قصة قرية تخطت خط الفقر بالجهود الذاتية فى 3 سنوات.. "نجع عون" نموذج على طريق التنمية.. 45% من الأسر منتجة بزراعة أسطح وتربية دواجن.. ساعدوا الفقراء بالفرن الخدمى.. والمدرسة الحرفية مشروعهم للمتسربين م

على الحدود بين محافظتى البحيرة والإسكندرية تقع قرية "نجع عون" التابعة لمنطقة أبيس، هذه الحيرة الإدارية بين محافظتين جعلت الأهالى يعرفونها بأنها "القرية اليتيمة" إذ تجاهلتها كلا منهما، أما غيابها عن أنظار واهتمام مرشحى البرلمان فيفسره الأهالى بأن غالبية سكانها قادمين من الصعيد ببطاقات هوية منسوبة لمسقط رأسهم بالتالى لن تساوى أصواتهم فى الصندوق شيئًا. يشكو أهالى القرية سوء الأحوال وقلة الخدمات مرارًا ولكن لا حياة لمن تنادى فلم يجدوا بدًا من اتباع الحكمة القديمة "أشعل شمعة بدلاً من أن تلعن الظلام" ونهضوا بقريتهم الصغيرة بالجهود الذاتية وخلال سنوات قليلة تبدل حال قريتهم وأصبح ما يقرب من نصف سكانها من الأسر العاملة ونجحوا فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من الخضروات وتوفير الخبز للمحرومين من بطاقة التموين وإقامة العديد من المشروعات الحرفية. "لا تعطنى سمكة ولكن علمنى كيف أصطاد" كانت البداية فى فبراير 2014 كما يتذكرها بدقة "رجب ربيع" عميد القرية، كما يلقبه أهلها، ويحكى لـ"انفراد": كانت القرية معدمة ولا تتوفر الحياة الآدمية لغالبية أهالى القرية، وميسورى الحال بيننا كانوا فقط يملكون بيتًا نظيفًا وحسب، وحين زارتنا واحدة من الجمعيات الخيرية التنموية سألونا عما نحتاجه فى القرية وعرضوا علينا توفير مساعدات غذائية أو توزيع مبالغ مالية على الأهالى ولكننا رفضنا لأن مثل هذه المساعدات سرعان ما تنتهى ويظل الحال على ما هو عليه، وطلبنا بدلاً من ذلك أن نبدأ فى توفير حياة آدمية لأهالى القرية ثم نبدأ فى تنميتها. مشاكل عدة كانت تواجه أهالى القرية نظرًا لغياب البنية التحتية فيقول "الشيخ رجب": من بين أكثر من 300 أسرة فى القرية كان هناك 210 أسرة فقيرة و75 أسرة معدمة تمامًا، ولم تتوفر توصيلات مياه للمنازل بالتالى كانوا يخزنون الماء بشكل غير صحى مما تسبب فى انتشار الأمراض بينهم، وفقد بعضهم حياته نتيجة تآكل جدار المعدة بعد إصابته بفيروس الحلزونة. كانت غالبية البيوت دون أسقف والأهالى يضطرون فى الشتاء لرفع الأسرة على حجارة لينام الأطفال تحت الأسرة كى لا تتساقط عليهم الأمطار أثناء النوم، وغيرها من المشاكل التى لا يصح معها أى حديث عن التنمية فتوفير المعيشة الآدمية هى الأساس لكل هذا وهو ما عملنا عليه لأكثر من عامين حتى نجحنا فى توفير معيشة آدمية لـ 85% من أهالى القرية. 45% من أهالى القرية أسر منتجة وعاملة المرحلة الثانية للنهوض بالقرية كانت بالتنمية واستغلال الموارد البشرية وتحويل أهلها إلى أسر منتجة حتى بلغت نسبتها 45% ويقول "رجب": خلال العام المقبل ستتخطى نسبة الأسر العاملة النصف وكلها أسر منتجة من مكانها، بعضها كانت تحتاج مساعدة وتوفير الدعم وبعضها لم يحتاج أكثر من التوعية ولديهم المكان والإمكانيات. وتنوعت المشروعات فى المنازل بين تربية الدجاج والبط والزراعة العضوية أمام المنازل وزراعة الأسطح بالطريقة الحديثة التى توفر الماء وفى الوقت نفسه يكون هناك وفرة فى الإنتاج، حتى أن السطح الواحد ينتج ما يمكن أن ينتجه نصف فدان من الأرض وتحقق هذه المزروعات الاكتفاء الذاتى للقرية بحيث لا يحتاج أهلها للخروج للسوق لشراء أى خضروات. ويعتبر "رجب" كلمة السر فى نجاح هذه المشاريع المنزلية هى "المتابعة" ويقول: لا ننزل على رغبة الأسرة واختيارها للمشروع وإنما نعاين المكان المتوفر لديها ونرى المشروع الأنسب له وننفذه، ونتابع معهم المشاريع بصفة دورية لنقدم لهم النصائح والمشورة وأحيانًا كنا نغير مسار المشروع فى وسط المشوار ونبيعه