يحفل التاريخ المصرى بالعديد من الحكايات منها ما يتعلق بقصر عائشة فهمى فى الزمالك والذى كان يطلق عليه القصر الوردى، وقد بناه على فهمى لزوجته الفرنسية التى قتلته بعد ذلك، قبل أن يصبح القصر من نصيب شقيقته "عائشة".. فما علاقة ذلك بيوسف وهبى ومحمود شوكوكو؟
يقول كتاب القاهرة وما فيها للكاتب الراحل مكاوى سعيد:
كان قصر الرخام الوردي من نصيب "عائشة"، ولم يحل زواجها من الدكتور "أحمد سعيد" دون مطاردتها للفنان "يوسف وهبي" الذي كان فتى أحلام كثيرات من بنات الطبقات الراقية، وهكذا دفعت مائة ألف جنيه لزوجها كي يطلقها، ثم غادرت مصر بصحبة يوسف وهبي حيث تزوجا في "باريس" وعادا في خريف 1930 ليفتتحا أبواب قصر الرخام الوردي، وما كاد يجلس على مكتب صهره الراحل في بهو القصر، حتى ألهمه وجوده في المكان الذي شهد فصول المأساة، ونومه في الغرفة التي تنام فيها "مارجريت" فكتب مسرحية "أولاد الذوات".
وقد واجه زواج المليونيرة من الفنان أحداثًا ميلودرامية كثيرة منذ إعلانه الأول، فقد رفضت عائلتها بالكامل هذه الزيجة بدعوى أنها لا تتناسب مع مكانتهم الاجتماعية "بالرغم من عراقة عائلة يوسف وهبي.. فوالده خريج الزراعة من جامعة أوكسفورد، ويحمل لقب باشا وكان يعمل مفتشا للري في الفيوم وعائلته من كبار ملاك الأراضي الزراعية.. لكن عائلة عائشة فهمي اعتبرت عمل يوسف بالتمثيل يحط من قدره"، وكانت "عائشة فهمي" آنذاك أغنى سيدة في مصر وتكبر "يوسف وهبي" بستة عشر عامًا، وكتب يوسف وهبي مسرحيته الشهيرة "أولاد الذوات" ردا على مرافعة "سير مارشال هول" واتهم في المسرحية النساء الأوروبيات بالانحلال وعدم التقيد بالقيم الخلقية، مما فجر غضب الأجانب المستوطنين في مصر، وكان لهم في ذلك الوقت سطوة وسلطان لا نهاية لهما، وانهالت رسائل التهديد والسب على يوسف وهبي من كل مكان، حتى لندن وباريس، وكتبت جريدة "لا بورص إيجبسيان" تهاجم يوسف وهبي في مقالتها الافتتاحية المخصصة دائمًا لأحداث الساعة السياسية.
وأولى ثمار هذه الزيجة كانت فكرة المدينة التي تجمع كل الفنون هي مدينة "رمسيس" التي سعى لعملها يوسف وهبي عام 1930، على مساحة قدرها 17 فدانا في الأرض التي هي مدينة الأوقاف بالمهندسين الآن، وتكلف إنشاؤها 500 ألف جنيه بجنيهات ذلك الحين-دعمته فيها بشدة ماليًا زوجته عائشة فهمي، وكانت تشمل: أول دار سينما مكشوفة في الهواء الطلق "سينما صيفي" سعة 400 مقعد - مسرح كبير 3000 مقعد لفرقة رمسيس- ومسرح أصغر قليلا عملت عليه منيرة المهدية أيامها - ولونا بارك وملاهي – وكباريه - وستديو سينما - وساحة للعب الباتيناج - ومحطة إذاعة محلية كان يديرها شقيقه إسماعيل، شنت حكومة توفيق نسيم باشا - التي كانت تحكم البلاد أيامها- الحرب على يوسف وهبي لتنتزع منه المدينة، واستطاعت، فعلاً، بعد أن فرضت وزارة الأوقاف، صاحبة الأرض المقام عليها المدينة، على يوسف وهبي أن يشتري الـ 17 فدانا ب 6 آلاف جنيه، لكن يوسف لم يستطع توفيرها لأنه كان قد أنفق كل ما يملك في إنشاء المدينة، كما أن الأجور المرتفعة للممثلين والإنفاق ببذخ على الإعلانات والديكورات إلى جانب الحياة المرفهة ليوسف وهبي قد قضت على الأرباح فأشهرت الحكومة إفلاسه وانتزعت منه المدينة وهدمت كل ما بناه يوسف وهبي عليها!
وقد قال "يوسف وهبي" يوم إغلاق مدينة "رمسيس": اليوم فقط أشعر أني أدفن كل أحلامي.
