حازم حسين يكتب: التجريب فى التخريب.. هل يتعمد حلمى النمنم دفعنا للترحم على أيام فاروق حسنى؟.. تشويه مهرجان القاهرة للمسرح التجريبى يبدأ بالاسم والعودة أضعف من 2010.. اختيار العروض بلا منطق والتنظيم "ح

لماذا شاهدت اللجنة الدولية عرضا من إيران؟ وهل يمكن أن تشاهد عرضا إسرائيليا؟ لجنة المشاهدة ترفض مشاركة عرض أوروبى بسبب ظهور إحدى الممثلات بمايوه! وزير الثقافة يتأخر على حفل الافتتاح 40 دقيقة ويلقى كلمة ركيكة غير مترجمة "التنورة" تنسف فلسفة مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى من لحظة افتتاحه محمد رياض يستظرف ويسخر من المكرمين فى الافتتاح بأداء "أوفر" وحضور ثقيل دورة 2017 تتراجع عن 2016.. والدورتان أقل فنيا وكمّيًّا من مهرجان 2010 المهرجان يستضيف 24 عرضا بعد 30 فى 2016.. و59 فى أخر دورة قبل الثورة عروضا من 14 دولة فى 2017 مقارنة بـ47 فى 2010.. و9 مسارح مقارنة بـ21 17 عرضا عربيا وأجنبيا "ضعيف المستوى" من 200 عرض عالمى تقدمت للمهرجان 3 عروض لأمريكا غير المؤثرة تجريبيا.. وغياب بولندا وإيطاليا "الطليعيتين" سامح مهران يؤكد مشاركة 27 عرضا قبل المهرجان بـ10 أيام.. والعدد يتراجع مع الافتتاح 3 من المكرمين والضيوف يعتذرون عن المشاركة.. وغياب 3 عروض عربية وأجنبية "التجريبى" يصدر 327 كتابا فى 22 دورة.. وآخر دورتين "نشرة وكتيب فقير" لجنة الإعلام تحجز فندقا فى الدقى رغم حديث إدارة المهرجان المتواصل عن فقر الموارد النشرة اليومية تقدم تغطيات ومعالجات سطحية للفعاليات.. والأخطاء اللغوية "فضيحة" سوء التنظيم يسيطر على المسارح.. والموظفون يهينون الجمهور فى متروبول والأوبرا زحام واشتباك فى كثير من المسارح.. وإدارة المهرجان تهدر 37 ليلة عرض متاحة هل علينا الآن أن نترحم على فاروق حسنى وأيامه؟ ربما يبدو السؤال مهينا بعد ثورتين مهمتين شهدتهما مصر، ولكن الحقيقة أنه لا يمكن فهم آلية عمل وزارة الثقافة بشكل عام، والوزير حلمى النمنم بشكل خاص، وإدارة مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى ورئيسه الدكتور سامح مهران بشكل أكثر تخصيصا، إلا فى إطار أنها محاولات حثيثة ومتواصلة ومخلصة جدا من جانبهم، لدفعنا نحو استشعار مدى الفراغ والتردى اللذين أصابا العمل الثقافى، والترحم على أيام رئيس المهرجان السابق الدكتور فوزى فهمى، وأيام فاروق حسنى ووزارته، التى كانت تعرف ماذا تفعل، وتملك رؤية لفعله، وهو ما تعيش الثقافة المصرية عارية منه الآن. مساء الثلاثاء الماضى، كانت القاهرة على موعد مع افتتاح الدورة 24 لمهرجانها الدولى للمسرح، وبحسب البرنامج المُعدّ سلفا كان مقررا أن ينطلق المهرجان فى الثامنة مساء، ولكن حلمى النمنم تأخر 40 دقيقة، فأخّر الافتتاح ساعة كاملة، بينما كان المسرح الكبير بالأوبرا مليئا بالضيوف المصريين والعرب والأجانب، لم يعتذر الوزير عن التأخير، ولم يهتم بامتصاص غضب الضيوف، بل وصلت الاستهانة إلى إلقاء كلمة قصيرة لا تتجاوز دقيقتين، ولأنها مرتجلة - ودعك من مستواها الركيك - فلم يتوفر لمقدمة الحفل باللغة الإنجليزية أن تنقل ترجمتها للحضور، فعبر وزير ثقافة مصر على افتتاح أحد أهم مهرجانات مصر، وتكلم، ولكن لم يسمعه الضيوف ولم يعرفوا ما يقول، ويبدو أن الرجل لا يعنيه التواصل معهم ولا مع غيرهم من الأساس، فلم يظهر لاحقا فى أية فعالية من فعاليات المهرجان، ولم يبد أنه مهتم به بأى درجة، تماما كما لا يظهر طوال العام وسط المثقفين وفى فعالياتهم، إلا ظهور الضيف العابر الخفيف، لهذا فهو فى الغالب أقل رجال وزارة الثقافة معرفة بالوزارة، ما يختلف جذريا عما كان عليه فاروق حسنى، الذى كان يعرف "دبة النملة" فى الوزارة وهيئاتها، ونحن فى هذا لا نمدح الوزير الأسبق، سواء يستحق المدح أو لا، ولكننا نستهجن آلية تعامل حلمى النمنم مع وزارته، ومع فكرة الثقافة برُمّتها، ومحاولته العنيفة لإجبارنا على الترحم على أيام فاروق حسنى. افتتاح هذيل وفلكلورية مضحكة.. وتقديم ملىء بالاستظراف جاء افتتاح المهرجان هذيلا