تمر اليوم ذكرى رحيل المفكر المصرى "نصر حامد أبو زيد" الذى عانى الكثير فى حياته بسبب أفكاره، وقد وقف بشجاعة فى مواجهة أعداء التفكير الذين طالبوا بتفكيره وإقامه دعاوى ضده طالبت بالتفرقة بينه وبين زوجته.
لكن ماذا عن مفهوم نصر حامد أبو زيد عن "تجديد الخطاب الدينى" فى كتاب صدر عن دار مدارك، بعنوان "الحوار الأخير مع نصر حامد أبى زيد" لـ فهد الغريرى، كيف يرى ماضى التجديد ومستقبله وفهمنا له.. هذا ما سنوضحه:
س/ كيف تقرأ المطالبة بتجديد الخطاب الدينى؟ هل ذلك لأن أدوات الخطاب الدينى مهترئة أن أنه مطلب طبيعى فى ظل تغير الظروف والأزمان؟
ج/ التجديد الفكرى بشكل عام مطلوب فى كل وقت، لا نستطيع إجازة تجمد الفكر فى فترة معينة مثلا، هو ضرورة حيوية لحياة المجتمعات والبشر، ونحن نعرف أنه منذ بداية ما يسمى بعصر النهضة، نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، استفاق العالم الذى نعيش فيه من حالة سبات كان بها ليكتشف أن هناك عالما آخر أكثر تقدما فكريا وثقافيا وعلميا وعسكريا، ومن هنا بدأ السؤال: لماذا تقدم الآخرون وتخلفنا نحن؟
هذا سؤال النهضة، أنت نبدأ تشعر بالحاجة إلى تغير حين ترى نفسك فى مرآة الآخر، وهذا حصل فى أوروبا وفى التاريخ كله، هنا كان السؤال هو عن سبب هذا التخلف، وجاءت الإجابة بالنسبة إلينا أن فهمنا لعقائدنا وديننا أصابه التخلف، بحسب جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده والكواكبى وغيرهم، كانت هذه إجابتهم: أنه كان لدينا ما يسمى بالعصر الذهبى لفهم الإسلام والتعددية والفكر العقلانى، وأنه فى هذا العصر كان المسلمون سادة العالم.
وبالتالى طرحت القضية ولا زالت تطرح بهذا الشكل: إن سبب التقدم والتخلف دينى، هذا كان نتيجية أن الخطاب المصاحب للإمبريالية كان خطابا محملا بهذه الهوية الملتبسة، أن هذا العالم اسمه العالم الإسلامى، بينما كانت المسيحية قد تخلصت من هذه المسألة، فالعالم المسيحى أصبح اسمه أوروبا، إذا نحن إذاء مشكلة هوية خلقها هذا الوضع وتعقدت مع الزمن.
وكانت الإجابة الأولى التى جاء بها جيل محمد عبده أننا نحتاج إلى فهم جديد للإسلام، وأن نربط تراثنا العقلانى بالفكر العقلانى العالمي، فالمسألة كانت مسألة سوء فهم. ثم بعد ذلك انحرفت الإجابة من سوء الفهم إلى الخروج من الملة، فجاءت الإجابة الثانية بعد إلغاء الخلافة الإسلامية فى تركيا لتقول إننا خرجنا عن الإسلام، وأنه لا بد من العودة إليه، وهو ما قال به الإخوان المسلمون.
إذا نحن سجناء هذا السؤال، وفى ظل السجن لم نسأل: هل للتقدم والتخلف أسباب يدخل من بينها الفكر الدينى، أم أن الفكر الدينى هو السبب الوحيد؟ طبعا تم طرح هذا السؤال فلسفيا، ولكنه لم يطرح بشكل عام، فالمطالبة بتجديد الفكر الدينى قديمة منذ عصر النهضة، وأتت الدعوة الجديدة بعد أحداث 11 سبتمر وللأسف جاءت ملتبسة، وحصل لها تزييف فتحول تجديد "الخطاب الدينى" إلى تجديد "الخطبة الدينية" والخطبة هى جزء من الخطاب، وتخضع آليات تحليله ونقده للآليات الشفاهية، وهذا للإعلام كله، فمثلا جرب أن تخفض صوت التلفزيون وتشاهد المفتى وتبدأ بتحليل حركات يديه والأداء. الخطاب المكتووب تحليله شيء آخر لأنه "فكر". حصل هذا الخلط، ويتحدث الجميع عن تجديد الخطاب الدينى، فاختلط الحابل بالنابل.
تجديد الخطاب الدينى ليس سؤال اليوم، ولا سؤال الأمس، بل سؤال كل لحظة، كما أن تطوير الفكر هو سؤال كل لحظة، التراث الإسلامى مر بهذه التطورات: تعدد التفسيرات، تعدد المداخل إلى التفسير: فقهى وبلاغى ونقدي ولغوي وفلسفى وغيرها، ويدل تعدد هذه المادخل على وجود غنى، وتتفاعل هذه المداخل مع بعضها البعض بحيث يصعب استقلال أحدها عن البقية. وللأسف أن يتم تصوير المطالبة بالتجديد باعتبارها آتية من الخارج.