محمد أبو هرجة يكتب: العرض الأخير

على خشبة هذا المسرح القديم الساحر أبو الفنون فى مدينة الفن والفنون القاهرة، كان عرفات ممثلا كوميديا يلعب دائما دورا ثانويا أو البطل الثانى، نجم فى موقعه، قنبلة من الضحك تتحرك على المسرح. يظهر إبداعه فى إخراج الجميع من عالمهم المكتظ بالمشاكل إلى عالم خيالى يسبحون فيه بابتسامة تنسيهم همومهم، لم يكن بطلا فى يوم من الأيام ولم يأخذ فرصته ولكنه استمر كما هو مساعدا لنجوم كبار فى الماضى ونجوم الكوميديا الجدد .

كان عرفات على عكس المسرح تماما فى حياته الواقعية يمتلئ بالحزن والألم فى منزله لا يتكلم كثيرا ولا يمزح مع أولاده الذين كرهوا المسرح بسبب أن والدهم يخرج كل ما عنده من مرح وضحك على المسرح فقط، وفى المنزل يكون شخصا عصبيا يثور لأتفه الأسباب وهو إما نائما أو غير موجود وعندما يتواجد يكون سببا فى توتر المنزل بالكامل، زوجته تحملته كثيرا ولم تشعره بما يحدث فى المنزل فرغم وجود أزمات مادية أحيانا لا تجعله يشعر بها، فهى تعمل فى إحدى الشركات لتساعده فى مصاريف البيت، عرفات بدأ يشعر أنه لم يصل لأى شىء صحيح أنه حقق شهرة واسعة، ولكن لم يحقق الملايين كما يعتقد الناس، فمن يحصل على الملايين هم النجوم فقط وليس كل أبطال العمل الفنى .

قرر عرفات الانسحاب من التمثيل نهائيا، أن يكون آخر مشهد له فى التمثيل وداعا لجمهور كان يعشقه، وداعا لهذه الشخصيات التى دوما لعبها ليعود إلى شخصيته الحقيقية، فلا أحد يعلم ما يعانيه يريد أن يسعد نفسه فى بقية حياته، يريد أن يرسم الابتسامة على وجه أولاده ويجرب حظه كما يقولون فى أى عمل آخر، يسافر إلى الخارج ويكون له باب رزق آخر، فلم يعد الوسط الفنى يلائمه فأصبح تكتلات وعلاقات تمتلئ بالنفاق والمصالح وهو لم يتعود على هذا الأسلوب، وبالتالى أصبحت الأدوار قليلة أمامه.

فى دوره فى المسرحية يلعب دور بائع النكات السخيفة، حيث يقوم بإلقاء النكته وبالطبع تكون سخيفة ويقوم أبطال العمل بالتريقة على النكتة ويضحك الجمهور، وفى نهاية المسرحية من المفترض أن يكون مشهده عبارة عن دقيقتين يتكلم فيها عن نفسه ويعلن اعتزاله لهذه المهنة، لأن حياتنا أصبحت نكتة من شدة التناقضات التى نراها فأصبحت حياتنا مسرحية كوميدية لكنها سوداء، وقرر عرفات أن ينحرف عن النص ويلقى خطاب الوداع للجمهور، فمخالفته للنص لن تؤثر عليه فهذا آخر يوم له على المسرح. وفعلا قرر أن يكون خطابه الأخير ارتجاليا وعندما جاء دوره فى آخر دقيقتين على المسرح وجميع الممثلين ومعهم نجم المسرحية يشاهدونه من وراء الستار، بدأ عرفات يلقى كلمته (دلوقت بس أحب أقولكم أن ده آخر عرض لى، ويبتسم الجمهور اعتقادا أنه يمزح ولكنه يكمل، لا بالفعل ده آخر عرض لى، سأتفرغ لنفسى، أنا كنت دايما سبب السعادة لناس كتير أوى وفى نفس الوقت كنت أتعس من أتعس واحد فيكم، محدش بيفرحنى ولا بيسعدنى، ينظر الفنانون من وراء العرض فى دهشة وتعجب إلى نجم العرض الذى أشار لهم بالصمت، وأن يتركوا له حرية إنهاء العرض، ويواصل، أنا كنت بشوفكوا بتضحكوا وأنتوا فاكرين أن حياتى زى المسرح ده، لكن كانت العكس تماما حياة تعيسة ملهاش قيمة ولا مستقبل، كل ضحكة وراها الم وحزن عميق . صحيح هتوحشنى خشبة المسرح لكن شخصيتى الحقيقية وحشتنى أكتر)، ويتمتم الجمهور ويتكلم كل واحد إلى من بجواره يتساءلون عما يحدث ووسط تصفيق الجمهور، إلا أن نجم العرض قرر عمل مفاجأة لعرفات. هذه الفتاة التى تجلس على كرسى متحرك لفتت نظره لتواجدها اليومى لحضور المسرحية فساعدها للوصول لخشبة المسرح وأعطاها الجهاز ليصل صوتها عاليا وقالت لعرفات: بس أنت لو اعتزلت ناس كتير هتحس بالألم وأنا أولهم وأنت الوحيد اللى كان بيخفف عليا حالتى الصعبة دى أرجوك بلاش عايزاك تتراجع عن قرارك ده، لم يتخيل عرفات أنه سيكون مهما لهذه الدرجة فقبل رأس الفتاة الصغيرة وابتسم ولم يجد كلمات يعبر بها ولأول مرة يشعر بالارتباك والذهول ولم يكن له رد فعل وصفق الجمهور كثيرا ووقفوا تقديرا لعرفات ولهذا الموقف العجيب ودخل أبطال العرض ونجم المسرحية يقومون بتحية عرفات الذى دمعت عيناه من شدة هذا الموقف الإنسانى، وتراجع عن قراره الصعب، وقال عرفات لنفسه إنه قد يكون لك قيمة كبيرة وأنت لا تدرى فهناك من يقدرك ويحبك من بعيد جدا ولكن لا تراه .




الاكثر مشاهده

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

;