وغريبا للغاية، اختار ناصر عبد المنعم أن يكون افتتاح مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى عرضا لفرقة التنورة التراثية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، ولا تسأل أرجوك عن علاقة 25 دقيقة مغرقة فى الفلكلورية بالمعاصرة أو التجريب، حتى لو راوغ المهرجان باختيار شعار "المسرح بين التراث والمدينة" عنوانا لمحوره الفكرى. شكّل "عبدالمنعم" صورته بثمانى ستائر شيفون ساقطة على جانبى المسرح، تتوزع على أربعة مستويات، يعلوها قرص دائرى مفرغ ومكسو بالخيامية، واضعا العازفين فى هلال عمقه باتجاه عمق المسرح، مع تبادل إخراج عازفى الإيقاع "الصولو" من بينهم بالتناوب، وإخراج راقصى التنورة من مقدمة يمين المسرح، وحاول إكساب صورته الرتيبة ديناميكية عبر التلاعب بالإضاءات الأفقية والرأسية، ولكنه حافظ على الطابع الفلكلورى بشكل مغرق فى التقليدية، لم يراهن على أى تصور بصرى أو بنائى جديد فيما يخص علاقة الراقصين بالخشبة أو الجمهور أو ببعضهم، ولم يطور علاماته البصرية لتحمل أى ظل للمعاصرة أو التجريب، بما يتماشى مع المهرجان وأجوائه وشعاره ومراميه، وربما لهذا بدأ عرضه دون لافتة المهرجان، وأسقطها من أعلى المسرح عقب انتهاء "الشو" الذى خرج عرضا يليق بافتتاح حفل طهور أو زواج فى حى شعبى. اختيار محمد رياض لتقديم الفعاليات لم يكن موفقا، حاول تعبئة الأجواء بالاستظراف، تورط فى موقف غير لطيف مع المكرم المغربى حسن المنيعى، وسخر من اسم المكرم الصينى "منج جن هوى"، وكان مُفتعَلا فى تقديم الضيوف ومحاولة الخروج من سقطاته العديدة، والمحصلة أن افتتاح أهم مهرجان مسرحى فى مصر والشرق الأوسط خرج فقيرا، وكانت همهمات وأصوات امتعاض ضيوف الفرق العربية والأجنبية تنافس أصوات المقدمين وكلمات المكرمين. جهد مشكور.. ولكن النوايا الحسنة وحدها لا تكفى انطلقت الدورة الأولى للمهرجان فى 1988 باسم "مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى"، مستهدفا مواكبة أحدث الأشكال والمناهج المسرحية، والتجارب الطليعية والتجريبية المتجاوزة للمألوف والكلاسيكى فى هذا الفن، واستمر المهرجان 22 دورة بانتظام، وبعد دورة 2010 بثلاثة شهور اشتعلت ثورة 25 يناير 2011، فتوقف المهرجان. فى 2014 صدر قرار وزارى برقم 843 بعودة المهرجان بصيغة جديدة "مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى" لتُعقد دورته الـ23 فى 2015، وبدأت الاستعدادات بالفعل، ولكن مرت سنة كاملة ولم تأخذ وزارة الثقافة ووزيرها السابق عبدالواحد النبوى أى موقف عملى لاستعادة المهرجان، ما دفع المركز المصرى للمعهد الدولى للمسرح لإصدار بيان فى 10 سبتمبر 2015 يدين فيه الوزارة ويناشد الوزير الثقافة بالتحرك لعودة المهرجان. رغم البيان لم يتحرك "النبوى"، وظلت ضغوط المسرحيين قائمة ومتصاعدة، حتى نجحوا فى استعادة المهرجان ليعقد دورته الـ23 العام الماضى، فى وجود حلمى النمنم، ولأن المهرجان واجه صعوبات وعقبات عدّة، تعامل الجميع مع دورة 2016 باعتبارها دورة "مغفورة الذنب"، لم يتوقف أحد عند ما شابها من هنات وملاحظات وعشوائية فى التنظيم واختيار العروض، رآها الجميع فرصة لاستعادة العافية، ورأوا ضرورة تأجيل الحساب مؤقتا، ولكن أن تستمر المشكلات نفسها، بل وتتصاعد حدتها، فى الدورة التالية، فهو ما لا يمكن غفرانه تحت شعار استعادة العافية والخروج من الموات الذى سيطر على المهرجان خمس سنوات، إذ يبدو أنه لا رؤية ولا خطة ولا استراتيجية، فبينما كان يُفترض أن يعود المهرجان من حيث توقف على الأقل، ولا نقول أفضل مما كان، عاد إلى مرحلة أكثر تخبطا من دوراته الأولى، حينما كان مهرجانا وليدا يسعى للتسويق لنفسه وانتزاع حضور بين قائمة مهرجانات المسرح البارزة عالميا. لا يمكن فى حال الإنصاف أن نتجاوز جهد اللجنة المنظمة للمهرجان فى استعادته وإقامة دورة 2016 رغم الصعوبات، ولا الطعن فى النوايا الحسنة التى تحرك أعضاءها طوال الوقت، ولكن النوايا الحسنة وحدها لا تكفى والطريق إلى الجحيم مفروش بقدر لا بأس به منها، واللجنة نفسها لم تدرس أى ملاحظة واجهتها فى الدورة السابقة، وأعادت إنتاج السلبيات نفسها فى 2017، وكأنه لا أمل فى الإصلاح وتجاوز المشكلات، فهل رفض عبدالواحد النبوى إقامة المهرجان وماطل فى إصدار لائحته الجديدة وتوفير مخصصاته فى 2014، لأنه كان يعلم أن إدارته لا تستطيع العودة به إلى ما كان عليه من زخم وحضور فى عهد فاروق حسنى، فآثر ألا يضع نفسه موضع المقارنة؟ وهل قرر حلمى النمنم إقامته فى العام الماضى، وتركه على حاله السيئة فى العام الحالى، لأنه يحب المقارنة ويتطوع بالخسارة السهلة فيها، حتى نترحم على أيام فاروق حسنى؟ الحقيقة أن الإجابة لدى الوزير وحده، ولكن الأدلة متاحة للجميع فى كل مسارح مصر التى تستضيف عروض المهرجان. فاروق حسنى × حلمى النمنم.. هل المقارنة فى صالح الوزير الحالى؟ حينما عاد المهرجان فى العام الماضى، كان مقررا له أن يبدأ فى الأول من سبتمبر، وبفعل التخبط وغياب الرؤية تأجل حتى 20 من الشهر نفسه، وضم 30 عرضا من 15 بلدا على 9 مسارح، وكرم 6 مسرحيين، وفى الدورة الحالية تراجع عدة خطوات للخلف، فاستضاف 24 عرضا من 14 بلدا على 9 مسارح، بمراعاة عرض "بلجيكا" العراقى فى جوهره، وكرم المهرجان 5 مسرحيين، وبعيدا عن التراجع الرقمى بالمقارنة بين الدورتين، لا يمكن فهم الصورة بشكل واضح إلا بالمقارنة بماضى المهرجان، ففى دورة 2010 - آخر دورة قبل التوقف - استضاف 59 فرقة مسرحية من 47 دولة، على 21 مسرحا، وكرم 8 شخصيات، وأصدر 24 كتابا مترجما عن لغات عدة. المهرجان فى صيغته الجديدة لم يصدر عبر دورتيه السابقة والحالية إلا نشرة يومية تغطى فعالياته، وكُتيبين للمحور الفكرى ودليل العروض، بينما المهرجان فى صيغته القديمة أصدر 327 كتابا مترجما فى 22 دورة، بمتوسط 15 كتابا تقريبا فى الدورة الواحدة، وبينما قد يرد منظمو المهرجان بأن هناك فارقا فى الموازنة، فالحقيقة أن الفارق ليس كبيرا كما قد يتخيل البعض، وأن المهرجان فى صيغته القديمة كان يتضمن محورا تنافسيا بجوائز مالية تلتهم مئات الألوف من الجنيهات، وهو ما لم يعد قائما فى الصيغة الجديدة، كما أن التكلفة المخصصة للنشرة والكتيبين كانت تكفى لإصدار عدد لا بأس به من الكتب. مهرجان المسرح التجريبى النشرة اليومية للمهرجان فاخرة فى الحقيقة، ولكن على مستوى التنفيذ وخامة الورق فقط، ولكنها على مستوى المحتوى فقيرة ومتهافتة، تعرض محتوى غير متطابق بالعربية والإنجليزية، ولا تقدم مواكبة نوعية مختلفة وعميقة للمهرجان وضيوفه، يقتصر الأمر على متابعة جدول العروض، وبعض المتابعات النقدية الفقيرة والمتعجلة، وتصريحات مقتضبة لمخرجيها، دون اهتمام بنشر مواد معمقة وحوارات موسعة وتغطيات شاملة لإقامة الضيوف وأنشطتهم فى مصر، والجوانب الاجتماعية وكواليس العروض وعلاقات الوفود ببعضها وبالمصريين، فى إطار تحقيق قدر أكبر من المعايشة والتقارب الاجتماعى والثقافى بين الوفود والمسرحيين والمتلقين المصريين، ناهيك عن فداحة الأخطاء اللغوية والإملائية المسيطرة عليها، وسوء الإخراج بصريا وصحفيا. كانت أبرز الملاحظات المسجلة على المهرجان فى صيغته القديمة، اختزال فكرة التجريب فى عروض الرقص والجسد وفيزيائية الجسد، وتقوقعها على الفرق والمسارح التى تتبنى نظريات الروسى فيسفولد مايرهولد حول المسرح الشرطى، وتقنية "البايو ميكانيك" فى تدريب الممثل، وتعامله مع الموسيقى فى إطار رؤية درامية حوارية عضوية أسماها "اللاتوموتيف"، أو تنظيرات الفرنسى أنتونين آرتو حول مسرح القسوة، التى اعتمد فيها رهانا مركزيا على الجسد متعاملا معه كمرآة لكوارث العالم، والمدرستان مشتركتان فى التراجع بسلطة النص ونسفها تقريبا لصالح سلطة المخرج، وتقديم مسرح الصورة على مسرح الكلمة، وبعيدا عن التفاصيل الفنية والمنهجية فى المسرحين، وليس هذا مقام استفاضة فيها، فقد توالت انتقادات المسرحيين المصريين للمهرجان فى صيغته القديمة لأنه سجن نفسه فى إطار تحُدّه هذه التصورات، وكان بعض القائمين على المهرجان حاليا من المنتقدين