"فى مخيلتى كان له وجهان.. أحدهما، لتلك الشخصية الهادئة التى تلوح لى كثيرا فى أسلوبه وتعبيراته وموضوعاته التى يكاد همسها أن تصل إلى حدود المونولوج الداخلى، فلم أره يوما فى معركة حادة من معارك الفكر أو الأدب أو السياسية، حتى خلافاته مع الآخرين يكسوها هذا الهدوء الشفاف"، هكذا وصف الناقد الكبير غالى شكرى، الروائى الراحل فتحى غانم، فى كتابه "مذكرات ثقافة تحتضر".
لكن هل كانت حياة "غانم" هادئة من المعارك، أم أن صاحب "الرجل الذى فقد ظله" والتى تحل اليوم الذكرى التاسعة عشرة، على وفاته، إذ رحل فى 24 فبراير 1999، كانت له الكثير من المعارك الأدبية؟
لعل الممتع فى الكتاب هو اكتشاف القارئ لأحداث أدبية تتخذ صفة المعارك الصغرى، صار زمنها بعيداً الآن، لكن من المؤكد أنها تركت فى حينها آثاراً على أصحابها سواء المعنيين بها مباشرة أو الذين انعكست نتائجها عليهم، فمن البديهى أن معركة أدبية ما فى زمن ما، تساهم فى شكل أو آخر فى حضور وجوه ثقافية على الساحة، وفى إبعاد وجوه أخرى أيضاً.
هذا هو ما حاول الإجابة عنها الناقد والشاعر الكبير شعبان يوسف، من خلال كتابه "وجوه أخرى لفتحى غانم" ومما يتضح فى الكتاب أن فتحى غانم دخل فى معارك أدبية وفنية لا تخلو من السخونة والفرادة، ولا تبدو أنها حافظت دوماً على الإطار الشكلى المهذب الذى يصفه غالى شكرى، وذلك حسبما الكاتبة لنا عبدالرحمن، بمقالة نشرت لها فى جريدة "الحياة اللندية".
وبحسب قراءة للكتاب سردتها الكاتبة "لنا عبد الرحمن" أن غانم تحدث عن تلك المعارك قائلاً أنه هاجم عام 1952، فى "روز اليوسف" وفى باب "أدب" بفرادة كلا من أحمد الصاوى محمد، وعبدالرحمن الخميسى، وهاجمه الخميسى فى "المصرى" قائلاً إنه "ابن ذوات"! ويكتب قصصاً فاشلة.
وعام 1954، كتب غانم سلسلة مقالات فى "آخر ساعة" بعنوان "طه حسين عقبة ضخمة فى طريق القصة القصيرة"، وقد أدخلته هذه المقالات فى معمعة مع فريق كبير من الكتاب.
عام 1955، هاجم أسلوب محمود أمين العالم فى النقد، ورد محمود فى "روز اليوسف" بمقال عنوانه "فتحى غانم والنقد الأسود"، وكان ذلك فى باب للنقد فى "آخر ساعة" عنوانه "أدب وقلة أدب".
عام 1955 – 1956، كتب جملة مشتركة مع رشاد رشدى عن يوسف السباعى "التلميذ البليد يكتب فى فوائد الحديد"! وكتب يوسف السباعى عنه وعن رشاد رشدى أن "رشدى وفتحى – ثنائى الأدب، الراقصتان ليز وتين". عام 1956، هاجم غانم قصص عبدالحليم عبدالله، الذى رد بمقال فى "آخر ساعة" عنوانه "فتحى غانم وفرقة ساعة لقلبك"، وفى العام نفسه هاجم أسلوب نعمان عاشور فى القصة، وهاجم مضمونها... إنها سلسلة طويلة من المعارك التى خاضها، أو تورط فيها.
وبحسب شعبان يوسف فى كتابه، كما توضح للقارئ "لنا عبد الرحمن "ولم تكن معارك غانم على المستوى الأدبى والثقافى فقط، بل كانت على المستوى الفنى، فهو كتب عشرات المقالات فى السينما والمسرح والفن الشعبى والرقص والباليه، وكتب عن الفنانين أنفسهم، وهاجم كثيراً منهم، أو أبدى ملاحظات فنية على أداء بعضهم. ودافع غانم عن استقلال الفنون، واستقلال الثقافة عن القرارات السياسية".