قبل أن يكتمل إذا شعرنا أنه يمكن أن يفشل ونغير المشروع للأسرة ونقدم لها آخر وهكذا. المركز الخدمى فى القرية.. عشرات التروس للنهضة بالنجع جنبًا إلى جنب مع المشروعات التى تقيمها الأسر فى المنازل يضم المركز الخدمى بالقرية عدد من المشروعات المتنوعة التى توفر مصدر دخل لتمويل مشروعات الأسر المنتجة وتوفير الدخل لدعم الأسر الفقيرة، ويضم المركز عدد من الورش من الخياطة إلى تفريخ الدواجن وزراعة الأسطح وورشة سجاد يدوى وأخرى لإنتاج الحرير الطبيعى وورشة للكروشيه والإكسسوارات إلى جانب فرن خدمى. ويقول "رجب" الذى يدير المركز: بدأنا بماكينات الخياطة، دربنا 14 شابًا على العمل على بماكينات الخياطة بعضهم انطلق للعمل فى الإسكندرية وأصبح قادرًا على توفير الدخل لأسرته وبعضهم يعمل فى القرية هنا حيث تعاقدنا مع المصانع بالإسكندرية نحضر الملابس من المصانع ليقوم الشباب عندنا بتشطيبها ونأخذ على القطعة نصف جنيه، جزء منه للعامل على الماكينة والجزء الآخر لخدمة المركز الخدمى الذى يضم الورش وتوفير الصيانة للماكينات. وتحكى السيدة "سامية" عن عملها فى ورشة الخياطة: ترملت من عام تقريبًا وعندى طفل ففكرت فى العمل بورشة الخياطة من أجل الإنفاق عليه وتربيته، وأحببت أن أتعلم الخياطة بشكل خاص أملاً فى أن أمارس هذا العمل فيما بعد وأشترى ماكينتى الخاصة وأعمل عليها فى بيتى. تعمل "سامية" فى الورشة من الثامنة صباحًا وحتى الرابعة مساءً بعد أن تم تدريبها على استخدامها وحصلت على شهادة ممتاز وتقول: المواعيد مناسبة لرعاية طفلى، والمكان أيضًا قريب من بيتى لذلك "أخطف" استراحة الغداء وأذهب له، وأتابع مشروع الدجاج أيضًا الذى أديره بالتوازى مع عملى فى ورشة الخياطة. إلى جانب العمل مع مصانع الملابس لتوفير الدخل للعاملين على ماكينات الخياطة ودخل أيضًا لإقامة باقى المشروعات وصيانة الماكينات، يتم من خلال الماكينات تفصيل ألحفة (أغطية) من الفيبر يتم توزيعها على الأسر الفقيرة لتقيهم البرد، ويبيعوا جزء منها للقرى المجاورة لتوفير دخل للمشروع. بجوار ورشة الخياطة تقع ورشة الكروشيه والإكسسوارات التى تعمل بها الفتيات الصغيرات فى القرية، بعضهن تسربن من التعليم وبعضهن يواصلن تعليمهن ويعملن بالورشة بعد المدرسة. ويقول "الشيخ رجب" إن إنتاج هذه الورشة يتم تسويقه فى معارض الأسر المنتجة بالإضافة إلى المعارض التى تنظمها مراكز الشباب. وداخل الورشة تجلس "ندى" الطفلة ذات الـ 15 عامًا التى فكرت بالعمل بعد وفاة والدها بتآكل جدار المعدة بعد إصابته بميكروب الحلزونة وتحكى ندى: أنا الابنة الكبرى ولى 4 أشقاء، 3 بنات وولد، والدتى لا تعمل وأنا تركت المدرسة بعد وفاة والدى خاصة لأنها بعيدة جدًا عن البيت وعرفت عن الورشة ففكرت فى العمل بها لأوفر بعض الدخل لأسرتى، وفعلاً وافقت أمى لأن الورشة قريبة من البيت وأعمل هنا منذ عامين تقريبًا. تنجز "ندى" فى الساعة الواحدة قطعتى إكسسوار أو ثلاثة، وتختار التصميمات من تلك الصور التى تشاهدها على جهاز الكمبيوتر فى الورشة وأحيانًا تبدع فى التصميم من خيالها وتقول "الشغل جميل وحبيته، والدخل كويس، ونفسى أسافر مرة معرض وأشوف الشغل وهو بيتباع". أما "هاجر" الطفلة ذات الـ 11 عامًا فكانت أسباب تفكيرها فى الانضمام لورشة الكروشيه مختلفة وتقول: "بيتى قريب من المقر الخدمى، وحبيت أتعلم الكروشيه لأنى لاحظت إن البنات هنا حلوين وطبعهم حلو فحبيت أشتغل معاهم"، وتنجز "هاجر" بأصابعها الصغيرة نحو 5 وردات من الكروشيه فى الساعة وتقول "السرعة بتبقى حسب نوع الغرزة وشكل الوردة". إلى جانب ورش الكروشيه والخياطة أقامت القرية مشروع إنتاج الحرير من دود القز، ويحكى عنه خالد جويدة المشرف على المشروع: نشترى علبة بيض دود القز بـ 250 جنيه ويكون بها حوالى 20 ألف بيضة، ينفق منها حوالى 6 آلاف