"التعليم حق للجميع كالماء والهواء" عبارة شديدة التركيز تلخص قيمة ومعنى التعليم، كونه أداة قوية قادرة على تحويل الأمم بشكل كلى ودفعها إلى الازدهار الاقتصادى، وكان عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين هو أول من رفع هذه الجملة شعارا مناديا من خلالها بمجانية التعليم، وأن يكون حقًا للجميع، مثل الماء والهواء.
لكن للأمانة التاريخية فإن مجانية التعليم فى مصر كانت لها مراحل قديمة بداية من عصر محمد على إلى عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، الذى عمم مجانية التعليم على كل المراحل بما فيها التعليم الجامعى.
فى عهد محمد التعليم مجانى للأعيان وللفقراء فى الأزهر
ينسب للوالى محمد على باشا إنشاء أول نظام للتعليم الحديث فى مصر، ضمن طموحاته لتأسيس دولته، وبحسب كتاب "المرشد الأمين لتعليم البنات والبنين فى القرن الحادى والعشرين: ديمقراطية التعليم لمجتمع ديمقراطى"، من إعداد مجموعة من الباحثين، فإن قبل بداية القرن التاسع عشر كان التعليم مقتصرا على الكتاتيب أو المساجد والجامع الأزهر، ولم تتجل مسئولية الدولة إلا مع بداية 1820 فى عهد محمد، ومع اهتمامه بالتعليم، كانت مجانية التعليم فى ذلك الوقت مقتصرة على قلة من الأعيان، وكان فى الأزهر يقوم على الجراية للفقراء والأغراب من الشعوب الإسلامية.
لكن مع دخول الاحتلال الإنجليزى فرضت المصروفات على التعليم الحديث، واقتصر التعليم فى المدارس لتكوين الموظفين وكوادر الدولة.
مجانية التعليم الأساسى (الإلزامى)
كان دستور 1923 أول دستور مصرى، يكفل حق التعليم، بما يمثل انطلاقة حقيقية لمسئولية الدولة وتطورها فى شئون التعليم.
ويذكر كتاب "المرشد الأمين لتعليم البنات والبنين فى القرن الحادى والعشرين: ديمقراطية التعليم لمجتمع ديمقراطى"، إن دستور 1923، تضمن مادة عن التعليم الأولى، حيث تقول المادة 19 من القانون "التعليم الأولى إلزامى للمصريين بنين وبنات وهو مجانى فى المكاتب العامة"، ويوضح الكتاب أن مع قانون التعليم الإلزامى أصبح التعليم فى المدارس الإلزامية التى بدأت الدولة فى إنشائها مجانيا، وظل باقى التعليم التجهيزى والجامعى بمصروفات ولعدد محدود من أبناء كبار الملاك الزراعيين والتجار وكبار موظفى الحكومة.
التعليم الابتدائى
يوضح الكتاب أن ضمن القرارات التى تمثل انتصارا لحكومة نجيب الهلالى ذات الفكر الليبرالى، هو صدور قانون مجانية التعليم الابتدائى فى المدارس الحكومية فى المدن عام 1944، بجانب التعليم الإلزامى الذى ظل فى القرى إلى جانب التعليم الحديث الرسمى مجانيا.
طه حسين ومجانية التعليم الثانوى
اتسم فكر الدكتور طه حسين، باهتمامه الخاص بالتعليم وحرصه فى الوصول إلى جميع المواطنين، ومع تولى عميد الأدب العربى مهام وزارة التعليم فى 12 يناير 1950، أصدر قرارا فى 1951، بمجانية التعليم الثانوى، اتساقا مع فكرة أن التعليم متاحا ومشاعا كالماء والهواء.
ثورة ناصر التعليمية
مع قيام ثورة 1952، ودورها الوطنى تضمن دستور 1956، أول دستور للبلاد دائم بعد دستور 1923 بأن التعليم حق للمصريين جميعا تكفله الدولة بإنشاء مختلف المدارس والمؤسسات الثقافية، وتضمنت المادة 50 بأن الدول تشرف على التعليم العام فى جميع مراحله المختلفة بمدارس الدولة بالمجان.
حتى جاء عام 1961، وأعلن "ناصر" الثورة التعليمية الحقيقة، وفيه يتيح التعليم الجامعى بالمجان، كحق من حقوق المواطنة، وأتت تعديلات الدسنور فى مارس 1966 مؤكدة على مجانية التعليم، حيث ذكر فى المادة 39 على "إشراف الدولة على مراحله المختلفة فى مدارس الدولة وجامعاتها بالمجان".