اقرأ مع جواد على.. "المفصل فى تاريخ العرب" تعرف على ملكة تدمر الشهيرة

يواصل المفكر العربى الكبير جواد على (1907- 1987) قراءة التاريخ العربى القديم والتعرف على قبائله وملوكه وعلاقاته الداخليه والخارجية وحروبه واقتتاله، وذلك من خلال الكتاب المهم "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، وسؤال اليوم: من هى "الزباء" ملكة تدمر الشهيرة؟ وللعلم فإن الثقافة العربية تعاملت معها على أساس أن اسمها "زنوبيا". يقول جواد على: انتقل الملك بعد مقتل "أذينة" و"معن" إلى "وهبلت" و"هبلات" "وهب اللات"، وهو ابن "أذينة" من زوجه "الزباء" ويعرف فى اليونانية بـ "اتينودورس". وكان لـ وهبلات أخوة هم: "حيران" "خيران" و"تيم الله" وأمه "الزباء"، وكان قاصرًا، لذلك تولت الوصاية عليه وتأديبه بأدب الملوك حتى يبلغ سن الرشد، فعلمته "اللاتينية" والفروسية، وهيأته ليكون ملكًا كبيرًا كقياصرة الرومان أو أكاسرة الفرس وسعت هى لتهذيب الدولة وتوسيعها وبسط نفوذها على أماكن واسعة لم تكن خاضعة لتدمر، لذلك كان لا بد من حدوث احتكاك وتصادم بينها وبين الرومان. وللأخبارين أحاديث وأقاصيص عن الزباء، واسمها عندهم "نائلة بنت عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوبر العميلقى " والعملقى" من العماليق، أو أنها "الزباء بنت عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوبر" و"ليلى" فى زعم آخر، وزعموا أن لها أختًا اسمها "زبيبة" بنت "الزباء" ولها قصر حصين على شاطئ الفرات الغربى، فكانت تشتو عند أختها وتربع ببطن النجار، وتصير إلى تدمر، كما كان لها جنود هم فى نظرهم بقايا من العماليق والعاربة الأولى، وتزيد وسليح ابن "حلوان بن عمران من الشام فالتقوا فاقتتلوا قتالًا شديدًا فقتل "عمرو بن الظرب" وانفضت جموعه، فأجمعت الزباء رأيها لغزو "جذيمة" للأخذ بثأر أبيها، واستعدت لذلك، غير أن أختًا لها هى "زبيبة"، وكانت ذات رأى ودهاء وأدب، نصحتها بترك الحرب، فإن عواقبها غير مضمونة، فاستجابت لنصيحتها، وعمدت إلى طرق المكر والحيل فراسلته واستدرجته إلى عاصمتها فى قصة معروفة مشهورة لا حاجة بى إلى إعادتها، فغدرت به وقتلته. وطلب "قصير بن سعد بن عمرو ابن جذيمة بن قيس بن ربى بن نمارة بن لخم"، وكان أريبًا حازمًا أثيرًا عند "جذيمة بن الأبرش" من "عمرو بن عدى" خليفة "جذيمة" على الحيرة الخروج لقتال "الزباء"، فأحجم فلما رأى ذلك منه، صمم على أن يأخذ هو بالثأر، فذهب إليها مدعيًا أنه مضطهد ممقوت لتهمة نسبت إليه هى أنه ساهم فى قتل "جذيمة" فوثقت به واطمأنت إليه وهى لا تعلم ما يخفى لها، ثم طلب منها أن يعود إلى بلده ليعود بأمواله ونفائس ما لديه فسمحت له وأعطته تجارة لتصريفها هناك، فباعها وعاد بأرباح طائلة وبأموال كثيرة، فزادت ثقتها به وتكرر الحال، حتى إذا ما وثق من اطمئنانها إليه عاد فى المرة الأخيرة برجال أشداء من بنى قومه ومعهم "عمرو بن عدي"، وضعهم فى جوالق كبيرة فلما توسطوا فى المدينة، أنزلت الجوالق وخرج الرجال منها، فوضعوا سيوفهم فى رقاب أهلها، فلما رأت الزباء ذلك، أرادت الهرب من نفق حفرته لمثل هذه الأيام، اطلع قصير عليه، فوضع "عمرو بن عدى" على بابه، فلما رأته الزباء مصت خاتمها، وكان فيه سم، قائلة: "بيدى لا بيدك يا عمرو"، وتلقاها عمرو بن عدى بالسيف