لم يجد الفريق محمد أحمد صادق، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، ياسر عرفات «أبو عمار» رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية فى مقر الاستخبارات العسكرية الفلسطينية فى جبل اللوبيدة بالأردن، كان صادق موجودا فى الأردن ضمن الوفد العربى برئاسة الرئيس السودانى جعفر النميرى لبحث وقف القتال الدائر بين المقاتلين الفلسطينيين والجيش الأردنى، وفيما انشغل الوفد بمباحثاته مع المسؤولين الأردنيين، انشغل «صادق» بالمهمة المكلف بها من عبد الناصر سرا وهى إحضار «عرفات» إلى القاهرة (راجع ذات يوم 24 سبتمبر 2017 ).
كانت هذه المهمة معقدة، لأنها ستتم من وراء ظهر المسؤولين الأردنيين، وحسب الراوية الفلسطينية التى يذكرها اللواء محمود الناطور «أبو الطيب» فى مجلده الأول «حركة فتح بين المقاومة والاغتيالات-1965 -1982»: «خلال وجود الفريق صادق فى مقر الاستخبارات العسكرية بجبل اللوبيدة، حيث لم يجد عرفات هناك، جاءت برقية أخرى مستعجلة إليه من الرئيس عبد الناصر بالتأكيد على ضرورة إحضار أبو عمار للقاهرة، فسلم الفريق صادق البرقية إلى اللواء إبراهيم الدخاخنى لأنه كان يعلم اتصاله الدائم مع خليل الوزير «أبو جهاد» بواسطة جهاز اللاسلكى، وكان اسم «الدخاخنى» الحركى هو «أبو اليسر»، وقام الدخاخنى بالتنسيق مع أبو جهاد بترتيب الأمور لانتقاله إلى حيث يوجد أبو عمار بهدف اصطحابه إلى السفارة المصرية فى جبل عمان الذى يوجد فيها الوفد العربى».
يضيف «الناطور»: «طلب أبو عمار من قائد حرسه أبو حسن سلامة دراسة خطة الوصول للسفارة المصرية، فبعث لى أبو حسن مستفسرا عن الطريق الملائم وطالبا توزيع مجموعات للاستطلاع والحماية، فاخترنا طريقا بعيدة عن الشوارع الرئيسية، ويتخللها الانتقال من بيت إلى بيت عبر الدخلات والأزقة تفاديا لأى صدام مع الجيش الأردنى، ويتقدم أفراد المجموعة من منزل إلى منزل، ثم يشيرون للأخ أبو عمار ومن معه بأن يتبعوهم، وهكذا استمر السير إلى أن وصل أبوعمار مبنى السفارة، واتخذ من منزل خلف السفارة المصرية يسكنه الضابط زاهر لاشين، نائب الدخاخنى، مكانا لمنام أبو عمار».
يذكر«الناطور» أن «سلامة» قام بدراسة خطة خروج عرفات مع الوفد العربى إلى المطار ثم إلى القاهرة، وكان الطريق من السفارة المصرية إلى المطار ملىء بالآليات والمصفحات والجنود، فاقترح «سلامة» أن يتنكر عرفات بلبس دشداشة وحطة وعقال كويتيين يرتديهم الشيخ سعد الصباح، وكانت هناك مشكلة أن الشيخ سعد الصباح طويل القامة وجسده ضخم، بينما عرفات رفيع متوسط القامة، وانهمك «سلامة» والضابط المصرى فى ترتيب الدشداشة بحيث تبدو مناسبة، وعندما انتهى الأمر ارتدى عرفات الزى الكويتى، وتم التشييك على جاهزية عائلتين من العوائل الدبلوماسية التونسية الراغبين بالمغادرة على الطيران المصرى»، ويضيف «الناطور» أصبح الكل جاهزا للتحرك، وتوجه موكب الوفد العربى برئاسة النميرى إلى المطار، وكذلك العائلتان التونسيتان الأمر الذى أدى إلى اختلاط الوفد بالعوائل التونسية مما أسهم فى تسهيل عدم الاشتباه فى وجود عرفات ضمن الوفد، وفى المطار أصدر النميرى تعليماته بالصعود فورا ودون بروتوكولات بسبب الأوضاع الطارئة والالتحاق بالقمة العربية بأسرع وقت، وحضر عرفات ومعه أبو حسن سلامة.
تختلف رواية الفريق صادق فى بعض التفاصيل عن رواية اللواء محمود الناطور، ووفقا لما نشره الكاتب الصحفى محمد أمين بعنوان «حلقات من سيرة الفريق محمد أحمد صادق» مجلة أكتوبر–القاهرة–6 نوفمبر 2011، يؤكد صادق، أن الذين سافروا معهم كانوا أفراد أسرة من موظفى السفارة المصرية، فيما يقول «الناطور» إنهم كانوا أفراد عائلتين من تونس، ويزيد «صادق» فى روايته أنه طلب من عرفات حلاقة ذقنه، لكنه عارض بشدة، ثم وافق، كما طالبه بتسجيل بيان بصوته يهاجم فيه الأردن، ويعلن استمرار القتال، كنوع من التمويه لاستكمال مخطط خروجه، ويضيف، أن عرفات ركب فى سيارة بين سيدة مصرية وابنتها حتى وصلت إلى المطار، واتجه على الفور إلى الطائرة بينما كان صادق يشاغل الضابط الأردنى المسؤول، وأقلعت الطائرة.
يؤكد صادق، أنه فى يوم 25 سبتمبر «مثل هذا اليوم» عام 1970،اتصل بالرئيس عبد الناصر الذى بادره بالسؤال: ماذا فعلت؟. أجاب صادق: أبو عمار معى فى المكتب، فرد عبد الناصر مندهشا: معك فى القاهرة، أجاب صادق: نعم يافندم هو بجوارى الآن يرتدى بدلة الياور المرافق لى، فقال عبد الناصر: حالا تكون عندى فورا، يؤكد صادق: بعد دقائق كنا فى منزل الرئيس عبد الناصر، وكان اللقاء مؤثرا وتعانق مع عرفات مرددا عدة مرات: الحمد لله.