لهذا، ولكنهم الآن يعيدون إنتاج الأمر نفسه، وهو ما لا يترك متسعا للتمايز بين فاروق حسنى وحلمى النمنم، وهنا تفرض الأرقام سطوتها وتتدخل لصالح الوزير الأسبق. محنة المهرجان التائه.. بين الاسم والاختيار والتنظيم لم يتوقف التشويه على هذا التأطير الذى يخصم من فكرة التجريب بمعناها الاصطلاحى، ولكن امتد حديثا ليطال اسم المهرجان، فسعيا إلى توسيع مدى الرهان الفنى، عمد المنظمون لإضافة صفة "المعاصر" للاسم، ولأنه لا يمكن الوقوف على تحديد منهجى واضح لهذه الصفة، وكل العروض فى كل العالم وبكل صفاتها وأشكالها وتوجهاتها فى جوهرها عروض معاصرة، باعتبار أنها تُقدّم "هنا والآن"، فقد مسخت إدارة مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى شخصية المهرجان، وجعلته مهرجانا "مخنثا" لا هوية له، ويمكن تقديم أى عرض على خشبته، وهو ما حدث بالفعل، ليس فقط مع البداية المحفوفة براقصى التنورة، وإنما عبر عروض تستخدم تقنيات السلويت وخيال الظل بمنهجية ووعى جمالى قديمين، وعروض تستخدم التشخيص بمستواه الواقعى الكلاسيكى، وأخرى تتعامل مع الصورة المسرحية، إضاءة وحركة وديكور وممثلين، وفق أدوارها الوظيفية التقليدية دون أى اشتباك تجريبى على أى مستوى من المستويات، سواء بتعديل أدوار هذه العناصر أو حيزها أو علاقاتها ببعضها، وبين هذه التفاصيل وغيرها أصبحنا أمام مهرجان يشبه مهرجان نوادى المسرح الذى تنظمه هيئة قصور الثقافة لشبابها من الهواة، وبالفعل لم تخرج أغلب العروض عن هذه الدائرة وهذا المستوى، كانت فى أغلبها عروض "نوادى مسرح"، وبينما يكلفنا نشاط النوادى أقل من 500 ألف جنيه لإنتاج عشرات الأعمال تُعرض على عشرات المسارح فى عشرات المدن، أنفقنا على مهرجان المسرح المعاصر والتجريبى عدة ملايين من الجنيهات لنستقدم تجارب لا تجريب ولا مغايرة فيها، وحتى لا عصرية إلا بمعطى "هنا والآن". اختيار العروض يستوجب التوقف هو الآخر، فمن بين أكثر من 200 عرض تقدمت للدورة الحالية، بحسب تصريحات المنسق العام للمهرجان المخرج ناصر عبدالمنعم، اختارت اللجنة 12 عرضا أجنبيا من 9 دول، و5 عروض عربية من 4 دول، بينما كان عدد العروض فى الدورة السابقة أكثر من هذا رغم قلة المتقدمين عن 200، ورغم ثبات الميزانية وعدم تقليصها، ما يستدعى السؤال عن سبب هذا التراجع الكمى، وعن سبب التراجع الكيفى أيضا، فعلى مستوى التنويع لم تشهد قائمة العروض تنوعا واضحا، انحصرت فى مستويين، مستوى فيزيائى يعتمد على الرقص والدراما الحركية، ومستوى سيكولوجى يعتمد رهانا على طاقة الممثل ودوره فى شحن المتفرج، فى إطار رؤية تتراوح بين مسرح القسوة عند أنتونين آرتو، ومسرح المقهورين عند أوجستو بوال، وفى مجملها كانت الرؤى الإخراجية عادية، والحلول البصرية غير مدهشة ولا تستفيد من الإمكانات التقنية الراهنة، ولا من نظريات التلقى والتفاعل الحى مع الجمهور، وحضرت العراق بعرضين واضحين وثالث يستتر خلف هوية بلجيكية، وحضرت الولايات المتحدة الأمريكية بثلاثة عروض، وهى غير معروفة بحضورها القوى فى عالم التجريب والرؤى الطليعية مسرحيا، بينما غابت بولندا وإيطاليا وغيرهما من العواصم المسرحية التجريبية المهمة، وأصبحنا فى النهاية أمام دورة تسيطر أمريكا والعراق على 25% من عروضها، وإذا أضفنا مصر تصل النسبة إلى أكثر من 50%. التنظيم أكبر مشكلات المهرجان، فرغم أن إدارته ولجانه تضم عشرات الفنانين والإداريين، لم يكن المهرجان منضبطا، عرض الافتتاح تأخر ساعة كاملة، وكل العروض بلا استثناء لم تبدأ فى مواعيدها، بعضها تأخر أكثر من ساعة، والأفدح أن كثيرا منها لم يكن متاحا للجمهور أصلا، مثال عرض "خريف" المغربى على مسرح مركز الإبداع الفنى، إذ مُنع الجمهور من حضور ليلة عرضه الأولى، وعرض "القناع ضد الشعر المستعار" المكسيكى على مسرح متروبول، وشهد مشادات واستدعاء للشرطة أمام المسرح بسبب تعنت فريق التنظيم وأمن المسرح ومنع الجمهور من الدخول دون مبرر واضح، الحالتان المذكورتان مجرد مثال، ولكنهما تكررتا كثيرا فى عدد من العروض