحين من مفاتيح العمل السياسى وهما التنظيم الشعبى الممثل فى الاتحاد القومى، وجهاز الأمن الممثل فى المباحث والمكتب الثانى، وبهما «ساد فى دمشق إحساس عام بأن «السراج» أصبح واقعا وعملا حاكم سوريا. يضيف هيكل: «لعل جمال عبدالناصر أراد أن يتدارك هذا الوضع فطلب إلى عامر أن يكون ممثلا له فى سوريا، وكان مزاج كل من الرجلين اللذين قدر لهما أن يوجدا على القمة فى دمشق فى تلك الأيام متوترا إلى أقصى درجة بحكم طبيعة وظروف كل منهما، فعامر وجد نفسه وكأنه «نائب الملك» فى دمشق، وراح يتصرف على هذا الأساس، ومحيطه فى دمشق تحول إلى شبه بلاط تزدحم فيه شبه حاشية، ومن ناحية أخرى فإن «السراج» لم يكن راغبا أن يجد نفسه تحت رقابة عامر، خصوصا أنه كان فى وضع يسمح له برؤية تصرفات عامر «عن قرب». التناقض بين الرجلين انعكس بشدة على الواقع، ويذكر هيكل: ضباط مكتب المشير كانوا جميعا ممن يعتبرهم «السراج» أعداء له، وبالفعل فإن بعضهم أصبح ينظر إليه ويتعامل معه باعتباره «العدو»، ومن جانبه فإن «السراج» راح بتصرفاته كل يوم يؤكد أنه «القوة الحقيقية» فى سوريا، ووصلت الأمور بينهما إلى حالة مهينة ليس لكرامة كليهما فقط، ولكن للدولة التى يمكن أن تحسب عليها فى النهاية تصرفاتهما معا، ووصلت إلى نقطة الخطر فى أوائل سبتمبر 1961، فقد بدأ عامر، يقول إن رجال «السراج» فى الداخلية وفى الاتحاد القومى يهاجمونه علنا، ثم هدد «السراج» بالاستقالة حين أصدر المشير أمرا بنقل عدد من ضباطه إلى القاهرة، وأضاف إلى تهديده بالاستقالة عبارة سرى رنينها فى محافل دمشق وهى: «إنه يستطيع إخراج عبد الحكيم عامر من دمشق مضروبا بـ«البنادورة » (الطماطم)»، ويؤكد هيكل: «من الإنصاف القول بأن السراج أعد قائمة بأسماء ضباط يعتقد أنهم متورطون فى الترتيب للانقلاب على الوحدة، وكانوا من أقرب أعوان المشير ومن هيئة مكتبه، وكان الرد السهل على هذه القائمة أنها محاولة للدس من جانب «السراج». وفى 20 سبتمبر كتب «السراج» رسالته إلى عبد الناصر يطلب إعفائه، وحسب هيكل، استدعاه عبد الناصر إلى القاهرة واجتمع معه ثلاث ساعات، لكن الكراهية بينه وبين عامر غلبت كل شىء، وفيما صمم على أنه لم يعد هناك مجال للتعاون مع عامر، كان عامر يلح من دمشق على قبول استقالة «السراج»، وفى ظل هذا الصراع بين الرجلين المسؤولين عن الوحدة، كانت مؤامرة الانقلاب على وشك، وحسب هيكل «كانت تحت الإعداد والتخطيط منذ شهور، وكانت ملايين الدولارات ترصد وتدفع».



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;