رحل الإمام البخارى فى يوم 30 من شهر رمضان عام 256هـ الموافق لـ1 سبتمبر من عام 870 ميلادية عن عمر ناهز الاثنين وستين عامًا، وهو صاحب "صحيح البخارى" الذى يعد، حسب الدارسين، أصح كتب الحديث.
بدأ البخارى حياته العلمية من الكُتَّاب، فأتم حفظ كتاب الله فى العاشرة من عمره، ثم مرّ على الشيوخ ليأخذ عنهم الحديث، ولما بلغ ستة عشر عامًا كان قد حفظ أحاديث ابن المبارك ووكيع، وكان آية فى الحفظ، حتى بلغ محفوظه آلاف الأحاديث وهو لا يزال غلامًا. والشاهد على ذلك ما رواه حاشد بن إسماعيل -رحمه الله- أن الإمام كان يذهب إلى المشايخ مع رفقائه وهو غلام، فكان يكتفى بسماع الأحاديث دون أن يدوِّنها كما يفعل زملاؤه، حتى أتى على ذلك أيام فكانوا يقولون له: "إنك تتردد معنا إلى المشايخ ولا تكتب ما تسمعه، فما الذى تفعله؟" وأكثروا عليه حتى ضاق بهم ذرعًا، وقال لهم مرةً بعد ستة عشر يومًا: "إنكم قد أكثرتم على وألححتم، فأخرجا إلى ما كتبتموه". فأخرجوا إليه ما كان عندهم، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلوا يصحِّحون ما كتبوه من حفظه، فعرفوا أنه لا يتقدمه أحد.
ثم ارتحل البخارى فى طلب الحديث إلى "بلخ" و"نيسابور" وأكثر من مجالسة العلماء، وحمل عنهم علمًا جمًّا، ثم انتقل إلى مكة وجلس فيها مدة، وأكمل رحلته إلى بغداد ومصر والشام حتى بلغ عدد شيوخه ما يزيد على ألفٍ وثمانمائة شيخٍ، وتصدّر للتدريس وهو ابن سبع عشرة سنة، وقد كان الناس يزدحمون عليه وهم آلاف حتى يغلبوه على نفسه، ويجلسوه فى بعض الطريق، يكتبون عنه، وهو لا يزال شابًّا لم تنبت له لحية.