يمارسون طقوسهم فى الخفاء.. قصة يهود مصر الذين غيرو ديانتهم على الورق خوفا من اتهامهم بالعمالة لإسرائيل

نشرت جريدة الصباح تحقيقا عن اليهود المصريين الذين يختبئون خلف ديانات أخرى، سعيًا للبقاء داخل حدود البلاد، مستهلة التحقيق بمقولة لدينا عوفاديا، المجندة بجيش الاحتلال الإسرائيلى والتى قالت :" كنت يهودية متخفية تحت ستار المسيحية، المدونة فى بطاقتى الشخصية فى مصر، قبل السفر إلى تل أبيب".

أسر بكاملها يدينون باليهودية، لكنهم قرروا تغيير ديانتهم على الورق، خوفًا من تهجيرهم إبان إقامة دولة الاحتلال الإسرائيلى، وقيام الحرب العربية ضد الكيان الصهيونى، حكى لنا الدكتور «ماجد. س»، 54 عامًا، أستاذ بإحدى الجامعات فى الإسكندرية: «أتذكر اجتماعاتنا الأسرية، عندما كنا نمارس طقوسنا الدينية فى صمت، خوفًا من أن يعلم الآخرون أننا يهود، وكانت بداية الأزمة فى أواخر الأربعينيات، ومع بداية حكم عبد الناصر، قام المجتمع باتهامنا بالعمالة والخيانة للوطن، وأننا سنقوم بالتضامن مع اسرائيل على حساب مصر، الاعلام والساسة شاركوا فى ذلك».

فى منزله القابع بمنطقة سبورتنج بالإسكندرية، التقت «الصباح» عائلة الدكتور ماجد، وكان الملفت للانتباه فى المنزل أن مساحته تتخطى 200 متر، معظمها غرف فارغة، حيث تعيش والدة ماجد بعد وفاة زوجها الذى تم دفنه فى مدافن البساتين الخاصة باليهود فى منطقة مصر القديمة، كما لاحظنا مجسمًا لمعبد يهودى مصغر، وقالت الوالدة إن زوجها هو من أنشأه للتعبد فيه بعد غلق المعابد اليهودية، وخوفًا من إيذائهم، منوهة إلى أن أبنائها وأحفادها يأتون للتعبد فى هذا المجسم، وكذلك بعض ابناء الطائفة الذين لا تتعدى اعدادهم العشرات.

يقول «ماجد» مبررًا تخفيه فى ديانة أخرى غير اليهودية، إن جده ذهب لإحدى الكنائس الكاثوليكية وطلب تغيير ديانته خوفًا من الاعتداء على بيته ومحلاته، ومنذ ذلك الوقت وهم يتعبدون وفق دينهم فى الخفاء بعيدًا عن الآخرين، خوفًا من نبذهم اجتماعيًا.

«ماجد»، قال إن الأوضاع السياسية فى العقود الماضية تسببت فى هجرة عشرات الآلاف من يهود مصر الذين أحبوها وتمنوا عدم الرحيل عنها، لكن الأمر لم يكن بأيديهم، مشيرًا إلى أن ما قامت به الدول العربية فى ذلك الوقت من نبذ اليهود تسبب فى نشأة الدولة الإسرائيلية بالفعل، فترحيل مئات الآلاف من يهود العالم لإسرائيل كان عاملًا ساعد فى تكوين تلك الدولة.

وحكى «ماجد» أن أبناءه وبناته الخمسة يؤمنون باليهودية أيضًا، لكن بشكل أكثر تمدنًا وعلمانية: «علمتهم فى المدارس الفرنسية بمصر، فهى لا تزال تحافظ على حقوق الانسان فى العبادة، وتحترم اختياراته ايًا ما كانت، لكن ذلك لم يمنعهم من حب الوطن، فقد علمتهم أيضا حب مصر، كما أحبها أنا، وبالرغم من انتقادهم الدائم للأوضاع فى مصر ومطالبتى بالهجرة، لككننى ارفض واخبرهم ان مصر هى بلدنا، وعندما يتساءلون عن سبب تخفينا فى دين اخر فى بلدنا اخبرهم انه اذا علم الآخرون اننا يهود، فستتم محاسبتنا على كل ما ننطق به، أو نفعله، باعتباره خيانة ومؤامرة».

ويتابع: "يرى اطفالى اننا نعانى فى المجتمعات العربية، ولا احد يعتبرنا بشرًا مثلهم، بل ان المجتمع يرى اننا قتلنا الأنبياء، وأن اليهود هم من اغتصبوا الاراضى العربية، كان يتم اضطهادنا فى أوروبا والعرب فتحوا لنا بابًا من الرحمه فى زمن العثمانيين والفاطميين، لكن الامر تبدل تمامًا بعدما اقيمت الدولة الإسرائيلية وأعترف أن العديد من اليهود قاموا بنصرة إسرائيل على حساب مصر، لكن الكثيرين لم يقبلوا الرحيل عن مصر، ومنهم والدتى التى ربتنا على حب الدين وأيضًا حب الوطن".

