سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 20 ديسمبر 1914..الاحتفال بتتويج السلطان حسين كامل بمظاهرة عسكرية للاحتلال البريطانى.. والمصريون غاضبون

كانت الساعة العاشرة والنصف صباحا يوم 20 ديسمبر «مثل هذا اليوم» عام 1914، حينما خرج حسين كامل من قصر نجله الأمير «كمال الدين» الكائن بجوار كوبرى قصر النيل، فى عربة سلطانية ضخمة تجرها الخيول المطهمة، وفقا لتأكيد أحمد شفيق باشا فى «حوليات مصر السياسية- التمهيد» عن «الهيئة العامة للكتاب- القاهرة» مضيفا: «تقدم المركبة كوكبة كبيرة من الخيالة البريطانية، فأخرى من الخيالة المصرية، وخلف المركبة كوكبة أخرى من الخيالة البريطانية، وسار الموكب على هذا النظام حتى وصل إلى قصر عابدين للاحتفال بتنصيب حسين كامل سلطانا على مصر». لم يكن الحدث عاديا، فالحاكم الجديد جاء بقرار الاحتلال البريطانى، عقب قرار آخر للمحتل بخلع الخديو عباس حلمى الثانى، وفيما كان الاحتلال يتصرف فى هذا الأمر بغطرسة، كان رد الفعل الشعبى حزينا وغاضبا، ويذكر «شفيق باشا» أنه «فى صبيحة يوم 19 ديسمبر سنة 1914، صدر إعلان الخلع وتولية السلطان حسين بالجريدة الرسمية، ونشر فى الجرائد السيارة، وعلق على الجدران فى القاهرة والإسكندرية وفى جميع أنحاء القطر فى الأماكن الظاهرة للعيان»، وسرعان ما تم البدء فى اتخاذ الإجراءات اللازمة للاحتفال بتنصيب السلطان، ووفقا للدكتور مصطفى الغريب محمد فى كتابه «السلطان حسين كامل» عن «دار الكتب والوثائق القومية- القاهرة»: «وجهت الدعوة إلى العلماء والأمراء والمحافظين والمديرين والأعيان وأعضاء الجمعية التشريعية وكبار الضباط وأصحاب الصحف وكبار رجال القضاء والنيابات وكبار التجار، وغير هؤلاء من ذوى الحيثيات للمشاركة فى الاحتفال الذى بدأت وقائعه بسراى عابدين يوم «20 ديسمبر»، كما تقرر تعطيل الوزارات والمصالح الحكومية فى ذلك اليوم». يؤكد «الغريب» أنه بعد وصول السلطان إلى قصره، حضر القائم بأعمال المعتمد البريطانى فى مصر «شيتهام»، ومعه موظفوه، ثم جاء جون مكسويل، قائد القوات البريطانية فى مصر، فكانوا أول المتقدمين بالتهنئة للسلطان، وبعد انصرافهم بدأت مقابلات الشخصيات الكبيرة والوفود المنتظرة، ولوحظ من كلمات السلطان حرصه على التقرب من أفراد الأمة وبث التهدئة فى النفوس، يذكر «الغريب» مظاهر الغضب: «زاد السخط على حسين كامل من تلك المظاهرة العسكرية البريطانية التى صحبت الإعلان الرسمى لتولية العرش، فقابل المصريون الموكب السلطانى بالوجوم، وكان الحزن واضحا على الوجوه، فلم يُسمع هتاف أو تصفيق، وعندما مر السلطان فى ميدان عابدين فى طريقه إلى قصره بالمنصة التى يقف عليها العمد والأعيان صفقوا له تصفيقا ضعيفا، وكان كل منهم ينظر حوله ليرى ما يفعله الآخرون». كان المحامى «إبراهيم الهلباوى بك» ضمن جموع المدعوين، ويقول فى مذكراته، تحقيق: دكتور عصام ضياء الدين «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»: «صلتى بهذا الأمير قبل أن يرقى إلى العرش كانت متينة، لا أذكر أن عينا دمعت وقلبا انجرح بين هذه الجموع أكثر منى ومن صديقى أحمد لطفى السيد بك، جاءنا الأمير عند دخوله فحييناه بدموع لم نستطع إخفاءها، لأنه خيل إلينا فى ذلك الوقت أننا نشيع جنازة البقية الباقية من استقلال مصر، وأن إنجلترا قد أبدلت هذه الجنازة بمهزلة من المهازل استخفافا بعقولنا واحتقارا لكرامتنا، وما انسكب من دمع صديقى لطفى بك من العبرات فى ذلك الموقف أفقدنا شطرا عظيما من صداقة السلطان، لأنه عدها منا سوء مجاملة أو قلة وفاء»، ويضيف الهلباوى: «صار لقب سمو الأمير سلطان بدلا من خديو مصر، ورفع مرتبه لذلك من مائة ألف جنيه «مرتب الخديو» إلى مائة وخمسين ألف فى السنة». يرصد «الغريب» مظاهر أخرى للغضب: «فى نفس يوم الاحتفال بتتويجه ظهر طلاب مدرسة الحقوق وهم يرتدون رابطات عنق سوداء، وذهبت معظم طالبات مدرسة البنات الثانوية متشحات بالسواد، كذلك قبضت السلطة العسكرية فى العاصمة على كاتب بالمحكمة المختلطة لتفوهه بألفاظ التهديد للسلطان، وفى مساجد القاهرة كان دعاء الإمام لخليفة المسلمين يتكرر ثلاث مرات على التوالى، وفى كل مرة كان المصلون يرددون الدعاء بصوت عال يشترك فيه الجميع، وعندما دُعى لسلطان مصر الجديد جاء رد المصلين ضعيفا وغير مسموع، وكثير منهم لا يؤمنون على الدعاء، وأدى السلطان صلاة أول جمعة فى مسجد السيدة زينب، مع أنه كان مقررا أداء الصلاة فى مسجد الحسين، وفى اللحظة الأخيرة علم بوجود مؤامرة ضده، فغير وجهته، بينما ظل رجال البوليس فى طريق مسجد الحسين للتمويه، وفى قصر عابدين قام حريق بغرفة الاستقبال الكبرى نفذه أحد الفراشين القدامى بقصد إحراق القصر كله، كما ألصقت منشورات تهديدية للسلطان بداخله».



الاكثر مشاهده

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

;