صالح المسعودى يكتب: بين الصراحة والوقاحة

ماذا حدث لك يا صديقى؟ ولماذا هذا التغير المفاجئ فى مفاهيم تربينا عليها وورثناها كابراً عن كابرٍ؟، كانت تلك كلماتى وأنا أعاتب صديقى بعد وصلة من الكلام الخارج عن النص تحدث بها مع شخص آخر، فكان رده على كلماتى (معلش أنا رجل صريح واللى فى قلبى على لسانى) وكأن صديقى مفتخراً بما يقول فى رد أعترف بأنه أفزعنى، فلست مصدقاً حتى هذه اللحظة أننا انحدرنا بتفكيرنا إلى هذا الحد وشوهنا حتى مفاهيم الرقى والذوق الرفيع التى تربينا عليها. قلت له يا صديقى أنت تعانى من خلل قيمى ولابد من سرعة علاجك منه قبل أن يستشرى فى المجتمع وقبل أن تورثه لأبنائك وأحفادك، عليك أن تجالس أهل الذوق وكبار السن فترة حتى يُخرجوا ما لحق بك من تلوث قيمى وبيئى، فقد اختلطت عندك المفاهيم فهناك فارق كبير يا صديقى بين الصراحة التى تدعيها وبين الوقاحة التى تحدثت بها، فالصراحة يا صديقى معناها ألا تضمر فى نفسك شيء وتبدى شيء آخر للغير أى أنك لابد أن تكون صافى السريرة مبتعداً عن الكذب والنفاق هذه هى الصراحة كما عرفتها وكما تعلمتها من أهل الفضل. أما الوقاحة يا صديقى هى أن تتدخل فى ما لا يعنيك أو فى خصوصيات الغير وتختار أسوأ الألفاظ وأسوأ الطرق لإيصال المعلومة للغير، هى أيضاً هذا الذوق المتدنى فى التعامل مع الناس فى الوقت الذى بإمكانك التعامل مع الموقف بأسلوب أكثر رقياً وأدباً، فأنت يا صديقى تخلط الأمور فالصراحة والصدق وصفاء السريرة لا تقارن (بالوقاحة) وسوء الأدب والألفاظ النابية التى لا يستحق ابنك أو ابنى أن يسمعا مثلها وتذكر قول ربك عز وجل (ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد). نعم يا عزيزى القارئ نحن نعانى من خلل قيمى، فما فعله صديقى نتيجةً حتميةً لما ذهبنا له من أفكار يجب التخلص منها، ومنها على سبيل المثال ذلك التفكير الذى يجعلك عندما تقابل شخص محترم ومهذب أنك لا تقول عنه كذلك بل تقول عنه (دا غلبان ) أو بوصف آخر (دا القطة تأكل عشاه)، أما الشخص (السفية) ذو الصوت المرتفع والذى يجيد الشتم والسب فتجتنبه وقد تسميه بأنه شخص قوى بل وتكاد تُثنى عليه وعلى مواهبه القذرة، فبمثل هذا التفكير الغريب اكتسب صديقى تفكيره الحديث بأن أطلق على الوقاحة صراحة. نعم يا صديقى نحن نعانى من خلل قيمى عندما نحول خلافاتنا البسيطة إلى قطيعة وتناحر، نعانى من خلل قيمى عندما جعلنا من يختلف معنا فى الرأى عدو يجب قتله وتعاملنا بقانون (بوش) عندما قال (من ليس معى فهو ضدى)، نعانى من خلل قيمى عندما نترك مشاكلنا الداخلية تكبر ويسمعها الغير ونشغل بها المحاكم فى الوقت الذى بدأت تتلاشى مقولة (اللى ملوش كبير يشترى له كبير) وذلك عندما خرجنا من (طوع) كبير الأسرة الذى كان بدوره يحتوى المشكلات البسيطة التى ضجت بها أروقة المحاكم الآن وأصبح (غسيل) الأسر (منشور) على مرأى ومسمع من الجميع وكأننا تناسينا المعروف و(العيش والملح) وصلة الرحم. بالتأكيد يا صديقى لن أعيدك إلى زمن المثالية التى افتقدناها، ولكن أردت أن أذكرك بأصلك الطيب وتاريخك المشرف، والآن أدعوك بأن تحافظ عليه برقى أخلاقك وسمو روحك وتجاوزك عن الهفوات والزلات وعليك أن تَلزم وترافق كبار السن وأن تنهل من طباعهم حتى نعيد التماسك للأسرة، وبالتأكيد لا أنتظر منك أن تقول لى وماذا أصنع بمفردى فى وسط هذا التغير الكبير ؟ أقول لك ابدأ بنفسك ستجد بالفعل أن هناك الكثير ممن بدأوا بأنفسهم. دمتم بخير.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;