وأضاف: «زوجتى مسيحية فرنسية، ومنزلنا متعدد الثقافات والأفكار، وابنى المتوسط يدرس الإسلام بجدية، ولا أمانع ذلك، فهذا حق الانسان فى اختيار دينه». وقاطعته والدته، السيدة «لانا يوسف عوف»، التى تجاوزت عامها الثمانين، حيث بدأت حديثها قائلة: «كل أفراد عائلتى وأقربائى وجيراننا رحلوا غداة حرب 48، وكنا نشعر بالخوف، فقد كنا كيهود مصريين التجار الاكثر قوة فى مصر، وكانت أكبر المحلات وأشهر التجار والفنانين يهودًا أتوا إلى مصر هربًا من بطش الحكام الأوروبيين ، أتذكر أن أبى أغلق محلات الذهب التى كان يمتلكها وتركنا كل شيء خلفنا، وكنا نبكى، لا نريد الرحيل عن مصر، فأبى ولد يهوديًا من أب اسبانى الأصل، فى صعيد مصر بالأقصر ، وتوجهنا فيما بعد إلى الإسكندرية، وأنشأ أبى تجارته هناك، وأغلب تجار الذهب فى مصر من المسيحيين من أصول يهودية، لكن آباءهم تحولوا للمسيحية خوفًا».

وتابعت «لانا»: «رحلنا عن مصر إلى فرنسا، لكن أبى وصل إلى حالة من التقشف عانت منها اسرتنا وأسر أخرى، وكان شيئًا بشعًا، بدا الأمر وكأننا عدنا إلى قبضة فرعون، ولا موسى هناك ليحمى بنى إسرائيل، وبعد 4 سنوات قرر أبى أن يعود إلى مصر بدين آخر، عشنا بعيدًا عن المجتمع فى كتمان وانعزال».

ابتسمت «لانا» قائلة: اتذكر اننى بعدما عدنا انا واسرتى الى مصر احببت شابًا مسلمًا وكنا نتقابل خلسة فى مقهى ستانلى، احببته بشدة، لكننى تركته خوفًا من ان يعلم حقيقة اسرتى وأننا لسنا مسيحيين كما ندعى، خاصة ان الازمة العربية الاسرائيلية كانت على اشدها فى تلك الفترة، واستطردت: «اتذكر شوارع الاسكندرية قديمًا، كانت مرتبة ونظيفة والناس يتشاركون كل شيء مهما كانت اختلافاتهم، وجيراننا مسيحيون أو مسلمون لم يكن هناك اى فرق بيننا، نتعامل جميعا كابناء وطن واحد، لكننى اعترف بأننا كنا منغلقين على ثقافتنا وتجارتنا، نظرًا لما تعرضنا له فى اوروبا وهو ما قد يكون مرفوضا فى العديد من المجتمعات كما تم رفض جماعة الاخوان لانهم منغلقون على انفسهم».

وتابعت «لانا»: «أعشق الاسكندرية، وكنت اخرج يوميًا للسير فى شوارعها بسيارة زوجى ليلًا، احب كل شيء فيها، لكننى منذ كبرت فى السن لم اعد قادرة على الخروج كثيرًا واظنها لم تعد كما كانت فى زماننا القديم».

وبكلمات متكسرة ممزوجة باللكنة العربية الفرنسية، قالت «لانا» إن بعض أفراد عائلتها، الذين رحلوا إلى إسرائيل بعد طرد يهود مصر عام 1949 لا تعاملهم إسرائيل كما تعامل يهود أوروبا فيهود مصر لم يستطيعوا التأقلم مع اليهود الأوروبيين الذين أتوا لإسرائيل، وهم يكرهون العرب، بينما يهود العرب لم يستطيعوا كراهية بلادهم الأصلية، بل كنت اتلقى الرسائل من أقربائى هناك وهم يسردون لى اشتياقهم للاسكندرية ولجيرانهم فى حارة اليهود وحى عابدين ووسط البلد وكورنيش النيل، وكنت اقول لهم: عودوا، لكن مصر كانت تطالبهم بالرحيل، وتختم أوراقهم بمنع العودة». وأشارت إلى أنه فى عهد الرئيس الراحل، أنور السادات، عاد العديد من الاسر اليهودية المصرية، يعدون بالمئات فقط، بينما تشتت مئات الآلاف من اليهود المصريين فى أنحاء العالم.