والمسارح، والمؤسف أنه لا مبرر لها أصلا، فبينما تُقدم العروض على 9 مسارح فقط، كان متاحا اللجوء لمسارح أخرى أكبر بما يتناسب مع العروض والإقبال المتوقع عليها، أو زيادة عدد ليالى العرض. التسهيلات المقدمة للفرق المشاركة لم تكن بالدرجة التى توقعها المشاركون، على مدار أيام المهرجان الماضية تحدثنا مع كثيرين من المشاركين العرب والأجانب، مخرج العرض الصينى سجل ملاحظة على تعقيدات مسرح البالون وتجهيزاته وتعاون إدارة المهرجان معه، مقارنا بما وجده فى إيطاليا فى مهرجان قريب، ومخرج العرض المكسيكى استهجن التنظيم وتجهيزات المسرح المحدودة قياسا على ما قدمه فى "فاوتشر" العرض، وفريق عرض المغرب لم يعجبه محدودية قاعة مركز الإبداع الفنى، وكثيرون من فنانى وفنيى الفرق سجلوا انطباعات غير إيجابية فيما يخص الاستقبال والاستضافة والانتقالات وتجهيزات المسارح وتنظيم العروض. تُقام عروض المهرجان نظريا على 11 مسرحا، ولكن يمكننا استبعاد المسرح الكبير بالأوبرا ومسرح الجمهورية، باعتبارهما يشهدان عرضى الافتتاح والختام فقط، ما يعنى أننا أمام 9 مسارح تستضيف 22 عرضا بإجمالى 44 ليلة عرض، وإذا نظرنا لمدة المهرجان الفعلية وقدرها 9 أيام، فإننا أمام 81 ليلة عرض متاحة، استغلت إدارة المهرجان 44 منها فقط، وكان يمكن الوصول بعدد الليالى إلى 4 لكل عرض، أو 3 على الأقل، ما كان سيقلل من حالة الشحن والاشتباك التى شهدتها العروض، ومنع الجمهور وإهانته على أبواب المسارح، مع سيطرة لجان التنظيم وأصدقاؤهم وعائلاتهم على كل المسارح تقريبا، مستبعدين الجمهور العادى، وحتى المسرحيين ممن لا وسيلة لهم لاختراق هذا الحصار العائلى. العشوائية وسوء الإدارة يتسيدان.. أهلا بكم فى "ارتجالة مهران" يبدو أن مجلس إدارة اللجنة وما انبثق عنه من لجان مشاهدة وتنظيم، يتحركون ارتجاليا ووفق تصورات رئيسه سامح مهران، لا رؤية ولا استراتيجية لهوية المهرجان وشكله وأغراضه ودوره فى دفع الحركة المسرحية، ويتجلى من مستوى العروض أن الجميع لا يعنيهم أصلا استقدام عروض مهمة، فبحسب مصدر بلجنة اختيار العروض الدولية، فإن أفضل المتقدمين للمشاركة لم يصلوا إلى مسارح المهرجان، إذ رفضت اللجنة عروضا عديدة أجود كثيرا من العروض المشاركة، مبررة الأمر باعتبارات سياسية وأخلاقية، ووصل الأمر إلى رفض أحد العروض لأن به ممثلات يظهرن بالمايوه، وبحسب المصدر نفسه كان عرض إيران أفضل العروض المتقدمة، وشاهدته اللجنة بكامل هيئتها، ثم رفضته فى ضوء ما تلعبه إيران من دور سلبى فى المنطقة العربية وضد دولها وقواها الكبرى، وإذ نتفق مع اللجنة فى موقفها الرافض لمشاركة إيران، نستغرب قبول العرض ومشاهدته وتقييمه من الأساس، مع ما ترتب على هذا من إضاعة وقت وجهد وربما مزيد من البدلات المالية، ما يستتبعه سؤال مهم عن العروض الإسرائيلية التي قد تملأ استمارات ترشح، وماذا لو وصل عرض منها للجنة؟ هل ستشاهده حتى وإن كانت تعلم تماما استحالة مشاركته؟ الورش المصاحبة للمهرجان واحدة من علامات الاستفهام الكبرى، إذ لم تعلن اللجنة عنها على نطاق واسع، ولم تكشف معايير وحيثيات المختارين لها، وانتهى الأمر باختيار النسبة الأكبر من بين الموظفين بقطاعات الوزارة والشباب المتطوعين فى اللجنة التنظيمية والمشاركين فى تحرير النشرة، وتقدم كثيرون ورُفضوا دون سبب واضح، وذهب فريق منهم للورش مع انطلاقها الفعلى ولكنهم مُنعوا من الدخول وبعضهم طُرد بشكل غير لائق. المحاور الفكرية التى اندرجت تحت عنوان "المسرح بين التراث والمدينة" جاءت فى أغلبها خفيفة وغير معمقة، حصرت جانبا من جهدها فى التأصيل لفكرتى التراث والموروث، ومرجعية التراث بين الريف والمدينة، والدوران حول سؤال إشكالية المعنى فى المسرح المعاصر، باستعادة أنتونين آرتو مرة أخرى إلى جانب تنظيرات الحركية وفيزيائية الجسد، والوقوع فى متاهة الاشتباك بين المسرح المعاصر والتحايل على الفرضيات السائدة، وبعيدا عن سطحية الاشتباكات وخفتها فقد جاءت فى جانبها الأكبر استعادة لتلال من التنظيرات التى تجاوزتها