متى تم إقرار تدريس الدين الإسلامى إجباريًا ولماذا؟.. تعرف على الأسباب

فى كتاب بعنوان "الجالية الفرنسية فى مصر" فى الفترة منذ 1929 حتى 1949م، والصادر عن مركز المحروسة للنشر، تكشف الدكتورة نشوة عبد القادر كيلانى، العديد من التفاصيل المتعلقة بالجالية الفرنسية، والتى تعد من أقدم الجاليات التى سكنت مصر فى التاريخ الحديث، خاصة فى عهد محمد على وأسرته، حينما استعان بهم فى نهضته الاقتصادية، موضحة الدور الذى لعبته هذه الجالية فى المجتمع المصرى. وفى توضحيها لأحد هذه الأداور، تتناول الدكتورة نشوة عبد القادر كيلانى، الجانب الثقافى، من خلال إبراز الحملات التبشيرية، فتقول: إن الباعث الحقيقى الأول فى رأى القائمين على التبشير، إنما هو القضاء على الأديان غير النصرانية توصلًا إلى استبعاد أتباعها، والإسلام على الأخص هو المعنى بالتبشير، فمن وجهة نظر المبشرين، أنه إذا اتحد المسلمون فى إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا أن لعنة على العالم وخطرًا ونقمة له أيضًا، أما إذا ظلوا متفرقين فأنهم يظلون بلا قوة ولا تأثير. وقد كان السائد عند المبشرين أن الإسلام قد انتشر على حساب المسيحية، وأظهر وهنها، وأقام عقيدة ونظامًا اجتماعيًا جديدًا، وبدت أن قوة هائلة عملت على توحيد الشرق، وقد أقرت المؤتمرات التبشيرية مثل مؤتمر أدنبره باسكتلندا عام 1910م، ومؤتمر القدس عام 1924م، أن أفضل الوسائل للتبشير هو التعليم، وإنشاء المدارس، وخاصة فى أرض الإسلام، وأن التبشير يكون أكثر فاعلية بين الأطفال، لأن تعليم الديانة الإسلامية وترسيخها يتم بين المسلمين فى سن مبكرة جدًا، لذلك وجب أن يكون التبشير من خلال التعليم هو أساس نشاط المبشرين فى البلاد الإسلامية. ولذلك كان الغرض الأول من تأسيس مدارس الراهبات والفرير بالقطر المصرى إنما هو نشر الكاثولوكية، ولما كانت الإرساليات الكاثوليكية هى الأكبر عددًا والأكثر نشاطًا، وكانت معظم الإرساليات الكاثوليكية بمصر فرنسية إلى جانب أقلية إيطالية، فإن التغير العام فى سياسة فرنسا نحو التعليم الفرنسى من دينى إلى علمانى، سوف يؤثر حتمًا على ما يحدث فى مدارس الإرساليات بمصر بوجه عام، وإن تأخر هذا التأثير نوعًا ما. وقد توالى إنشاء المدارس الفرنسية التابعة لجمعيات دينية تتولى الإنفاق عليها لخدمة الأغراض الدينية، وقد مثلت المدارس الدينية النسبة الكبرى من المدارس الفرنسية المقامة فى مصر، وكان من أهم المؤسسات التبشيرية الفرنسية فى مصر المعهد الفرنسى بالمنيرة، ومدارس الفرير بالخرنفش، وكانت العائلات المسلمة الكبيرة ترسل أطفالها بطيب خاطر لدى الراهبات والفرير والجزويت، لأنها تقدم تعليمًا ممتازًا. وفى الوقت الذى رفعت فيه المدارس الأجنبية فى مصر مصروفاتها بحيث لا يمكن إلا لأبناء الطبقات الغنية الالتحاق بها، شذ التعليم الفرنسى والأمريكى عن هذه القاعدة، فافتتحوا مدارس مجانية إلى جانب المدارس ذات المصروفات، وقد مثل الطلاب الذى يتعلمون بالمجان فى المدارس الدينية الفرنسية نسبة 97.4% من جملة الطلاب الذين يتعلمون بالمجان فى جميع المدارس الفرنسية فى عام 1930 و1931، وقد ظلت هذه النسبة عالية فى السنوات التالية مع الانخفاض الطفيف فكانت 94.3% فى عام 1939 و1940، وفى عام 1948 و1949 وصلت إلى 92.8%. وفى هذه المدارس يجبر التلاميذ على القيام بطقوس وعبادات تتنافى مع الدين الإسلامى، فيرغمون صباحًا ومساءً على تأدية امتحان فيها، فإذا لم ينجحوا رسبوا فى امتحان نهاية السنة، ومن تخلف منهم عن تلقى هذه الدروس طرد من المدرسة، كما كانوا يكلفون بقراءة كتب وروايات فيها طعن فى الدين الإسلامى وتجريح للرسول صلى الله عليه وسلم، كما عملوا على مطابقة بعض آيات القرآن الكريم بالإنجيل، كما كانت هذه المدارس مليئة بالتماثيل الحجرية لعيسى عليه السلام، مثل مدرسة العائلة المقدسة