دكتورة نادية هشام تكتب: مكانة المرأة فى العصور الوسطى

رفع الإسلام من شأن المرأة حتى وصلت إلى مكانةٍ ساميةٍ واستمرت هذه المكانة حتى عصر المأمونيين بخوارزم، فالنساء من عامة الشعب شاركن فى الحياة الاجتماعية مشاركة فعالة، فكانت تعيش فى البيت وتخدم أسرتها وتُحجب نهائيًا عن الناس، ولكن نظام الرق قلل من شأنها كزوجة، فحين ذاك كانت الأسرة المتوسطة تضم الكثير من الجوارى الجميلات التركيات؛ مما أدى إلى انصراف الزوج فى كثير من الحالات عن زوجته وتفضيل الجوارى عليها، ومع ذلك كانت تشارك فى الأعمال الخارجية مع الزوج، فقد شاهد بعض الرحالة والذى ذكرهم "ابن خلكان" أن النساء يشاركن أزواجهن فى أعمالهم اليومية فى الزراعة وصناعة الآلات والسكاكين والمقصات، ويشتغلن بالإبرة فى التطريز ونسج الملابس. وكانت المرأة مُقَدرةً فى ذلك الوقت ومن مظاهر تقديرها فى ذلك العصر هو الاهتمام بزواجها، فعندما يرغب أحد فى الزواج منها كان يشترط فى عقد الزواج الولي، وإذا لم يوجد فوليها السلطان أو مَن ينوب عنه، ولا بُد من رضا المرأة بالزواج وحضور شاهدان ظاهرى العدالة، ولا يجوز عقد زواج الكافرة المشركة، أو عقد زواج امرأة طلقها زوجها أو مات عنها قبل العدة المحددة فى الشرع، ويجب التأكد من أن المرأة ليست مجوسية أو وثنية أو زنديقة. ولم يقف دور المرأة على الأسرة واهتمامها بالبيت والنشء ومشاركة زوجها فى الأعمال التى تقدر عليها فحسب بل كان لها دور عظيم فى اعتناق المغول الغزاة للإسلام، فلم يكن الدعاة المسلمين وحدهم ولا التجار الذى ساعد فى نشر الإسلام بينهم، ولكن كان هناك أثر واضح للنساء المسلمات فى اعتناق المغول للإسلام، وهو عندما هاجم جنكيز خان إقليم خوارزم 617هــ/ 1219م، أسر أم وبنات علاء الدين خوارزم شاه، وتزوج ابنه الأكبر جوجى واحدة منهن فى حين تزوج أمراء المغول النساء اللاتى بقين من ذلك الأسر إثر هذا الغزو، فكان للمسلمات أو بالأحرى زوجة جوجى دورًا فى إسلام بركة خان والذى أعلن إسلامه سنة 640هـ/ 1242م، والذى تعددت روايات إسلامه، كما أن خانات المغول بعد إسلامهم طلبوا الزواج من بنات الملوك المسلمين، ومنهم أوزبك خان الذى تبادل المصاهرة مع سلطان مصر الناصر محمد قلاوون وتزوج بنتًا تقربًا له، لذا كان بين ملوك مملكة مغول القفجاق- القبيلة الذهبية- وملوك مصر اتحاد وقوة ومودة من أول أيام الظاهر بيبرس. هكذا كان دور المرأة فى خوارزم وإذا نقلنا نظرنا إلى أقصى الشمال فنجد الأميرة "أولجا Olga" تتربع على عرش المملكة الروسية، والتى قد تولت نيابة عن ابنها "سفياتوسلاف" الذى كان صغيرًا حينها بعد مقتل أبيه، فملكت باسمه وأول ما فعلته عقب توليتها هو الانتقام من قتلة زوجها، وكانت تتمتع بذكاءٍ عالٍ ودهاءٍ يجعلها تنتقم شر انتقامًا من قتلة زوجها، ولم تكتفِ بالانتقام الشديد الذى قضى على أغلب أهل القرية بل وفرضت على الجزء الناجى منهم الجزية التى خصت ثلثيها للعاصمة كييف، والثلث الآخر لمدينة فيتشجورود. ومن الأعمال الأخرى التى ذُكرت عن هذه الأميرة أنها كانت أول من بشَّرَ بالديانة المسيحية فى روسيا، وذلك عقب انتهائها من انتقام زوجها واستقرار حكمها، قررت توطيد العلاقات والاحتكاك بالعالم الخارجي، وكان فى طليعة المتعاملين معها الإمبراطورية البيزنطية، فعلى إثر معاهدة 334هــ/ 945م استقرت الأمور بين البيزنطيين والرُّوْس، ويذكر أنها ذهبت إلى القُسْطَنْطِينِيةُ بعد أن قلدت ابنها مقاليد الإمارة، واستقبلها الإمبراطور "قسطنطين بروفيرجنتيوس السابع" الذى أعجب من حكمتها وشجاعتها النادرة وحكمتها فى إدراة شئون مملكتها. لذا احتفل بها الإمبراطور البيزنطى احتفالاً كبيرًا عند دخولها القُسْطَنْطِينِيةُ، فأكرمها وأنزلها فى قصره واحتفى بها كملكة عظيمة، ومكثت نحو شهرين تتعلم أصول الديانة المسيحية الأرثوذكسية، ولقبها بالمعمودية هيلانة أو هيلينا وهو اسم زوجته، ثم رجعت إلى بلادها محفوفة بالتجلة والإكرام، وعقب وصلها إلى كييف قابلها الجميع باحتفال عظيم. كان ذلك نبذة بسيطة عن بعض أدوار المرأة ومكانتها فى العصور الوسطى وما تتمتع به من إجلال وتكريم فى شتى مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية آنذاك.



الاكثر مشاهده

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

;