الحركة المسرحية الفعلية وإيقاع خشبة المسرح، وجاء كتاب المحاور الفكرية فقيرا للغاية، يستعرض أسماء المشاركين، 5 مصريين و8 عرب و7 أجانب اعتذر منهم اثنان، وإلى جانب البطاقات التعريفية يورد ملخصا مبتسرا ومُخلاًّ للأوراق والمحاور البحثية، وهو ما يثير سؤالا حادا إلى درجة الوقاحة حول سبب عدم نشر المحاور كاملة فى كتاب مستقل، بينما يجلس منظمو المهرجان فى الفنادق مكلفين الميزانية آلاف الجنيهات. مسألة الميزانية التى قد يستخدمها بعض مسؤولى المهرجان لتبرير الضعف والعشوائية، تحتاج وقفة هى الأخرى، فالميزانية عدة ملايين من الجنيهات، وقياسا على حجم النشاط والعروض والفرق والفعاليات والمسابقة والجوائز المالية فى مهرجان ما قبل الثورة، وحالة المهرجان الآن، فإن الميزانية الحالية أكبر مما كان عليه الأمر من قبل، ورغم هذا خرج المهرجان فقيرا وباليًا وعشوائيا، والغريب أن القائمين عليه الذين يرون أن الوزارة لم توفر لهم ميزانية كافية، هم أنفسهم مَن يحجزون عددا من الغرف والأجنحة فى أحد فنادق الدقى للجنة المنظمة ولجنة الإعلام ومحررى النشرة، وجميعهم من القاهريين، بينما كان الأجدى والأكثر فائدة وأقل بهرجة وبذخا أن تستخدم اللجنة المنظمة ومعاونيها مبانى وقاعات قطاع شؤون الإنتاج الثقافى أو البيت الفنى للمسرح أو المجلس الأعلى للثقافة، لينجزوا أعمالهم دون تكلفة لا مبرر لها، ثم يذهبوا للنوم فى بيوتهم. عشوائية التنظيم تتجلى أيضا فى تذبذب البيانات الصادرة عن مجلس إدارة المهرجان، ففى مؤتمر عقده المجلس 10 سبتمبر الجارى، أى قبل الانطلاق بعشرة أيام فقط، قال رئيسه سامح مهران إن الدورة الحالية تضم 7 عروض مصرية و7 عربية و13 عرضا أجنبيا، بإجمالى 27 عرضا، ولكن وصلنا للفعاليات لنفاجأ أن برنامج المهرجان يضم 24 عرضا فقط، ما يعنى أن فرقة أجنبية وفرقتين عربيتين اعتذرت عن المشاركة فى اللحظات الأخيرة، والأمر نفسه حدث مع عدد من المكرمين والشخصيات العامة وضيوف المحور الفكرى، ومنهم الألمانية إريكا فيشر ليشته، والنيوزيلندى جوناثان جيل هاريس والأردنى غنام غنام وغيرهم. "الشقيقات الثلاث".. عرض الافتتاح يكرس للعادية والفقر إذا خرجنا من جانب التنظيم والشكل، إلى جانب المحتوى واختيارات العروض، فالتحليل الفنى المعمق لأغلب مشاركات المهرجان سيكشف عن مشكلات وتهافت وخفة فنية ومنهجية ورؤيوية فى العروض، وإذا شئنا مثالا فلنقترب من العرض الأول/ عرض الافتتاح نموذجا. فى عرض جورجيا، أول عروض الدورة 24، قدم مسرح تبليسى "الشقيقات الثلاث" فى 70 دقيقة، معتمدا على عناصر تمثيلية مدربة على الأداء الحركى والرقص التعبيرى وتقنيات الباليه بشكل جيد، مُجرِّدا الصورة المسرحية إلى مستوى أوّلى، يكاد يكون "أخرس" وعاريا من العلامات والموتيفات، ومجردا الشخصيات لمستوى شديد الرمزية أيضا. العرض معالجة حركية راقصة لنص أنطون تشيكوف الشهير "الشقيقات الثلاث" المكتوب فى 1900 والمعروض لأول مرة على مسرح الفن بالعاصمة الروسية موسكو فى شتاء 1901، وهو اختيار ذكى، حتى لو تخلص تماما من مركز ثقل تشيكوف/ حوارياته البليغة الكاشفة، إذ يمكن اعتبار هذا النص واحدا من العتبات التأسيسية للمسرح الحديث، وقد اشتغل العرض فى محاولته السطحية للتجريب على بنية النص، صانعا حوارية جدلية بين نص النص ونص العرض، إن جاز التعبير، فأعاد رسم الشخصيات فى مستويات رمزية وتعبيرية أكثر اختزالا وإحالة على المرجعية الإنسانية للزمن الواقعى فى مستوييه، زمن الخشبة وزمن ما خارج البروسينيوم/ الصالة أو العالم نفسه، كما فكّك الأحداث والمسارات الدرامية وأعاد بناءها وفق تصور يبدو فوضويا وغير خطى، ويظهر طوال الوقت كأنه يصنع مستويين اتصاليين، الأول مع الجمهور والثانى مع تشيكوف نفسه. "الشقيقات الثلاث" نص ملغز فى مبناه وجوهره، المرة الأولى التى قرأه فيها "تشيكوف" على فرقته المسرحية تراوحت توصيفاتهم له بين الواقعية والميلودرامية، بينما كان هو نفسه يراه نصا كوميديا، ليعمل عليه ثانية موازنا بين رؤيته المرحة وتصوراته