فى الأحد الأول منها.. ماذا قال البابا شنودة عن صوم الرسل بالكنيسة الأرثوذكسية

مازالت الكنيسة الأرثوذكسية تحتفل بفترة صوم الرسل، والتى بدأت الاثنين الماضى، وتستمر حتى يوم الحادى عشر من يونيو، ويوافق اليوم الأحد الأول من فترة صوم الرسل. وخلال السطور التالية ننشر عظة البابا شنودة الثالث عام 2010 عن فترة صوم الرسل فى الكنيسة الأرثوذكسية. "نحن الآن نصوم صيام الرسل، وبمناسبة صوم الرسل أود أن أكلمكم عن الآباء الرسل.. وصوم الرسل كان أول صيام صامته الكنيسة المسيحية لأن الرسل صاموا هذا الصيام، ولكن هو ليس أهم صيام، هو أول صيام من جهة التاريخ، لكن ليس أهم صيام، أهم صيام فى الكنيسة الصوم الذى صامه السيد المسيح نفسه (الأربعين المقدسة وأسبوع الآلام ويتبعهم الأربعاء والجمعة). وأضاف أول شيء يجب أن تعرفوه عن الآباء الرسل أن السيد المسيح هو الذى اختارهم بنفسه وقال لهم: "لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِى بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ"، وهذا يرينا أن الوظيفة الكهنوتية تكون باختيار الرب. "لستم أنتم اخترتمونى بل أنا اخترتكم" "وأرسلتكم لتصنعوا ثمرًا ويدوم ثمركم" (وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ) فجميعهم كانوا مختارين من الرب. واختارهم الله من نوعيات مختلفة ومتعددة، اختار يوحنا الحبيب الرقيق الذى يتكئ على صدره، واختار بطرس الرسول الشديد الذى يتدخل فى كل مناسبة ويتكلم سواء كان كلامه خطأ أم لا، مثلما حدث عندما قال السيد المسيح للتلاميذ: "كلكم تنكروننى هذه الليلة" (كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِىَّ فِى هذِهِ اللَّيْلَةِ) فتدخل بطرس وقال: "أبدًا. ولو أدى الأمر أن نموت معك"، كان بطرس يتكلم بحماس وكلامه حلو. ومرة أخرى عندما قال السيد المسيح: "من يقول الناس أنى أنا؟" فرد بطرس قائلًا "أنت المسيح ابن الله الحي" فقال له السيد المسيح: "طوباك يا سمعان". وفى مرات أخرى عندما قال السيد المسيح: "سيقبِض على رؤساء الكهنة، وغيرهم، ويقتلوننى وفى اليوم الثالث أقوم" فرد بطرس سريعًا: "حاشاك يا رب" "لن يحدث هذا أبدًا". فرد عليه السيد المسيح: "اذهب عنى يا شيطان أنت تفكر فيما للناس وليس فيما لله" (اذْهَبْ عَنِّى يَاشَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ) أى أن السيد المسيح اختار هذا الرجل القوى المندفع الذى أحيانًا يكون على حق فى كلامه وأحيانًا يخطئ واختار يوحنا الهادئ الناعم، واختار توما الشكاك الذى قال: "لا يمكن أن أصدق إلا عندما أضع إصبعى مكان المسامير". أى اختار أنواع مختلفة من الناس، منهم أيضًا يهوذا الخائن. واختار أيضًا أناس ضعفاء مساكين صيادى سمك. لذلك بولس الرسول قال كلمة عجيبة فى هذا الأمر حيث قال: "اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِى الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِى الأَقْوِيَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس أى الله اختار أناسًا بسطاء.. ويقصد بذلك، أنه إذا كانوا جميعًا حكماء ربما إذا تكلموا كلام حكمة سَيُقَال أن هذا الكلام منهم؛ لكن إذا كانوا بسطاء وتكلَّموا هذا الكلام العميق، سيَعْلَم الناس أن هذا الكلام من الله وليس منهم. الرسل يمكن تقسيمهم لثلاثة فرق: أولًا: الاثنى عشر رسولًا. ثانيًا: السبعون رسول الذين اختارهم السيد المسيح بعد ذلك، الذين منهم مارمرقس، ومنهم لوقا الإنجيلى، ومنهم برنابا، إلخ أيضًا يضاف للرسل فيما بعد النوع الثالث. ثالثًا: شاول الطرسوسى الذى كان مضطهدًا للكنيسة وأصبح عمود من أعمدة الكنيسة. وإلى جوار الناس الذين كانوا بسطاء فى تعليمهم مثل مار بطرس ومار يوحنا كان أيضًا من ضمن الرسل من كان لهم ثقافة كبيرة. خاصة من الرسل السبعين، فمرقس الرسول يقال عنه أنه كان مثقفًا جدًا وكان إلى جوار اللغة العبرانية التى يتقنها يعرف أيضًا اللغة اليونانية ويعرف أيضًا