واشارت «لانا» إلى انه بعد اغلاق كل المعابد اليهودية لم يعد احد منهم يستطيع ان يجد مكانًا يتعبد فيه، لذلك قاموا باستغلال المنازل القديمة التى يعيشون فيها، والتى تتسم بمساحات كبيرة، وحولوا احدى الغرف لتكون مكانًا للتعبد، وأشارت إلى أن هناك فصيلًا من اليهود يدعى «المقرأيين»، حيث يسجدون ويغتسلون وينزعون احذيتهم فى اماكن الصلاة ويؤمنون برب واحد، وهو ما يجعلها تجد نفسها فى مصر اكثر من اسرائيل، واكدت انها لا تعجبها الحياة فى اسرائيل فهى تجد ان الدولة الاسرائيلية لا تعبر عن الدين اليهودى، مشيرة الى انتقادها لاقامتهم حفلات للمثليين جنسيًا والعلاقات غير الشرعية والتشبه بأمريكا فى كل شيء، بدلًا من احترام تقاليد الدين اليهودى الذى يتسم بالاحتشام والتعبد.. على حد قولها.

وسردت «لانا» اخفاءها لدينها على مدار عقود بأنها لم تكن تتحدث مع اى شخص فى امور الدين، وكانت تتجنب ان يقوم اى شخص لا تعرفه بزيارة منزلها بل تقتصر على التعرف على اشخاص قليلين جدًا، وتابعت انها علمت اطفالها عندما كبروا انهم ليسوا مسيحيين حتى لا يعلم احد من جيرانهم فى منطقة سبورتنج بالاسكندرية انهم يهود نظرًا لتحكم السلفيين فى المنطقة، على حد قولها.

وحكت أنها كانت تتواصل مع افراد اسرتها الذين هاجروا الى اسرائيل وامريكا واوروبا وجميعهم يتمنون العودة لمصر، والحصول على جنسيتهم مرة اخرى، لكن الدولة ترفض ذلك، واشارت إلى انها تحب الرئيس الراحل أنور السادات جدا، لانه استطاع ان يحميهم، لكن المجتمع رفض تلك الثقافة.

جورج سويلم، حالة ثانية من اليهود المتخفيين فى الديانة المسيحية، يعمل محاسبًا بأحد الاحزاب السياسية، قال إنه يعتبر على الورق مسيحيًا لكن تاريخ أسرته ووالده يهودى، وكبروا على الثقافة اليهودية فى منزلهم، وحكى «جورج» ان الامر بدأ مع جده، الذى اتى الى مصر من اسبانيا خوفًا من الإبادة التى كانت ترتكب ضد اليهود فى ذلك الوقت، وتزوج من سيدة مصرية تركية الاصل فى اواخر القرن التاسع عشر، لكن الاحداث السياسية بين اسرائيل ومصر والعرب جعلت العديد من اليهود يهاجرون من العراق ومصر والمغرب وسوريا الى اسرائيل ودول أوروبا.

وأكد «جورج» أن المئات من اليهود يختبئون داخل ديانتى الاسلام والمسيحية هربًا من اقاويل المجتمع وعدم تفريقه بين اليهودية والصهيونية، فضلًا عن التشديدات والمراقبة الامنية، مشيرًا الى ان تلك الافكار التى يتبناها الامن المصرى والمجتمع ليست صحيحة دائمًا. وتابع «جورج» أن أفراد اسرته الان يعملون كموظفين فى الدولة، وفى الاحزاب السياسية.

واكد «جورج» انه واسرته واسر يهودية كثيرة لا ترى فى اسرائيل وطنًا كما يظن البعض، بل ان العديد من يهود العالم ينتقدون الصهيونية، واستطرد قائلًا: اتمنى ان يتم تثقيف المجتمعات العربية لتفرق بين اليهودية والصهيونية»، مشيرا الى انه يتبع طائفة يهودية تتشابه مع الاسلام فى كثير من أوجه العبادة، من التوحيد والوضوء ودخول المعبد بلا حذاء والسجود لله، وتابع جورج قائلًا انه لا يعلم عن اسرائيل شيئًا سوى ما يسمعه من الاعلام المصرى، مؤكدًا انه حتى لا يعرف اى لغة سوى العربية ولا يفهم من العبرية شيئا.

وتابع جورج: «لى اصدقاء مسيحيون ومسلمون ولا انظر لهم من منظور دينى بل اتعامل معهم بشكل طبيعى كأى مصرى واصدقائه نمزح ونتجادل، وتابع: «لقد شاركت فى الثورة المصرية وشاركت فى المظاهرات ضد الإخوان المسلمين لأننى اريد لمصر الأفضل، وأشار إلى أنه لا يكره مصر، لكنه يكره بعض الأشياء السلبية التى يراها اى مصرى، ويتمنى أن تتغير كأى مصري».





الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;