الواقعية عن الحكاية ومجالها التعبيرى، ولاحقا عالجه المخرج البارز قسطنطين ستانسلافسكى قائلا عن النص: "لا صدى له ولا حياة ويبدو طويلا ومملا" لكنه تعامل معه بوعى إخراجى بصير ببذرة الحداثة التى وضعها تشيكوف فى تربته، ليعيد بناء النص ذى الفصول الأربعة عبر ثلاثة مستويات، الأول خفيف ومرح ومتدفق فى إطار أجواء الفكاهة، والثانى مخلص لروح تشيكوف وتناقضاته وغرامه بصنع التقابلات، والثالث مشحون بتصاعد تطلعات الشخصيات وبدء سقوطها فى بئر الهزيمة النفسية، ليأتى صاخبا لاهثا سريع الإيقاع، قبل أن يرتد إلى الملمح "التشيكوفى" ثانية فى التقابل الكاشف/ السعادة، أو بالأحرى الراحة والسلام الناتجين عن الإقرار بقانون اللعبة والإذعان له، ولكن هذا الوعى غاب عن مخرج جورجيا. يحكى النص عن ثلاث شقيقات من أسرة "برسوروف"، أولجا وماشا وإيرينا، الأولى امتهنت التدريس بضجر وغير رضا، والثانية معذبة بذكرى زواج غير ناجح، والصغرى متفائلة ومقبلة على الحياة ولكنها تتعثر كثيرا، الثلاثة يحلمن بالخروج من فضائهن الريفى إلى عالم موسكو الذى انتُزعن منه فى طفولتهن، حيث الحياة فى وجهها النضر، والآمال الأكثر حظا فى التحقق، ووسط هذه الحالة تصل البلدة فرقة عسكرية، يرتبط ثلاثة من أفرادها بعلاقات ناعمة مع الشقيقات الثلاث، وتسير الأمور حتى ترحل الفرقة لاحقا ويُقتل خطيب الفتاة الصغرى، فتعود كل منهن لعالمها القديم، ولكن بإذعان وقبول كاملين، فقد تبدد حلم موسكو وزادت الأوجاع ولم يعد من سبيل للحلم ثانية. مشكلة العرض الكبرى أنه لم يصنع نصا دراميا مغلقا، نجح فى صنع نص بصرى حيوى، ولكنه ظل مربوطا بحبل غليظ بنص أنطون تشيكوف، بمعنى أن العرض اختار أن يكون مفتوحا على مرجعية النص المكتوب، لا أن يختزن مرجعيته داخله، فبغير العودة إلى شقيقات "تشيكوف" لن تفهم شقيقات جورجيا ومخرجها قسطنطين بورتسيلادزى، ولأن تشيكوف أسس معمار نصه على مستويين، الحبكة واقعية الطابع فى قصة الشقيقات الثلاث، والمحمول الرمزى فى تلخيص سؤال المجتمع الروسى ومعضلاته العصرية مع الانتقالة الحادة من حياته الزراعية لحياة الصناعة والمدنية، فالنص المكتوب يقدم فضاء كاملا متعدد الطبقات، ولكن النص المرئى فى عرض جورجيا بتر جانبا من هذه الطبقات، تعامل مع الحبكة بالتجريد، فاقتنص الرمز وضاعت منه الحكاية، ليكتفى بالإضاءة التى تحققها الإحالة لنص تشيكوف، وهو ما صنع عرضا "نصف أخرس"، ما يختبئ من معانيه فى النص أكثر مما تكشفه الخشبة. سينوغرافيا "جورجى اوستياشفيلى" تعاملت مع الفضاء الحامل للحكاية بوعى مباشر، فجردت المنزل من جدرانه وسبكته مع المحيط الخارجى فى سبيكة واحدة، أو وحّدت الفضاء المكانى الحامل للعرض مجردة إياه من هويته، واكتفى "جورجى" بطاولة وعدة مقاعد مصنوعة من أسطوانات بلاستيكية رفيعة أو "خوص"، كأنها عصىّ أو كرابيج أو أحبال وقيود أو سطور حادة أو خطوط نوتة موسيقية، موحية بالانتظام والرتابة والقيود والمسارات الرياضية المتوقعة، وبالمنطق التنميطى والاختزالى نفسه تعامل "أنانو موسيدزى" مع الملابس، وحد ملابس الشقيقات وأضفى على ملابس الضباط هيئة رسمية، موحدة ولكنها محايدة نوعا ما، بألوان غير بعيدة عن الأبيض الذى اختاره للشقيقات، وجاءت الموسيقى متراوحة بين التعبيرية والتأثيرية، متخبطة بين مستويات الرمز والتشخيص، لتقدم ترجمات أو معادلات مسموعة لدواخل الشخصيات/ الرموز، إلى جانب تجريد جانب من انفعالاتهم، وحافظ مصمم الإضاءة "إيا ناديراشفيلى" على الروح الرمزية التى تستلب أجواء العرض بعناصره، فكانت إضاءته محايدة أغلب الوقت، ولكنه تورط فى أكثر من لحظة فى شعرنة الصورة بظلال من الألوان الباردة والساخنة، بطريقة رغم أن فيها ملمحا تعبيريا لا ينقض رهان العرض، إلا أنها ممسوسة بقدر غير بسيط من المراهقة التعبيرية والجمالية، فلم يكن موفقا بدخوله الشاعرى فى لحظات مفصلية تتصل بالتأسيس للشخصيات أو التأشير على علاقاتها، ومع حياد الأداء التمثيلى بدرجة كبيرة، كانت هذه اللحظات الضوئية بمثابة التوجيه أو القوة