نورا عبد الفتاح تكتب: إنه يجرى ويجرى

هناك من يجرى ويلهث، ثم يجرى ويظمأ، ثم يجرى ويتعب، ثم يجرى ويكابد، ثم يجرى وينصب، ثم يجرى ويموت. هل يجرى ويجرى حتى يموت؟ نعم. وكيف ذلك؟ إنه يستيقظ فى الصباح ليتناول هاتفه المحمول قبل أن يتناول إفطاره، يضع سماعات الأذن قبل أن يرتدى ملابسه، يركب سيارته فيفتح الراديو قبل أن يغلق الباب، الأغانى لا تتوقف ولو لثانية، وإن توقفت فالمذيع يعتلى المنبر، ويتقن فن (قلبة الدماغ)، فلا يكاد يتوقف عن الكلام لأكثر من نصف الثانية وإلا فإنه غير محترف، وفاشل وقليل الحرفية وعديم التمكن. الآن وصل بطل حديثنا للعمل، يقوم بعمله بإتقان أو غير ذلك، فى أوقات الفراغ يأكل أو يشرب أو يثرثر مع زملائه أو فى الهاتف. ينتهى من عمله، يعود إلى سيارته بسماعات الأذن أو الراديو، وسط الزحام وأزمات المرور الطاحنة يذهب للقاء أصدقائه بدلاً من أن يذهب يستريح فى البيت، وجلسة ثرثرة حول أخبار العالم أو الرجال أو النساء أو الزواج أو المرور أو الدين، فى حوارات ومشادات صاخبة وطويلة، ليس مجبرًا عليها وإنما اجتهد فى السعى إليها. يعود إلى سيارته بسماعات الأذن أو الراديو، ويتقن الصداع جيدًا، ثم يصل إلى البيت، ليفتح التلفاز قبل أن يخلع حذاءه، ويضع هاتفه المحمول على الشاحن الكهربائى قبل أن يستحم أو يغير ملابسه، ثم يدخل دورة المياه، ليخرج منها لتناول الطعام وفى يده هاتفه المحمول وفى يده الأخرى جهاز التحكم عن بعد الخاص بالتليفزيون، يقلب فى الاثنين معًا وهو لا يوجه تركيزًا لأى منهما، يتنقل من فيلم إلى برنامج إلى مسلسل إلى أغنية إلى إعلان، حتى ينام بعد أن يضع هاتفه على الشاحن الكهربائى، ليتناوله فى الصباح قبل أن يتناول إفطاره، ويضع سماعات الأذن قبل أن يرتدى ملابسه !! ألا من هدوء؟ ألا من راحة؟ ألا من روحانيات؟ ألا من صمت؟ ألا من خدمات للآخرين؟ ألا من أفعال نافعة؟ هو لا يدرى أنه يجرى، هو فقط متعب، ولو واجهته بوضعه، سينكره من الأساس، ويقول إنه يشعر بالتعب والكد والإجهاد الدائمين، ولا يعلم لهم سببًا، فكلها أمور مسلية لطيفة ظريفة خفيفة على النفس، يسعى إليها بإرادته، فأنى تكون سببًا لمأساة أو معاناة من أى نوع؟ ولأنه يمارس كل ذلك برغبته الحرة، فهو يعتقد ويتصور أنه يستمتع بها ويحتاج إليها، ولكنه يجنى على نفسه ويحطم سكينته، ويدمر هدوئه الداخلى، والعجيب أنه يمارس ذلك بإرادته ورغبته الملحة، ولا يرى أنه يظلم نفسه بنفسه بالجرى ثم الجرى، وهو لا يعلم إلى أين؟ هو لا يدرى أنه يعدو، لذلك لن يتوقف. فى الغالب لن يتوقف إلا فى النهاية، ساعتها فقط سيتوقف، لأنها النهاية!



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;