فجللها به وقتلها، وغنم كثيرًا، وانكفأ راجعًا إلى العراق. وهى قصة محشوة بالأمثال المنسوبة إلى أبطالها: جذيمة وقصير والزباء وعمرو ابن عدي، وفيها على عادة الأخباريين فى رواية أمثال هذا القصص شعر نسب بعضه إلى هؤلاء الأبطال، ونسب بعضه الآخر إلى شعراء أقحمت أسماؤهم فى القصة ليؤكد واضعوها ولا شك صدق حديثهم، وليلونوا كلامهم بعض التلوين. وذكر أهل الأخبار أن "الزباء" كانت تأتى الحصون، فتنزل بها، فلما نزلت بـ"مارد"، حصن دومة الجندل، وبالأبلق، حصن تيماء، قالت تمرد مارد وعز الأبلق، فذهبت مثلًا. ولم يبخل الأخباريون على الزباء، فمنحوها أبياتًا زعموا أنها قالتها، وجعلوها أديبة فى العربية بليغة إلى أعلى درجات البلاغة، لها حكم وأمثال بهذه العربية، عربية القرآن الكريم، ولا غرابة فى ذلك، فالذى ينسب شعرًا عربيًّا إلى آدم وإبليس ويرويه مشكلًا مضبوطًا على وفق قواعد النحو والصرف، لا يعجز عن رواية شعر ينسب إلى "عمرو بن الظرب" وإلى ابنته الزباء. وذكر أن معاوية ذكر فى أحد مجالسه "الزباء" وابنة "عفزر"، فقال: "إنى لأحب أن أسمع حديث ماوية وحاتم، فقال رجل من القوم: أفلا أحدثك يا أمير المؤمنين؟ فقال: بلى، فقال: إن ماوية بنت عفزر، كانت ملكة وكانت تتزوج من أرادت". ويذكر أهل الأخبار أن "ابنة عفزر" قينة كانت فى الدهر الأول، لا تدوم على عهد، فصارت مثلًا، وقيل: قينة كانت فى الحيرة، وكان وفد النعمان إذا أتوه لهوًا بها، وذكر أن "عفزر" اسم أعجمى. ولم تشأ الكتابات التدمرية الإعلان عن اسم ملكة تدمر، بل ذكرتها على هذه الصورة: "بت زباى" أى "بنت زباي"، و"زباي" هو اسم والد الملكة، حذفت كلمة "بت" وهى "بنت" فى العربية، وقلب الحرف الأخير وهو الباء من كلمة "زباى" وصير همزة، فصار "زباء"، وعرفت ملكة تدمر عند العرب باسم "الزباء". وقد ذكر المؤرخ "فلافيوس فوبسكوس" "Flavius Vopiscus" أن والد "الزباء" رجل من تدمر اسمه "اخليو" "Achilleo"، و"Achilleo" هو "انطيوخس" "Antiochus" فى رواية أخرى. وقد أثنى عليها المؤرخ "تريبليوس يوليو" "Trebellius Pollio" ووصفها وصفًا جميلًا، وأشار إلى مقدرتها وقابليتها، وذكر أنها كانت تتكلم اليونانية وتحسن "اللاتينية"، وتتقن اللغة المصرية وتتحدث بها بكل طلاقة، وتهتم بشؤون المملكة، وتقطع المسافات الطويلة سيرًا على الأقدام فى طليعة رجال جيشها، إلى غير ذلك من كلام فيه ثناء وإطراء على هذه الملكة. وقد بلغتنا روايات تفيد أن الملكة ادعت أنها من مصر، من سلالات الملوك وأنها من صلب الملكة الشهيرة "قلبطرة" "كليوبطرة" "Cleopatra"، وأنها كانت نفسها تتكلم المصرية بطلاقة، وأنها ألفت كتابًا كتبته بخط يدها اختصرت فيه ما قرأته من تواريخ الأمم الشرقية ولا سيما تأريخ مصر، وأنها استقدمت مشاهير رجال الفكر إلى عاصمتها، مثل الفيلسوف الشهير "كاسيوس ديونيسيوس لونجينوس" "Cassius Lunginus" "220 – 273م" بعد الميلاد، وكان فيلسوفًا على مذهب الأفلاطونية الحديثة ومن أصدقاء الفيلسوف "فرفوريس" "Phorphyrios"، استقدمته الملكة إلى عاصمتها واستضافته عندها وجعلته مستشارًا لها، فأخلص لها في مشورته، فكان ذلك سببًا في قتله. فقتله القيصر "أوريليانوس"، لاتهمامه أنه كان يحرض الملكة على الرومان.






الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;