العليا التى تفضح الشخصيات أو تقودها، فكأنه استدعى السماء بمعناها الميتافيزيقى لتضع يدها مباشرة فى عرض لا يخص الأرض أصلا، وإنما يخص التكثيف القانونى لمعضلات البشر الموروثة، أو بالأحرى المشترك النفسى والوجودى بينهم، وفى المجمل يمكن القول إن العرض جيد، لكنه جيد فقط، ليس عرضا عظيما ولا مبهرا، وليس عرض افتتاح يليق بمهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى، ويبدو أنه لا سبب لاختياره للافتتاح إلا لأنه غير مبهر ولن يحرج مخرج "فقرة التنورة"، إضافة إلى سهولة تجهيز خشبة المسرح لاستقباله، بشكل يسمح بتأخر الوزير، ويوفر متسعا كافيا للغو التنورة وسطحية الكلمات، وعشوائية التكريم واستظراف محمد رياض. التجريب فى التخريب.. مهرجان النمنم لم يأخذ من فاروق حسنى إلا الاتهامات منذ انطلاق المهرجان فى أواخر الثمانينيات، لاحقته اتهامات عديد من المسرحيين بأنه فعل تخريبى منحرف عن جادة الصواب والمسرح الحقيقى، كان منهم المخرج المسرحى الكبير جلال الشرقاوى، واتفق المعترضون على أن المهرجان لا يقدم تجريبا وإنما يُعيد تعليب تصورات مسرح الجسد والمسرح الحركى التى تتابع ظهورها منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وأصبحت من قبيل الرؤى الفنية والجمالية القائمة والمكرّس لها، ويحاول إشاعة وهم غير دقيق بأن هذه الصيغة المسرحية تجريبا وتجديدا. قال المعترضون إن المهرجان بصيغته المختارة مهرجان للمسرح التخريبى لا التجريبى، ولكن لم يختلف أى منهم على أنه كفعالية ثقافية حقق نجاحا على مستوى المتابعة والتنظيم واختيار العروض والسمعة الدولية وإقبال فرق العالم المختلفة على المشاركة به، وهامش التثقيف الذى وفره على تخوم فعله المسرحى، ممثلا فى إصدار 327 كتابا، وإذا عرضنا هذه الرؤى للمقارنة مع حال المهرجان اليوم، وما يعانيه من أمراض وضعف ومشكلات فى التأسيس النظرى والمنهجى، واختيار العروض والفرق، والاستضافة وتنظيم الفعاليات، وتهافت المواكبة الإعلامية والنقدية للمحتوى المسرحى طيلة المهرجان، وضعف النشرة اليومية وغياب الكتب والإصدارات الخاصة بالمهرجان، سواء فى مباحث مسرحية عامة أو حتى فى محاور المهرجان وأوراقه البحثية، وأخيرا تناسب هذا مع تاريخ الدورات الـ22 قبل الثورة، ومع التكلفة التى تتكبدها الدولة لإقامة المهرجان، قد نجد أن رؤية المعترضين من قبل أصبحت الأصدق، وأن فلسفة منظمى المهرجان ربما تورطت فى الخلط بين التجريب والتخريب. فى النهاية لا نغمط حقوق فريق العمل الضخم، ولا نقلل من جهدهم، ونعلم أن بينهم شبابا ومسرحيين ومثقفين وإعلاميين يأخذون الأمر على محمل الجد، ويسعون جاهدين لإنجاز عمل يضيف للثقافة المصرية وحركتها المسرحية، ولكن يبدو أن الخلل فى الرؤية الاستراتيجية التى تقود هذه الطاقة، سواء لدى قمة هرم الوزارة ممثلة فى وزيرها حلمى النمنم، أو مجلس إدارة المهرجان ورئيسه، بكلاسيكية ونمطية وتقليدية معظمهم، الذين لم يقتربوا من التجريب ولم يتعاطوه تقريبا، باستثناء اسم أو اثنين، وهو ما أضاع جهد كتيبة الشباب المحبين والمخلصين، بين محتوى فنى خفيف وغير ناضج، وتنظيم عشوائى متخبط و"يكسف"، وتسويق وحضور إعلامى لا يُشعر أحدا بأن القاهرة تستضيف مهرجانها الأهم، وأخيرا التعامل مع الأمر بمنطق كرنفالى مُعبّأ بالبيروقراطية، لا يهتم بوصول المهرجان للجمهور ولا للإعلام، ولا بمردوده الثقافى والاجتماعى والفنى، وهذا ناهيك عن أنه يصب فى خانة "التخريب" أكثر من إخلاصه لـ"التجريب"، فإنه يدفع كل من اقترب ورأى وتابع المهرجان فى أوقات مجده للترحم على إدارة فاروق حسنى، وأكثر ما يغيظ فى هذا الأمر ليس فشل الحالى قياسا على السابق، ولكن أن الوزارة ووزيرها وكوادرها هم من يدفعون فى اتجاه تكريس هذا الشعور، فشكرا فاروق حسنى، مرة على ما فات، ومرة ثانية على ما هو قائم، لأن وزارة الثقافة ووزيرها وكتيبة موظفيها يريدون هذا ويتفانون فى سبيله أكثر من عملهم لصالح المهرجان.








الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;