بإغلاق مدينة "رمسيس" بدأت سلسلة من المشاكل الزوجية تواجه "يوسف وهبي" من زوجته "عائشة فهمي"، فرغم شهرتها بأنها محبة للفن ومن رعاته، لكنها بدأت تَغير من معجبات "يوسف وهبي" وتضيق من تفرغه لفنه وإبداعه وإهماله لحياتهما الزوجية، وتفاقم الخلاف تحت تردي حالة يوسف وهبي النفسية لفقدانه حلمه الذي سعى له كثيرًا، خاصة بعدما أصابت "عائشة فهمي" حالة من الهوس جعلتها تطلق خلف يوسف وهبي جواسيس وعيونا تترصد وتضيق عليه حركاته! ودفعته هذه التصرفات لأن يغامر مع نساء أخريات، حتى وقع في غرام "سعيدة منصور" (وهي كانت بمثابة ابنة وربيبة لعائشة فهمي قبل أن تتزوج وتنجب أطفالا) وسرعان ما تحولت هذه العلاقة إلى حب ملتهب وطلب منها الهروب معه إلى بيروت! فقبلت على الفور، ولنتركها تحكي عن هذه الأزمة: (شعرت أن قوة مغناطيسية لا قبل لي بها تسيّرني وتسلبني الإرادة والعقل، حتى لم أعد أدري ماذا أفعل، وكيف أترك هؤلاء الصغار وأضحي بهم؟! وخرجت من البيت حتى لم آخذ معي المجوهرات والنقود)، وحسمت أمرها وهربت إلى بيروت، وكان "يوسف وهبي" في انتظارها هناك.
وجُن جنون "عائشة فهمي" بعد هروب زوجها إلى بيروت بصحبة ربيبتها، فطردته من قصرها ورفعت عليه دعوى نفقة وظلت تطارده في المحاكم حتى أعلنت إفلاسه، أما "سعيدة" فقد علمت بأن أهلها وأهل زوجها يسعون إلى قتلها، فما كان من "يوسف وهبي" إلا أن طلق زوجته "عائشة فهمي" وغامر بالذهاب إلى أهل "سعيدة" يطلب زواجها، وبعد فترة يسيرة تزوج من "سعيدة" بعدما طلقها زوجها، وقضى معها أحلى أيام عمره حتى وفاته كما ذكر بمذكراته. وتقول "سعيدة" عن زواجها بالفنان الآتي: "لقد رأيت عالما من السحر لا قبل لي بمقاومته، فنسيت كل شيء!"، وعادت "عائشة فهمي" بعد فقدانها زوجها تعرض على "سعيدة" أن تمنحها 50 فدانًا من أراضيها بالمنيا مع بعض المجوهرات الثمينة نظير أن تترك لها "يوسف وهبي"، لكن سعيدة رفضت وأقامت في بداية زواجها من "يوسف" في شقة صغيرة على سطح المبنى الذي أسفله كافيتريا "جروبي" بوسط البلد، ورغم أنها كانت منذ صغرها ربيبة قصور ولم تنتقل من قصر أبيها إلا إلى قصر زوجها السابق! لكنها كانت راضية وسعيدة وصبرت حتى تبدلت الأحوال بزوجها "يوسف وهبي" فيما بعد وأسكنها قصرا فخيما.
ويبدو أن هذه الزيجة أوجعت "عائشة فهمي" جدًا! لأنها فكرت في إيلام "يوسف وهبي" بشدة فتزوجت من الفنان الفطري الجميل "شكوكو"، الذي نال شعبية ضخمة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي لدرجة إطلاق لقب "شارلي شابلن العرب" عليه، واقتحم شكوكو مجال "المونولوج" و"السينما" بردائه المميز (الجلباب والطاقية الطويلة)، وكان أميًّا يساعد والده في محل النجارة، وعشق مهنته ولم يتركها، بل في عز مجده افتتح لنفسه ورشة مستقلة في منطقة الرويعي، وكان يورد منتجاته إلى أكبر متاجر القاهرة، شيكوريل وأوريكو وسمعان وصيدناوي، ومن شدة إعجاب النحاتين به صنعوا له تمثالا من الجبس أصبح يباع في كل مصر، ولحاجة الثوار الذين كانوا يقاتلون الإنجليز آنذاك إلى الزجاجات الفارغة لاستخدامها كمولوتوف، كان الباعة الجائلون ينادون (شكوكو بقزازة) ويمنحون كل من يعطيهم زجاجة تمثال شكوكو، راجت التماثيل وأصبحت في كل بيت وذاع اسم شكوكو. وربما في إحدى الليالي الناعمة التي ظللت "يوسف وهبي" وزوجته "عائشة فهمي" أيام وفاقهما، ربما سخر يوسف أو هزأ من النجار الذي يمثل ويغني وبالغ في نقده، وأسَرّتها عائشة في نفسها، ولما أرادت أن تنتقم تزوجت من شكوكو لتكيده.. محتمل!
بمجرد علم "يوسف وهبي" بهذا الزواج استشاط غضبًا، ورأى أن زواج "شكوكو" من "عائشة" طعنة لبنات الأسر الأرستقراطية والأسر الكريمة والعائلة المالكة الكريمة!