ويعيش 14 ألف دودة نغذيها على ورق التوت الذى نزرعه هنا فى القرية ونضعها فى مكان به تهوية جيدة ونحصل على الشرانق ثم نرسلها إلى القاهرة لحل الحرير ونعيدها لنصنع منها السجاد ولكن مؤخرًا اشترينا ماكينة لحل الحرير عندنا وفى الموسم المقبل ستتم دورة الإنتاج كاملة لدينا هنا فى القرية. نجع عون.. الاسم على مسمى إذا كان لكل إنسان من اسمه نصيب فقرية نجع عون يمكن أن تجعلك تؤمن أن هذه النظرية تنطبق على البلدان أيضًا، فإلى جانب تعاون أهالى القرية فى المشروعات الإنتاجية هناك أيضًا مشاريع خدمية تعاونية لخدمة المعوزين من أهل القرية من أبرزها الفرن الخدمى الذى يهدف إلى خدمة أهالى القرية المحرومين من بطاقات التموين. ويقول "رجب": الفرن الخدمى يعمل يومين أسبوعيًا لتوفير الخبز لأهالى القرية ممن لا يملكون بطاقة تموينية لأن محل إقامتهم فى بطاقة الرقم القومى يتبع مسقط رأسهم فى الصعيد، لذلك يخبز الفرن من إنتاج أهل القرية ولأجلهم الخبز مرتين أسبوعيًا لتوفير احتياجاتهم من الخبز بدلاً من شرائه غير مدعوم بنصف جنيه للرغيف. المدرسة الحرفية.. مشروع القرية لإنقاذ الأطفال المتسربين من التعليم بعد أن حرمت القرية من المدرسة الوحيدة بها ثلاث سنوات كاملة بعد إزالتها لإعادة بنائها من جديد تسرب العشرات من الأطفال من المدارس بسبب تكلفة المواصلات الكبيرة على الأهالى، ويقول "سليمان القطعانى" أحد أهالى القرية: المسافة بيننا وبين أقرب مدرسة تتعدى 8 كيلومترات ووقع الأهالى بين نارين، من جهة فإن تكلفة نقل الأطفال إلى مدارسهم كبيرة جدًا ويزداد العبء عندما يكون لدى الأسرة أكثر من طفل، ومن جهة أخرى طرق الانتقال للمدرسة غير آمنة، فقد تكررت حوادث سقوط الأطفال من "التوك توك" أو من على ظهر العربات الربع نقل، ولهذا امتنع الكثير من الأطفال عن الذهاب للمدرسة. يشير إلى طفل بصحبة قطيع من الأغنام ويضيف: هذا الطفل أخرجه والديه من المدرسة وهو لم يمانع فالطريق طويل وشاق والتعليم مرهق بالنسبة له، أما والديه فيرون الأنفع لهم أن يكسب "قرشين" من رعاية الغنم بدلاً من أن يطلب منهم على الأقل 3 جنيهات يوميًا للمواصلات وجنيه أو اثنين مصروف فى المدرسة يوميًا. ضريبة حرمان القرية من المدرسة للسنوات الثلاث كما يقول "الشيخ رجب" هى 212 طفل متسرب من التعليم بالقرية التى تضم 300 أسرة، وهى المشكلة التى انتبهوا لها فبدأوا إنشاء "المدرسة الحرفية" بالقرية والتى يقوموا بالتشطيبات النهائية لها لتضم ورشة لصناعة السجاد اليدوى وورشة للنجارة وأخرى للحدادة ويضيف: حصرنا الأطفال المتسربين من التعليم واستطلعنا رأيهم حول الحرف التى يريدون تعلمها لنلحق كل منهم بفصل بالمدرسة الحرفية ليصبح لدى كل منهم حرفة يتعلمها، كما نمحو أميتهم قبل أن نعلمهم الحرف. الجهود الذاتية ليست كافية.. على الرغم من الجهود التى بذلها أهالى القرية على مدار نحو 3 أعوام للنهوض بها وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الخضروات إلا إنها لا تزال تعانى مشكلات كبيرة تحتاج إلى اهتمام الحكومة ونظرها، وتحدث عنها أهالى القرية فقال أحدهم: أقرب صيدلية على بعد 6 كيلومترات من القرية وأقرب مستشفى فى الإسكندرية وإذا مرض طفل أثناء الليل لا يمكننا مداواته ولا حتى يقبل سائق الخروج به على الطريق شبه المقطوع. يضيف آخر: حين تتساقط الأمطار تنقطع صلاتنا بالعالم من حولنا ونظل حبيسى البيوت لأن الشوارع تغرق بالمياه ولا يمكن الخروج حتى إلى أقرب قرية منا أو مدينة. أشار الأهالى كذلك إلى غياب الصرف الصحى بالإضافة إلى الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائى فضلاً عن حاجة مسجد القرية للترميم.






























































الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;