بالفجالة، وفى كل يوم يذهب إليها الطلبة المسلمون وغيرهم حيث يركعون أمام هذا الهيكل الحجرى ويرتلون ويصغون إلى القس الواعظ من على منبر وهو يمجد الله وابنه عيسى، هذا عدا الدروس اليومية الإجبارية، التى يتلقونها فلا تخلو حجرة من حجرات هذه المدارس من صور متعددة للسيد المسيح، وآيات من الإنجيل يحفظها المسلون غيبًا من كثرة قراءتها والنظر إليها، هذا إلى جانب أسلوب شرح الدروس، فكل الأمثلة التى يأتى بها الأستاذ لشرح الدرس هى من الكتاب المقدس. وفى هذا الشأن ألغى النقراشى رئيس الوزراء كتاب Histoire France تأليف Girard والذى يدرس بالمدرسة الفرنسية بمنطقة أسيوط بعد الاطلاع على كتاب وزارة المعارف المرفوع إلى مجلس الوزراء، وتبين أن هذا الكتاب يشمل عبادات منكرة تمس المسلمين ودينهم، وأمر فى أول يوليو 1947م، بمصادرة جميع نسخ هذا الكتاب المتداول فى المملكة المصرية، ومنع دخوله إليها مستقبلًا، كما ألغى كتاب preparatoire lannee de historie saint والمطبوع فى باريس، والمتداول فى مصر، لنشره مقالاً فيه تعريض للنبى محمد عليه الصلاة والسلام، وطعن فى الدين الإسلامى. ولم يكن الهدف الأوحد للحركة التبشيرية هو التبشير بين المسلمين فقط، بل استهدف اليهود والأرثوذكس، بل إنه كان هناك صراع ما بين التبشير الكاثوليكى والتبشير البروتستانى على تخاطف الأقباط الأرثوذكس. وكان يرعى الجانب الكاثوليكى المستشرق الفرنسى لويس ماسينون أكبر مستشرق فرنسى معاصر، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ومستشار وزارة المستعمرات الفرنسية فى شئون شمال أفريقيا، وكان الراعى الروحى للجمعيات التبشيرية الفرنسية فى مصر، ومتخصصًا فى الفلسفة والتصوف الإسلامى. وقد أغضب العمل التبشيرى المسلمين والأقباط على حد سواء، وراحت الصحف تطالب الحكومة برقابة هذه المعاهد التبشيرية وتعزى السبب إلى قلة المدارس الحكومية، وتطالب الحكومة بزيادة مدارسها، لكى لا تضطر لإرسال أبناءهم لهذه المدارس مشيرة إلى أن هذه المدارس تتمتع بأكثر من الامتيازات الأجنبية، فهى تتمتع بنفوذ سياسى قوى ورؤوس أموال ضخمة تؤازرها للغاية التى ترمى لتحقيقها، سواء أكانت غاية ثقافية أم دينية. وقد تزعم الشيخ مصطفى المراغى، رئيس جماعة الدفاع عن الإسلام الحملة، وأصدر المنشورات المهيجة، وكان المعروف عن الشيخ المراغى صلاته الوثيقة بالقصر، ويبدو أنه مما شحذ همته فى حملته ضد التبشير، أن ثمة تأييد قد تلقاه من القصر وقتئذ، ذلك بأن المندوب السامى يشير إلى تزايد الهجوم على التبشير منذ اتصاله بالإبراشى، والواقع أن القصر قد استخدم الحملة المضادة للنشاط التبشيرى فى مواجهة المندوب السامى فى محاولة للضغط عليه، خاصة بعد أن فشلت مفاوضات صدقى سيمون التى جرت فى سبتمبر 1932 فى محاولة لاستبقاء نظام صدقى وحمايته. وقد طالبت مشيخة الأزهر الملك والحكومة بضرورة سن التشريع، لمنع نشاط هؤلاء المبشرين فى مصر، كما ألفت لجنة كبار العلماء لجانًا فى جميع أنحاء القطر المصرى لجمع التبرعات لبناء الملاجئ لإيواء الأطفال المتشردين والفقراء ورعايتهم، وتوعية الناس من الوقوع فى حبائل المبشرين. واتسعت حركة التصدى للعمل التبشيرى فى مصر، فشملت الجمعيات الدينية التى نشأت فى هذه الفترة، ولم تكن الحكومة المصرية تستطيع فعل أى شىء ضد المبشرين، إذ أن جهودها كانت تتعثر أمام عقبة الامتيازات الأجنبية التى كانت تحمى نشاطها وتحول دون تطبيق القانون عليهم، فأصدرت القانون رقم 38 لسنة 1948، الذى نص على تدريس الدين الإسلامى إجباريًا على الطبلة المسلمين فى المدارس الأجنبية. وبذلك نجد أن الحملة التبشيرية بشكل عام والكاثوليكية بشكل خاص قد فشلت فشلاً ذريعًا فى تحقيق أهدافها، وأن ما حققته لا يتلاءم مع حجم المهجود التى بذلته فى سبيله.



الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;