اللغة اللاتينية لغة الرومان، ولذلك فى بعض كتب الكاثوليك يقولون أن مرقس كان يترجم لبطرس لأن معرفته كبيرة باللغة، ولوقا كان طبيبًا وكان رسامًا أى له فى الناحية الفنية وله فى الناحية العلمية. الرسل أحبوا السيد المسيح محبة فائقة جدًا: هؤلاء الرسل كانوا يحبون السيد المسيح محبة فائقة جدًا.. وأكبر دليل على هذه المحبة أن بطرس الرسول قال له: "هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ"، فقد رآهم السيد المسيح وهم يصطادون فى السفينة وقال لهم: "هَلُمَّ وَرَائِى فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَى النَّاسِ" فتركوا السفينة وتركوا الشباك وتركوا الدنيا كلها وساروا ورائه، أيضًا هذا يذكرنا بإبراهيم أب الآباء عندما قال له الله "أترك أهلك وعشيرتك وبيت أبيك وتعال معى إلى الجبل الذى أريك إياه هناك أجعلك شعبًا" (اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً)، وفعلًا ترك أهله وترك عشيرته وترك بيت أبيه وذهب وراء الرب، وكانوا يحبون الرب جدًا وتركوا كل شىء من أجله. ويعطينا ذلك فكره عما يجب أن يكون عليه الرعاة، فعندما نختار أحدهم للكهنوت لا يجب أن يتكلم فيما يخص السكن والعائلة والماديات وما يكفيه وما لا يكفيه. بل يتمثل بالرسل الذين تركوا كل شيء وتبعوه. الرسل تسلموا العقائد واللاهوتيات والطقوس من الرب يسوع : وأمضى هؤلاء الرسل الذين تبعوا السيد المسيح فترة إعداد خدام أكثر من 3 سنوات، ففترة خدمة السيد المسيح على الأرض كانت أكثر من ثلاثة سنين. وقد ساروا وراءه فى الثلاثة سنوات، يسمعون عظاته ويروا معجزاته ويروا مواقفه مع الأعداء والمؤيدين يلاحظوا كل شيء. فكانت فترة تدريب قوية جدًا مع المسيح، ومع ذلك المسيح لم يكتفى بها. فبعد القيامة مكث معهم أيضًا أربعين يومًا يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله، أى كل ما لدينا من عقائد ولاهوتيات وطقوس تعلمها التلاميذ فى فترة الأربعين يوم ونقلوها إلينا. نقلوها إلينا بأن السيد المسيح قال لهم إكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها وعمدوهم وعلموهم جميع ما أوصيتكم به. لذلك الرسل فيما كتبوا لنا كانوا يعلموننا ما قاله السيد المسيح لهم. وتابع البابا شنودة فى كلمته "من المؤكد أنكم قرأتم الإنجيل والرسائل لكن هناك أمر آخر أيضًا هو القوانين التى وضعها الآباء الرسل. ومنها الدسقولية وهى تقع فى 38 باب عن الرعاية من كل جوانبها. وأيضًا قوانين الرسل حيث أصدر الرسل 127 قانون فى كتابين أحدهما به 71 قانون والآخر به 56 قانون. هذه القوانين نشرت فى مجموعة باترولوجيا أورينتاليس The Patrologia Orientalis أى "أقوال الآباء الشرقيين". هناك أناس كثيرين ممن يتكلمون عن الكنيسة والقوانين لم يقرأوا هذه ولا تلك، (وينطبق عليهم المثل القائل: إللّى على البَرّ عوَّام)! كانت قلوبهم متفتحة وعقولهم متفتحة وكلها مُرَكَّزَة فى الربَ وفى وصاياه. وأيضًا طوال مدة إعدادهم كانوا متفرغين تفرغ كامل للسير وراء الرب. أما حاليًا، فأرى الكثير من الخدام لم يتم إعدادهم للخدمة بطريقة سليمة. وأحيانًا ينحرفون فى تعاليمهم وينحرفون فى تصرفاتهم. وسيكون لنا معهم موقف ليتعلموا ويفهموا، وإذا لم يتعلموا فليمضوا بسلام! تبعوه وتركوا كل شيء: هناك شيء جميل فيمن تبعوا السيد المسيح: أنهم تبعوه وتركوا كل شيء. كما قيل عن إبراهيم أبو الآباء أنه سار وراء الرب وهو لا يعلم إلى أين يذهب. والرسل عندما ساروا وراء السيد المسيح لم يكن له بيت، فقد كان يسير من بلد إلى بلد، ومن حقل إلى حقل، ومن مدينة إلى مدينة.. ويقول عنه الكتاب: "لم يكن له أين يسند رأسه" (فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ) ولم يسأله الرسل أين سنذهب، فهذا لا يهتمون به، بل المهم أنهم يمشون وراءه.. وكان عندهم الإيمان بأن كل شيء سيكون كما ينبغى أن يكون. سندتهم قوة الرب يسوع: وبهذا الشكل أخذ الرسل قوة كبيرة. قوة من معاشرتهم للرب وقوة من مساندة الرب لهم. فكانوا يتكلمون ويسند الله كلامهم بالمعجزات، كما ورد فى آخر إنجيل مارمرقس. ومن قوة الآباء الرسل نجد أن عظة واحدة قالها القديس ماربطرس آمن بها 3000 واحد من اليهود، وتَعَمَّدوا فى ذلك اليوم كما ورد فى سفر الأعمال إصحاح اثنين من آية 38. ويقول الإنجيل: "وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو" (سفر أعمال الرسل 6: 7). وبعد أن كانوا يعلِمون فى أورشليم بدأوا يُعَلِّمون فى السامرة وفى كل مكان. والسيد المسيح قال لهم: "متى حل الروح القدس عليكم حينئذ تكونون لى شهودًا فى أورشليم وفى كل اليهودية وفى السامرة وإلى أقصى الأرض" (مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِى شُهُودًا فِى أُورُشَلِيمَ وَفِى كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ). هذه هى القوة التى كانت عند الآباء الرسل. ليس فقط عند الاثنى عشر رسول. فمار مرقس عندما جاء مصر كان فيها عبادات لا تحصى، العبادات الفرعونية الكبيرة، والعبادات اليهودية (فقد كان فى اثنين من أحياء الإسكندرية عبادات يهودية)، والعبادات اليونانية التى انتشرت من بعد الإسكندر المقدونى وخلفائه من البطالمة وأيضًا عبادات رومانية منذ بدء الحكم الرومانى على مصر من عهد اكتاڤيوس قيصر (أكتافيوس) واستمروا فى الحكم حتى الفتح الإسلامي، أى كان هناك عبادات كثيرة.. وكان مارمرقس لا يملك شيئًا، ولكنه استطاع بنعمة الله أن يحوِّل الإسكندرية إلى بلد مسيحية قبل أن ينال إكليل الشهادة. جماهير كثيرة كانت تتبع الإيمان ومن ضمنهم الكهنة أيضًا اليهود، ومَنْ يدرس تاريخ الكنيسة منكم فى العصر الرسولى يرى عجبًا، حيث كانوا ينادون باسم المسيح فيمنعهم الكهنة ورؤساء الكهنة ويحذروهم من نطق اسم السيد المسيح، فيرد عليهم بطرس الرسول ويقول "يَنْبَغِى أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ"وهذه العبارة نرددها باستمرار ونؤمن بها. كانت سمة الكنيسة فى العصر الرسولى هى سمة الانتشار على الرغم أنه كان هناك حكام فى منتهى العنف مثل نيرون وحتى القرن الرابع، حيث كان هناك دقلديانوس وبعض الولاة فى مصر فى منتهى العنف، مثل أريانوس والى أنصنه.. ولكن المسيحية وقفت ضد كل هذا قوية بمعونة الله لها. لولا الرسل ما كنا نعرف الإيمان وما كنا مسيحيين: أقول بعد كل هذا أن الرسل كان لهم فضل كبير علينا ولولاهم ما كنا نعرف الإيمان، وما كنا صرنا مسيحيين. ومع ذلك يَنْدُر وجود كنائس على أسماء هؤلاء الرسل! فقليل جدًا الكنائس التى تحمل اسمهم.. ففى القاهرة توجد كنيسة البطرسية، والمفروض أنها على اسم بطرس الرسول. وأحيانًا تكون كنيسة على اسم بولس وبطرس ومارمرقس.. ولكن أين الباقين؟! يَندُر وجود كنائس على أسماء باقى الرسل الإثنى عشر. الرسل سلمونا التقليد الكنسى كما تسلموه من الرب يسوع: الرسل سلموا إلينا جميع التفاصيل. فلو سأل أحدهم: أين فى الإنجيل تفاصيل ما يحدث فى التناول أو المعمودية؟ فأجيب: الإنجيل كان يقدم الخلاص للناس، أما تفاصيل الطقوس فأعطاها الرب للرسل، والرسل هم الذين سَلَّموها إلينا.. ومن هنا نشأت التقاليد الكنسية، وبها نتمثَّل بالرسل، ونعمَل كما عمل الآباء الرسل. مثلًا الإنجيل يقول: ترسم قسوس. مثلما أرسل القديس بولس لتلاميذه برسامة قسوس. ولكن كيف نرسم القسوس، هذه لا تُذكَر فى الإنجيل لأنه ليس كتاب طقوس. ولكنه كتاب المبادئ الأساسية السامية. أو يسأل شخص: ما الآية التى توصى بعدم شرب السجائر؟ فأقول له: الإنجيل لم يدخل فى هذه الأشياء الصغيرة، ولكنه قال لنا: كل شيء يضرك أو يضر غيرك لا تفعله. كل شيء يسيطر على حريتك وإرادتك وتُسْتَعبَد له لا تسير فيه.. هذه هى المبادئ العامة التى يدخل ضمنها أشياء كثيرة لن أستطيع حصرها. لكن المبدأ موجود فى الإنجيل، بينما التفاصيل تُرِكَت لنا.. وسبق أن كلمتم كثيرًا فى هذا الموضوع.






الاكثر مشاهده

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

;